لم يخرج رد فعل القدرات العربية الناعمة (السياسية والاعلامية) حيال اقتراح حكومة السويد ( رئيس الاتحاد الأوروبي يولية / ديسمبر 2009 ) أن يوصي وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بأن تكون القدس عاصمة لدولتين ، عن التأييد الإستاتيكي دبلوماسياً والتهليل المرحب إعلامياً .. لم يتحرك الطرف الفلسطيني الفتحاوي الذي له علاقات قديمة مع دول الشمال الأوروبي وعلي رأسها السويد بشكل إيجابي مفسحاً الطريق لحركة إعلامية ولو محدودة تلقي الضوء علي ممارسات دولة الاحتلال الرامية إلي طمس معالم الشطر الشرقي من المدينة والعمل حثيثا علي ضمه للشطر الغربي لتهويده، هذا الطرف لديه الإمكانيات (المال والكوادر) التي توفر له مساحة لا بأس بها لعرض وجهة نظره إعلاميا.. ولم يتحرك الطرف الفلسطيني الحمساوي ولا القوي المؤيدة له أو الأحزاب والتجمعات الجماهيرية المناصرة له، لكي يفضح ممارسات دولة الاحتلال المتعارضة شكلا وموضوعا مع اتفاقيات جنيف.. حتي قيادات التنظيمات الاسلامية التي لها توازن محسوب إلي حد ما في ساحة دول الشمال الاوروبي لم تتحرك ولو من باب لفت الأنظار. ولم تتحرك مكاتب العلاقات الدبلوماسية الفلسطينية المتنازع عليها لكي توضح بجلاء حق الشعب الفلسطيني الذي تحميه القرارات الدولية في المطالبة بوقف البناء فوق أرض القدسالشرقية وفوق جميع أراضيه المحتلة .. ولم تخطط انظمة الحكم المناصرة لها لنشر الصور والملصقات والافلام التي دبجتها وسائل الاعلام العالمية والتي تحتوي علي صور وانتهاكات لا حصر لها قامت بها قوات الاحتلال ضد المدنيين والنساء والاطفال والعجائز في الضفة والقطاع علي امتداد السنوات من 2000 إلي يناير الماضي .. اكتفي الطرفان بالتسابق علي نفي كل منهما للآخر .. ماذا لو وجه خالد مشعل شراع سفريته إلي العاصمة السويدية، بدلاً من تلك التي قام بها إلي صنعاء وبعدها طهران لبحث أسس المصالحة بين الطرفين اليمني والإيراني علي خلفية أحداث محافظة صعدة التي يتمرد بين شعابها الحوثيون ضد شرعية الدولة اليمنية، لكي يشرح وجهة النظر الفلسطينية التي قيل إنه سبق وعرضها ضمن دائرة تليفزيونية مغلقة علي أعضاء بمجلس العموم البريطاني؟؟ .. الجهد العربي الجماعي علي المسارين الدبلوماسي والإعلامي لم تظهر ملامحه القريبة او البعيدة بالصورة لأن البعض منه يقف مؤيداً للسلطة الفلسطينية والبعض الآخر يؤيد حماس .. البعض لا يريد أن يضر بعلاقاته ومصالحه التجارية والبعض الآخر لا يرغب في المساس بمصالحه الاستثمارية .. البعض لا يريد أن يكشف المتلصصون الستار عن حساباته السرية والبعض الآخر لا يريد ان يكشف الخبثاء الستار عن زيارته السرية .. علي الجانب الأخر ماذا فعلت إسرائيل عندما استخدمت نفس القوي الناعمة؟.. أطلقت أبواق وسائل إعلامها ضد الحكومة السويدية ولم تتذكر لها إلا كل سيئة .. عرت مجتمعها الداخلي وأنكرت ان لها أي مساهمات في السياسة الأوروبية ، ومن ثم استنكرت حقها في أن تدس أنفها في ملف الصراع الإسرائيلي العربي واتهمتها بقلة الوعي والمعرفة لأنها اختارت أن تناقش أعقد أوراق هذا الملف "القدس".. استقدمت قنواتها التليفزيونية المتخصصين وأشركتهم في برامج حوارية ، تمكنت من خلالها إقناع مشاهديها بأن استوكهلم " عاصمة ليس لها وزن ولا تأثير علي مستوي صنع القرار الأوروبي " وأبعدت عنهم حدة الخوف التي بدأت بينهم علي استحياء خشية أن يتبني وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مشروع القرار " الخطير الذي يوصي بأن يكون للأغيار نصيب في العاصمة المقدسة.. استحثت الجاليات اليهودية في كل البلدان الأوروبية للتواجد إعلامياً وحقوقياً في الميدان عن طريق أدوات التواصل المؤثرة .. النت والآي فون والتويتر والاتصال الفردية والجماعية ، وأرسلت اليهم برسائل معدة مركزياً (في تل ابيب) تطالب الجماهير بالضغط علي الحكومات لكي ترفض المشروع السويدي لأنه سيعطل مسيرة السلام التي بدأتها إسرائيل بتجميد البناء في المستوطنات لمدة عشرة أشهر " بالرغم من رفض الشريك الفلسطيني للخطوة وتعمده إهدار فرص إقرار سلام حقيقي في المنطقة. أرسلت عناصر مختارة من مسئولي الحكومة وكبار الشخصيات السياسية حتي في صفوف المعارضة لعقد لقاءات فورية وعاجلة مع صانعي القرار في العواصم الاوروبية ذات التأثير وتلك التي يمكن استمالتها ، ليشرحوا لهم مضار تبني مشروع القرار السويدي ليس فقط علي مسيرة السلام ولكن أيضا علي " منهجية خضوعهم للأخطاء التي يرددها غير المطلعين علي حقائق التاريخ " .. في باريس وحدها حظيت تسيبي ليفني زعيمة المعارضة في الكنيست الاسرائيلي علي تعهد من أركان الدبلوماسية الفرنسية بتعديل نص المشروع ( السويدي ) بحيث يتأتي متواكباً مع ما تراه حكومة إسرائيل .. ولذلك لم يكن مستغرباً أن تنشر بعض الصحف الإسرائيلية جانباً من هذه التعديلات المتوقعة " كما اقترحتها الورقة الفرنسية " قبل يوم من صدور الوثيقة التي اتفق عليها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي .. ليس بالابتزاز وحده تكسب إسرائيل جولاتها الدبلوماسية التي يقوم أغلبها علي المغالطات ، ولكن بالترتيب والمثابرة والجهد الديناميكي المؤسس علي الدراسة حتي لو كانت مفبركة وعلي الإقناع والمناقشة حتي لو كانت غير منطقية من وجهة النظر الفلسطينية والعربية. ليس بالتذكير بالدور الأوروبي في المحرقة تكسب إسرائيل تأييد أمريكا ومساندة أوروبا، بل بتخويفهم من التمدد الإسلامي وما قد يصحبه من تهديد لبنانات المجتمع المسيحي هناك وما قد يفرضه من تغييرات في هرم تقاليده المجتمعية الراسخة .. أين نحن من هذه الحركة الدءوبة الايجابية المؤثرة ؟؟ .. نكتفي بالبقاء في اماكننا نشجب ونستنكر ونهلل إذا لزم الأمر !! د. حسن عبدربه المصري استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا