ضبط شخص يوزع مبالغ مالية لشراء أصوات الناخبين بسوهاج    ارتفاع مفاجئ في سعر الذهب.. عيار 24 يسجل 6943 جنيها للجرام    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    فتح المطارات للاستثمار |شراكة تشغيلية مع القطاع الخاص دون المساس بالسيادة    الصومال يطالب إسرائيل بسحب اعترافها ب"أرض الصومال"    فرنسا ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا    موعد مباراة الزمالك وبلدية المحلة في كأس مصر    النصر يحطم أرقام دوري روشن بانطلاقة تاريخية بعد ثلاثية الأخدود    الأهلي يفوز على الكويت الكويتي ويتوج بالبطولة العربية لكرة الماء    الداخلية تكشف حقيقة ادعاء سيدة بقيام أخرى بتوزيع سلع لدعم مرشح في الانتخابات    يسرا ناعية داوود عبد السيد.. «هفضل فكراك بضحكتك وحكاياتك»    بشير عبدالفتاح: إسرائيل تسعى إلى تموضع عسكرى فى صومالى لاند    رجال السياسة والفن والإعلام يحضرون العرض الخاص لفيلم الملحد    سهر الصايغ وعمرو عبد الجليل يتعاقدان على «إعلام وراثة» | رمضان 2026    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    نيجيريا ضد تونس .. نسور قرطاج بالقوة الضاربة فى كأس أمم أفريقيا    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    خبيرة تكشف طرق الاختيار السليم للزواج وتوقعات الأبراج 2026    218 فعالية و59 ألف مستفيد.. حصاد مديرية الشباب والرياضة بالمنيا خلال 2025    وزير الصحة يكرم الزميل عاطف السيد تقديرًا لدوره في تغطية ملف الشئون الصحية    موجة جوية غير مستقرة بشمال سيناء تتسبب بإغلاق ميناء العريش    الجيش السوداني يعلن استعادة السيطرة على منطقة الداكنوج بكردفان    النائب أحمد سيد: السياحة قضية أمن قومي وصناعة استراتيجية تقود الاقتصاد الوطني    الدفاعات الجوية الروسية تسقط 111 مسيرة أوكرانية خلال 3 ساعات    عظمة على عظمة    تأجيل قضية فتى الدارك ويب المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة لجلسة 24 يناير    تعليم العاصمة تعلن انطلاق البث المباشر لمراجعات الشهادة الإعدادية    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    خبير نووى: الأوروبيون فقدوا أوراق الضغط وإيران تتحرك بحرية فى ملف التخصيب    "القصير" يتفقد غرفة العمليات المركزية للجبهة الوطنية لمتابعة جولة الإعادة بال19 دائرة الملغاة    جهود لإنقاذ طفل سقط في بئر مياه شمالي غزة    مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية: واشنطن لن تسمح لإسرائيل بشن هجوم على إيران    ألمانيا تغلق مطار هانوفر بعد رصد مسيرات في مجاله الجوي    إقبال كثيف للناخبين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات البرلمان بقرى مركز سوهاج    صادر له قرار هدم منذ 22 عاما.. النيابة تطلب تحريات تحطم سيارة إثر انهيار عقار بجمرك الإسكندرية    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    يصيب بالجلطات ويُعرض القلب للخطر، جمال شعبان يحذر من التعرض للبرد الشديد    السجن 10 أعوام وغرامة 50 ألف جنيه لمتهم بحيازة مخدرات وسلاح ناري بالإسكندرية    جولة في غرفة ملابس الأهلي قبل مواجهة المصرية للاتصالات بكأس مصر    شوربة شوفان باللبن والخضار، بديل خفيف للعشاء المتأخر    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    عمومية الطائرة تعتمد بالإجماع تعديلات لائحة النظام الأساسي وفق قانون الرياضة الجديد    الدكتور أحمد يحيى يشارك باحتفالية ميثاق التطوع ويؤكد: العمل الأهلى منظومة تنموية    الأرصاد: السحب تتشكل على جنوب الوجه البحري وتتجه للقاهرة وتوقعات بسقوط أمطار    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    موعد مباراة السنغال والكونغو الديمقراطية بأمم أفريقيا.. والقنوات الناقلة    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية الخناقات!
