حماس: أنس الشريف أيقونة الحقيقة وشاهد المجاعة في غزة    حامد حمدان ينعى مراسل الجزيرة أنس الشريف    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    الرئيس الأوكراني: نحن نفهم نية روسيا في محاولة خداع أمريكا ولن نسمح بهذا    محافظ الفيوم يكرم أوائل الثانوية والأزهرية والدبلومات الفنية    مأساة ضحيتي الشاطبي .. رحلة مصيف تنتهي أسفل عجلات ميكروباص    محافظ سوهاج يبحث تطوير النظام المالي والتحول الرقمي بالمحافظة    محافظ سوهاج يتابع معدلات الإنجاز في ملف تقنين أراضي أملاك الدولة    وصية الصحفى الفلسطينى أنس الشريف: أوصيكم بفلسطين درة تاج المسلمين    المعارضة الإسرائيلية: نتنياهو فشل فى تحقيق أهداف الحرب لمدة 22 شهرًا    هاني رمزي: ريبيرو يقلق جماهير الأهلي    برشلونة يمطر شباك كومو في كأس خوان جامبر    ملف يلا كورة.. نهاية الجولة الأولى بالدوري.. وصول ألفينا.. واعتذار حسام حسن    منافس المصري المحتمل.. الاتحاد الليبي يتأهل إلى الكونفدرالية الأفريقية    خلال ساعات.. تقليل الاغتراب 2025 تنسيق المرحلة الأولى والثانية «الموعد والرابط وضوابط التحويل»    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    هتقعد معاكي لأطول مدة.. أفضل طريقة لحفظ الورقيات في الثلاجة    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    ماس كهربائي.. إخماد حريق محدود داخل كنيسة قرية أبوان بالمنيا    النفطي: معلول إضافة للصفاقسي والجزيري يمتلك شخصية مصطفى محمد    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل الصحفي أنس الشريف في غارة على غزة    الإسكندرية السينمائي يطلق استفتاء جماهيري لاختيار أفضل فيلم سياسي مصري    لارا ترامب تتفاعل مع محمد رمضان لتصبح أحد متابعيه على السوشيال ميديا    يوسف الحسيني: اجتماع الرئيس بقيادات الهئيات الإعلامية يفتح آفاقًا جديدة للإعلام    تكريم اسم الفنان لطفي لبيب والإعلامي عمرو الليثي بمهرجان إبداع للشباب- (25 صورة)    فرصة ذهبية لطلاب الإعدادية.. تخفيض الحد الأدنى للالتحاق بالثانوي بدمياط    تتطلب مهارات.. وزير العمل: حريصون على توفير فرص عمل للشباب في الخارج    برشلونة يكتسح كومو بخماسية ويتوج بكأس خوان جامبر    "تضامن سوهاج" تكرم 47 رائدة اجتماعية وتمنحهن شهادات تقدير    موظفو طيران في بروكسل يطالبون بعدم استئناف الرحلات لإسرائيل    «لا يجب التنكيل بالمخطئين».. المسلماني: الرئيس طلب الاستعانة بكل الكوادر الإعلامية    الداخلية تضبط طالبا يستعرض بدراجة بخارية    قرار هام بشأن البلوجر مونلي صديق سوزي الأردنية بتهمة نشر فديوهات خادشة    السيطرة على حريق داخل مخزن مواد غذائية فى الزيتون دون إصابات.. صور    إخلاء سبيل طالب طعن زميله في شبرا الخيمة    اتهامات لمحامي بالاعتداء الجنسي على 4 أطفال بالدقهلية    المسلماني: الرئيس لا يريد شعبًا مغيبًا وجاهلًا (فيديو)    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات الأخرى ببداية تعاملات الإثنين 11 أغسطس 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 11 أغسطس بعد الزيادة الأخيرة (تفاصيل)    4 أبراج «بيحققوا النجاح بسهولة»: يتمتعون بالإصرار والقوة ويتحملون المسؤولية    كشافين في القرى للبحث عن أم كلثوم والشعراوي.. المسلماني يكشف توجيهات الرئيس    اجتماع مديري الثقافة والتربية والتعليم لتعزيز