شاهدت هذا العام ثلاث مسرحيات للأطفال علي مسرح الدولة، آخرها أمس الأول الجمعة مسرحية "كوخ الطيبين" علي المسرح العائم الصغير، من تأليف وإخراج زين نصار، ويشارك في العرض مجموعة مميزة من الممثلين الشبان، والحقيقة أن المسرحية تستحق أكثر من كتابة مقال عنها، فمشاهدة مسرح الأطفال حق لكل طفل رغم أنه لا يزال غير مفعل حتي الآن. ورغم أن المسرحيات الأخري التي قدمها مسرح الدولة للأطفال لا بأس بها مثل "الأميرة والتنين"، و"أبو علي" وتقدم متعة حقيقية للأطفال، لكن "كوخ الطيبين" تقدم ما هو أكثر من ذلك، فهي تعرض بشكل مبسط تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي في عمل فني بسيط جدا يفهمه كل طفل دون الإخلال بالمتعة وهي الهدف الرئيسي لأي عمل فني، كما أنها تشخص الواقع العربي، وتقدم بشكل مبسط كيف يمكن للعرب تحرير أراضيهم إذا استعادوا تضامنهم ووقفوا علي قلب رجل واحد، للدفاع عن حقوقهم. وأعتقد أن كل من شارك في هذه المسرحية سواء زين نصار في التأليف والإخراج، أو الممثلون الذين يأخذون العمل بجدية مثل حمادة عبدالحليم وصفوت صبحي وياسمين وشهيرة كمال وسيد عبدالرحمن ووفاء السيد وطارق كامل وأيمن بشاي وعبدالناصر ربيع ومريم البحراوي وجورج وصفي، ومصمم الديكور شكري الأنصاري والأقنعة مجدي ونسي والأشعار محمد الصواف والألحان صلاح الكردي، جميعهم يستحقون التحية والإشادة. لكن التحية الواجبة لكل القائمين علي هذا العمل المميز لا تنفي وجود بعض الملاحظات لا تخص العمل، بقدر ما هي للمشاهدين، فمثلا من غير المعقول اصطحاب أطفال تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات تغطي أصوات بكائهم وصراخهم علي متعة المشاهدة، وهو أمر يستدعي من إدارة المسرح التشديد علي عدم دخول الأطفال الرضع للمسرح، والشيء الثاني الذي يخص المشاهدين هو عدم الالتزام بالتعليمات الصريحة بعدم تصوير المسرحية بكاميرات الموبايل، فأي عمل فني محمي بحقوق الملكية الفكرية ويجب علي المشاهدين الإلتزام به، وعلي القائمين علي المسرح تطبيق القانون بمنتهي الصرامة.الشيء الأكثر أهمية أن مثل هذه المسرحيات تعرض في أيام الإجازات ومع ذلك لا يكاد نصف المسرح يمتلئ بالحضور، رغم أن سعر التذكرة يتراوح بين عشرة وعشرين جنيها، وهو ما يكشف عدم وجود ثقافة مسرحية لدي المصريين، رغم أن مسرح الطفل في أي مكان في العالم يحتاج إلي حجز المقاعد قبلها بفترة طويلة.وأتمني علي وزارة التربية والتعليم، التي لا تولي اهتماما كبيرا بالنشاط المسرحي داخلها تعويض هذا الغياب الخطير، باتفاقات مع وزارة الثقافة، لوضع جداول دورية لحضور تلاميذ المدارس مثل هذه المسرحيات، وتنظيم عروض لها في كل المحافظات المصرية وعدم اقتصارها علي القاهرة والإسكندرية فقط.الأمر الأكثر غرابة هو أن هذه المسرحيات لا يتم تصويرها وعرضها في التليفزيون حتي يراها كل أطفال مصر، رغم وجود قناة حكومية للأسرة والطفل.. وهو موضوع يستحق أن ينتبه له التليفزيون.. فمسرح الطفل ليس مجرد مسرحية، وإنما هو أحد أهم وسائل تنمية الخيال لدي الأطفال، وغني عن القول أن أحد أبرز مشاكل مصر هو غياب الخيال في جميع المجالات.