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 16 - 12 - 2009

يستطرد هيكل أحكامه غير التاريخية قائلا: "الملك حسين أو الشريف حسين يتصور أنه والله نسل الرسول وبالتالي فالخلافة حقه الطبيعي حتي بالإرث، والإنجليز شجعوه علي هذا الوهم وبالتالي الشريف حسين بقي فعلا متصارع من أجل الخلافة طيب يبقي كل واحد في نظر نفسه هو ينظر إلي الخلافة بشكل معين لكن نشوف بقي كل واحد فيهم المربع الذي يحاصره..".
إنك يا هيكل تتحدث في قضايا تاريخية حساسة وتطلق الاحكام علي هواك من دون أن تسمّي الاشياء بأسمائها إذ لا تعرف الشريف حسين هل هو شريف أم ملك؟ وحتي إن تمتّع بالصفتين بعد أن أعلن مملكته في الحجاز ونودي بنفسه ملكا عليه، لكنك لا تعرف متي حدث ذلك.. أما كونه يتصور أنه من نسل الرسول.. وسواء كان من نسل الرسول أم لم يكن، فأنت أيضا تجهل أو تتجاهل ذلك من دون أي فهم لموروثات العرب، فليس هو الذي يتصور أنه من نسل الرسول، بل إن العالم الذي كان يحيطه بدءا بأصغر الناس وصولا إلي سلاطين آل عثمان يعتقدون اعتقادا راسخا أن أشراف مكة من نسل الرسول.. وكان عليك أن تفحص المصادر التاريخية القديمة لتتأكد من ذلك بنفسك قبل أن تلقي الاتهامات جزافًا. ربما لا يعني الأمر شيئا بالنسبة لي سواء كان من نسل الرسول أم لم يكن، ولكنك تجهل أن البنية الاجتماعية العربية تعترف كلها أن هناك نسقين من سلالتين اثنتين يمتد أصلهما إلي الرسول، أولاهما يسمون ب"الأشراف" وهم من نسل الإمام الحسن بن الامام علي، وثانيتهما يسمون ب"السادة" وهم من نسل الإمام الحسين بن الامام علي، ولك أن ترجع إلي كتاب المؤرخ التركي البروفيسور إسماعيل حقي اوزن جارجلو عن تاريخ الأشراف في مكة المكرمة، وهو كتاب وثائقي دقيق ومركز جدا، كي تتأكد قبل أن تطلق أقاويلك جزافا متهما هذا في أصله وذاك في نسبه وذاك في قبيلته! ولعلمك فإن أشراف مكة لم يتولوا إمارة مكة إلا في العهد العثماني، ولم تكن لهم أي سلطة سياسية في التاريخ، بل بقوا سدنة للبيت الحرام في مكة المكرمة.. ولم يكونوا من الخلفاء حتي يعتقد بأن الخلافة حق طبيعي له، وأن الانجليز لم يشجعوه علي تبني هذا الإرث. إن ما طالب به الشريف حسين في مراسلاته مع السير هنري مكماهون تأسيس مملكة عربية تمتد من الموصل والاسكندرون شمالاً وصولاً إلي جنوب الجزيرة العربية جنوبا! وارجع في ذلك يا هيكل الي كتاب رصين عنوانه: "يقظة العرب" كتبه جورج انطونيوس وفيه تفصيلات تاريخية تتعلم منها الكثير، كما نفرض ذلك علي طلبتنا في الدراسات الأولية بأقسام التاريخ حتي لا يخلطوا بين الاشياء. وللعلم، فإنني قد نبهتك مرارا وتكرارا إلي كل هذه الأمور في كتابي "تفكيك هيكل.." الذي سيبقي مدرسة لك تتعلم منها كيف تستوي وتنضج عندما تعمل علي قضايا تاريخية أكبر من حجمك بكثير!