الأنشطة الثقافية والتعليمية بين الطلاب    ويزو تحكي أسرار "مسرح مصر": «أشرف عبدالباقي كان بيأكلنا ويصرف علينا من جيبه»    94 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة بداية الأسبوع    خالد الغندور: التوأم يوصي فتوح بالالتزام للمشاركة مع الزمالك    فوائد اليانسون، يهدئ المعدة ويعالج نزلات البرد والإنفلونزا ويقوي المناعة    المنوفية تُطلق عيادات الدعم النفسي بخمس وحدات رعاية أساسية | صور    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتابع أعمال التطوير في المجمع الدولي ومستشفى الكرنك    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    اتحاد عمال الجيزة يضع خطته للتأهيل والتدريب المهني    موعد إجازة المولد النبوى الشريف 2025 للقطاعين العام والخاص    الشوربجي يشكر الرئيس السيسي على زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«انقلابات إقليمية» فى لبنان
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 07 - 2009

فى جلسة خاصة لكاتب هذه السطور فى واشنطن مع مسئول بارز فى مركز الأبحاث الأمريكى «سينتشارى فاونداشن» المقرّب من دوائر القرار الأمريكى، طرح هذا الأخير فجأة السؤال التالى: هل تعتقدون أن لحزب الله مستقبل فى التركيبة اللبنانية؟
السؤال كان مفاجئا. إذ كان يتوقع أن يثير هذا المسئول، الذى يعتبر خبيرا فى شئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، قضايا كمسألة سلاح حزب الله، أو آفاق تطبيق القرار الدولى الرقم 1701، أو مدى تأثر الحزب بالسياسات الجديدة لإدارة أوباما فى الشرق الأوسط.
وحين بادرنا إلى سؤاله عن أسباب تركيزه على هذه المسألة، لم يتردد المسئول فى الإجابة: «لأن حزب الله دخل الآن فيما يمكن أن يكون مأزقا كبيرا: فهو بعد حرب 2006 لم يعد قادرا على ممارسة دوره كقوة مقاومة عسكرية ضد إسرائيل، وهو فى الوقت نفسه لا يمتلك فى الواقع مشروعا سياسيا لبنانيا لأن انتماءه الحقيقى (رغم «تلبننه» بعد اتفاق الطائف عام 1989) هو لأمة ولاية الفقيه الإسلامية وليس للأمة اللبنانية التى لا يعترف بها أصلا».
وأضاف المسئول، الذى بدا حينذاك وكأنه يفكر بينه وبين نفسه بصوت عال: والآن، يجب إضافة مشكلات أخرى إلى هذه المعضلة، فى مقدمها الانشطار الكبير للأمة الإيرانية إلى نصفين بعد الانتخابات الأخيرة، وما ينتظر أن يثيره ذلك من علامات استفهام حول مدى شرعية ولاية الفقيه أو على الأقل ولى الفقيه الراهن آية الله خامنئى، والتحسن الكبير الذى تشهده هذه الأيام العلاقات السورية الأمريكية ونسبيا العلاقات السورية السعودية.
فى جلسة أخرى، لكن هذه المرة فى بيروت مع أطراف مقرّبة من حزب الله، طُرح السؤال حول مستقبل حزب الله، ولكن من زاوية حدثيه أكثر تحديدا: طبيعة دوره فى الحياة السياسية اللبنانية بعد النكسة الانتخابية، التى مُنى بها، والتى كشفت بشطحة قلم عن وجود تباين حقيقى فى مواقف حلفاء الحزب الإيرانيين والسوريين. ففى حين كان الرئيس الإيرانى (المُشكك الآن بشرعية رئاسته) أحمدى نجاد يعلن بثقة أن قوى 8 آذار ستفوز، وأن ذلك «سيغيّر معادلات الشرق الأوسط»، كانت دمشق تقف على الحياد فى الانتخابات، الأمر الذى جعلها تنال مكافأة فورية من واشنطن تمثلت فى إعادة السفير الأمريكى القديم إليها.
ماذا يمكن أن يفعل حزب الله فى مثل هذه الظروف؟
أجاب أحد الحضور: حتى السيد حسن نصر الله ربما لا يعرف!
