المسرح عند الشيعة هو مجال خصب وثري لتصوير أجواء الاحتفال العاطفية باستشهاد الحسين والتباكي عليه والتعاطف مع آل البيت.. سواء في ايران أو في لبنان عند حزب الله في مدن الجنوب.. يعد المسرح أداة تعبوية ومؤثرة بالدرجة الأولي حيث تلعب المسرحيات أو "التعزية" كما اصطلح عليها بالفارسية علي وترين؛ الأول هو استشهاد الحسين متلاعبة بالعواطف الجياشة للشيعة في هذا الأمر والسبب الثاني هو تعريف العدو. "المسرح أداة تعبوية في المدارس الشيعية".. عنوان ورقة بحثية قدمتها كارين لوتوماس في مؤتمر استضافته الجامعة الأمريكية في بيروت مطلع الشهر الجاري بعنوان "الممارسات الثقافية للشباب في العالم العربي"، وذلك بالتعاون مع مؤسسة فورد ومؤسسة هنريش بول ومعهد عصام فارس للسياسات العامة والشئون الدولية بالجامعة. ومن قبلها، قدمت الباحثة سابرينا ميرفن بالمعهد الفرنسي للشرق الأدني دراسة تفصيلية بعنوان "مسرح الشيعة في لبنان.. بين الطقوس والمشاهد" في اطار كتاب باسم "الطرق الفنية والمشاهد الثقافية في الشرق الأوسط" نشره المعهد الفرنسي منذ عامين والتي نعرض أهم مقتطفاتها لتعطينا صورة عامة عن أهمية المسرح لدي الشيعة. بدايات مسرح الطقوس الشيعية كانت في ايران في القرن الثامن عشر حين رعاها الأمراء حيث كان يتم تصوير معركة كربلاء ومراسم احياء ذكري الحسين واستشهاده علي يد جيش يزيد بن معاوية كل عام بالطقوس المعتادة عند الشيعة في يوم عاشوراء بالضرب علي أجسادهم حتي تنزف الدماء. ويتميز المسرح الشيعي بأن التمثيل فيه يكون في أماكن مفتوحة أي أنه لا توجد فيه خشبة مسرح وانما يعرض في الخارج كأنه فيلم سينمائي يتم تصويره. لكن المسرح الشيعي لم تقتصر شعبيته علي ايران وانما امتد إلي لبنان كالمادة المستوردة في نهاية الامبراطورية العثمانية علي يد الايرانيين الذين يعيشون فيما يعرف الآن بجنوب لبنان ودمشق وأدي صعود حزب الله وايديولوجية المقاومة إلي تشجيع هذا اللون المسرحي، الا أن انتشاره في لبنان لا زال علي نطاق ضيق حتي بعد تعريبه عام 1910 وتحوله من الفارسية إلي اللغة العربية حتي اندمج في الثقافة المحلية وتلاشت منه بعض الملامح التي تميز المسرح الفارسي. من هذه الملامح التي تغيرت في المسرح الشيعي اللبناني هو الممثل الذي يظهر مرتديا بذلة تمثل شخصية "الأسد" علي وهو يرثي الحسين ميتا اذ أن شخصية أسد الله حاضرة بقوة في الثقافة الفارسية، كما تظهر النساء في المسرح الشيعي اللبناني بينما يقتصر المسرح الفارسي علي الرجال. وفي الفترة الأخيرة، اكتسب المسرح الشيعي في لبنان صبغة سياسية أصبح يتعرض بعدها لكافة الطقوس السياسية والاجتماعية والثقافية لحشد الجموع مثلما كانت عاشوراء أداة للتعبئة. وبالرغم من أن تسييس عواطف الشيعة للحسين ليس أمرا جديدا (يحدث ذلك في ايران منذ العهد الصفوي) الا أن العملية باتت منظمة وممنهجة في جنوب لبنان عبر عدة مراحل، أولها بدأ في أواخر الخمسينيات مع ظهور جماعات سياسية مستقلة بفضل تحديث التعليم مثل البعثيين والشيوعيين في اطار الوضع السياسي والاجتماعي الجديد بالجنوب اللبناني عقب اغلاق الحدود مع اسرائيل. في ذلك الوقت، كان كفاح الحسين يصور في المسرحيات علي أنه نضال ضد يزيد (أو الشر) ممثلا في الصهيونية بينما تكون كربلاء فلسطينا. أما المرحلة الثانية في تسييس المسرح الشيعي في جنوب لبنان فكانت مع تنامي النفوذ السياسي للامام موسي الصدر الذي كان أول امام في لبنان يستخدم رسالة الحسين لتحريك جموع الشعب في أواخر السبعينيات داعيا الشيعة لرفع رؤوسهم والقتال من أجل حريتهم واستقلالهم، فيما بدأت المرحلة الأخيرة مع الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 في قرية مجدل سلم حين قرر رجلان الصعود لأماكن في الجبل للاحتفال بعاشوراء وأربعين الحسين، وكانت فكرتهما كما قال أحدهما هي "مواجهة الاحتلال". لكن كيف جاءت المقاومة الشيعية لاسرائيل؟ أو مقاومة الاحتلال؟ جاء ذلك بعد اندلاع مواجهات بين القوات الاسرائيلية وشيعة يحتفلون بعاشوراء كانوا يسيرون في مسيرة إلي النبطية عام 1983 اذ تدخل الاسرائيليون فبدأ الشيعة في مهاجمة سيارات الجيب العسكرية الاسرائيلية بسيوفهم التي يحملونها تكفيرا عن ذنوبهم في طقس معتاد في هذه المناسبة فوقع ضحايا في الجانبين، وكانت هذه الشرارة التي أشعلت المقاومة ضد الاحتلال كما يقول الشيخ عبد الحسين صادق امام مدينة النبطية.