صحيح أن ثمة أحاديث الآن عن توّجه حزب الله إلى ممارسة سياسية الانتظار والتهدئة إلى أن ينجلى الغبار الإيرانى والشرق أوسطى، وهذا يمكن أن يتجسّد فى تخفيف شروطه حيال تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريرى (عبر الانتقال، مثلا، من شعار الثلث المعطل إلى مبدأ الحصول على ضمانات حيال سلاح المقاومة)، إلا أن هذا الموقف سيتعقد بسبب حرص الحزب على إبقاء التيار الوطنى الحر فى حظيرة التحالف معه. وبالتالى، إذا ما وضع التيار العصى فى دواليب الحكومة الجديدة فى حال لم يحصل على مطالبه كاملة منها، فسيكون على حزب الله حينذاك الاختيار بين مصالحه الخاصة (كمقاومة) والشيعية (كطائفة موحدة) وبين مواصلة منح العماد عون جوائز ترضية وإرضاء.
وفى الوقت نفسه، ثمة أحاديث أخرى عن توجّه الحزب إلى تشكيل جبهة وطنية جديدة تضم كل الأطراف الطائفية وغير الطائفية المعارضة لتيار 14 آذار. لكن السؤال الكبير هنا هو: هل ستكون حركة أمل والقوميون السوريون وباقى أطياف الألوان السياسية الموالية لدمشق جزءا من هذه الجبهة أم خارجها؟
كل الدلائل تشير إلى أن حركة أمل قد لا تشارك فى مثل هذه الجبهة، وأنها على العكس ستعمل على احتضان فكرة وضع الثلث الضامن فى حضن رئيس الجمهورية.
وهذا التطور، فى حال حدوثه، سيشكل انقلابا حقيقيا فى كل من العلاقات والتحالفات داخل الطائفة الشيعية، وفى الموازين اللبنانية ككل.
رئيس حركة أمل نبيه برى بات يتحدث الآن عن «خلط» 8 و14آذار، وعن ضرورة ألا تقف الطائفة الشيعية حجر عثرة فى وجه مشروع الدولة اللبنانية الحديثة. وبالطبع، هذه اللغة التى ستؤدى حتما إلى تحجيم 8 آذار، لا 14آذار، بسبب فوز هذا الأخير بالأكثرية وإلى تعزيز دور رئيس الجمهورية المارونى، لن تلقى هوى لا من طهران ولا من حزب الله. لكنها قد تحظى بتصفيق من طرف إقليمى آخر: دمشق.
هذا، وعند هذه النقطة، قد تتكشف بعض ملامح الصورة اللبنانية الجديدة التى بدأت تبرز مع وصول الرئيس أوباما والديمقراطيين إلى البيت الأبيض، ثم بشكل جلى أكثر مع موقف رفع اليد الذى مارسته سوريا حيال الانتخابات اللبنانية الأخيرة.
فالتباين كان فاقعا فى الساحة اللبنانية بين دمشق وطهران، وهو كان يزداد وضوحا مع كل خطوة تخطوها الأولى نحو واشنطن (وبالعكس) ليس فقط فى لبنان بل أيضا فى كل الملفات الإقليمية الأخرى:
إذ تتردد معلومات الآن عن أن سوريا حصلت من الولايات المتحدة على «أوراق اعتماد» جديدة فى العراق، تتمثل بزيادة وتدعيم النفوذ السورى فيه لموازنة النفوذ الإيرانى، من ناحية، ولمكافأة دمشق على الجهود، التى بذلتها فى وقف تدفق المقاتلين «الجهاديين» والأسلحة إلى العراق وفى دعم الخطط الأمنية العراقية الأمريكية هناك.
وعلى رغم أن طبيعة النفوذ السورى الجديد الذى سيُسمح به فى بلاد الرافدين لم تتضح بعد، إلا أنه من المؤكد أنه سيرضى دمشق إلى حد كبير على المستويين السياسى والاقتصادى. ففى المستوى الأول، سيشكل ذلك اعترافا أمريكيا كبيرا (لا بل البعض يقول حتى «تبنيا» أمريكيا) بالدور الإقليمى السورى فى منطقة المشرق العربى، بعد أن كانت إدارة بوش السابقة قد اتخذت قرارا بإعدام هذا الدور. وعلى المستوى الاقتصادى ستقطف دمشق ثمارا يانعة فى العراق بسبب ثراء هذا البلد وفرص الأموال الطائلة، التى ستصرف هناك فى مجالى الأمن وإعادة الإعمار.
وفى فلسطين، بات واضحا أن التغيرات التى طرأت على مواقف حركة حماس حيال الحوار مع فتح، وما رافقه من تجاوب مع المبادرات المصرية، كانت حصيلة النفوذ، الذى مارسته سوريا على الجناح الدمشقى لهذه الحركة. وهذا ما منح هذه الأخيرة «bonus» (علاوة إضافية) أمريكية جديدة لها قد تترجم نفسها قريبا فى شكل تشجيع واشنطن للرئيس محمود عباس على منح السوريين نفوذا أكبر فى الشأن الفلسطينى، لكن هذه المرة كوسيط لا كطرف فى الصراع على السلطة بين فتح وحماس.
وبالطبع، هذا التطور لم يرق البتة لطهران النجادية، التى كانت تعتبر ورقة حماس فى أهمية ورقة حزب الله، لأنها تشكّل مدخلها إلى أعمق أعماق القضايا العربية: فلسطين.
ثم هناك أخيرا مسألة السلام السورى الإسرائيلى، والتى يتوقع أن تشهد خلال الأيام والشهور المقبلة تطورات درامية، خاصة إذا ما نجحت إدارة أوباما فى إقناع الليكود بالتخلى عن فكرة الضم النهائى لمرتفعات الجولان إلى الأراضى الإسرائيلية.
وتقول هنا مصادر مطلعة فى واشنطن إن إدارة أوباما اتخذت قرارا استراتيجيا لا عودة عنها بجذب سوريا إلى المحور العربى بعيدا عن المحور الفارسى. وهذا القرار لن يترجم نفسه فى صورة الاعتراف الأمريكى بالأدوار الإقليمية لسوريا وحسب بل أيضا فى العمل على تسوية مسألة الجولان.
كل هذه المعطيات تشى بأن العلاقات السورية- الإيرانية تمر بالفعل فى مضائق صعبة هذه الأيام. صحيح أن «الزواج» السورى الإيرانى (كما يحب الكثيرون وصف التحالف بين الطرفين) لا يزال قائما، لكن الشجارات الداخلية بين الزوجين وإن لم تصل إل الطلاق، إلا أنها باتت تشكّل وجع رأس حقيقيا، على الأقل بالنسبة إلى طهران.
وهذا أمر مفهوم. فدمشق بدأت الآن تبتعد عن الشعارات، التى تبناها سابقا الرئيس بشار الأسد حول الممانعة والمقاومة غداة الغزو الأميركى للعراق العام2003، وباشرت استئناف ما انقطع من سياسات الرئيس الراحل حافظ الأسد القائمة على فلسفة «التاجر الدمشقى»: جنى الأرباح من زبائن عدة مقابل حملهم على المنافسة لشراء السلعة نفسها.
وهذه الأيام يبدو التاجر الدمشقى فى أوج تألقه، بعد أن رحل «البعبع» البوشى، الذى كان يهدد بتغيير نظامه، وحلّ مكانه فى البيت الأبيض مستثمر يعشق القفازات المخملية وألعاب البازار.
وهذا وحده مبرر كاف لبدء بروز تغيّر فى طبيعة العلاقات السورية الإيرانية. فما بالك إذا ما كان ثمة قرار استراتيجى أمريكى بجذب سوريا نهائيا إلى المحور العربى؟
هناك، إذن، تحولات حقيقية فى الوضع الإقليمى ترخى بظلال ثقيلة على وضعية حزب الله فى لبنان، وتبرر بالفعل التساؤلات، التى طرحها الباحث الأمريكى فى «سينتشارى فوانداشن» حول مستقبل هذا الحزب فى التركيبة السياسية اللبنانية.
أليس كذلك؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.