الهذيان بعينه!
يتابع هيكل هذيانه قائلا: "الأربع جدران اللي حوالين ملك نلاقيه إيه؟ نلاقي فيه أربع جدران حوالين كل واحد فيهم، أول حاجة.. المربع الأول هو القوة الأجنبية الساندة لهم والثلاثة القوة الساندة لهم كانت إنجلترا من غير مناقشة لأنه في الصراع الامبراطوري علي هذه المنطقة بالذات خرجت بريطانيا.. خرجت الامبراطورية البريطانية متفوقة سواء في الهند بضغط حكومة الهند أو بأسطول البحر الأبيض أو بالسيطرة علي مصر بعد الاحتلال فإنجلترا كانت هي الدولة الموجودة الساندة لكل.. وهانشوف إزاي دلوقتي حالا.. لكل هذه النظم، الحاجة الثانية كل واحد فيهم كان عنده مشكلة مع شعبه بشكل أو بآخر لأسباب أو لأخري.." (انتهي النص).
دعني أسألك يا هيكل عدة اسئلة تلقي بكل هذيانك في النفايا.. حدد ماذا تقصد بأربعة جدران ومربع أول؟ ما الذي تعني بذلك؟ هل تريد القول إن الجدران الأربعة قد صنعت مربعا؟
طيب، بمعني أن الملوك الثلاثة كانوا محاصرين في مربع.. طيب، ما المعني المربع الأول؟ بمعني هناك مربعات أول وثاني وثالث ورابع.. وهلم جرا. تسميها القوة الأجنبية السائدة وهي بريطانيا ولكن هل تدرك أن بريطانيا في سياستها بالشرق الاوسط استخدمت رؤي مدرستين أولاهما مدرسة الهند وثانيتهما مدرسة مصر. بمعني أن ثقل بريطانيا بالشرق الاوسط كان في مصر التي احتلتها في العام 1882، فهل يمكنك أن تقارن علاقة الثلاثة ببريطانيا بنفس المستوي؟
وماذا سيكون دور أي زعيم آخر يتولي أمور البلاد في أي مكان من الأماكن الثلاثة التي قصدتها من دون أن يبني له علاقة من نوع ما مع أقوي دولة في العالم عصر ذاك؟ واسأل نفسك: لم تقف الولايات المتحدة الأمريكية اليوم لتساند أنظمة العالم كلها أو تزيحها من الوجود إن اعترضت علي دور القوي.. وكثيرا ما أشبه دور بريطانيا العظمي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بدور الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين.. ثم تعال لأسألك يا هيكل: هل اقتصر الدور البريطاني المساند لهؤلاء الثلاثة فقط.. لماذا لم تذكر دورها المساند لعشرات الأنظمة السياسية في العالم مقابل الدور المساند الذي لعبته فرنسا إزاء أنظمة سياسية اخري في العالم؟ ولعلمك يا هيكل، ليس العلاقة الساندة من قبل أي دولة كبري لأي دولة صغري معناه أن الملوك لها مشاكل مع شعبها. وهل هناك أنظمة حكم في كل هذا العالم وعلي كل التاريخ ليس لها مشاكل مع شعوبها؟
ثالثا: الملك فؤاد
يتابع هيكل قائلا: "الملك فؤاد كان عنده مشكلة مع سعد زغلول مع حزب الأغلبية.. الحيطة الأولانية قولنا النفوذ الأجنبي أو القوة الأجنبية الساندة، الحيطة الثانية هي شعبه في مرحلة الملك فؤاد، الوفد.. الوفد بيتكلم علي حاجة ثانية وبيتكلم علي دستور وبيتكلم علي تحديد سلطة الملك إلي آخره، الحاجة.. الحيطة الثالثة هي الأسرة.. الأسرة طالع فيها زعيم لكنه ليس الزعيم الذي لا يقاوَم ولا يناقَش علشان يفرض سلطته، اقتضاه الأمر، صراع داخل عائلته ثم اقتضاه الأمر أن يتصارع مع غيره من المطالبين بيه يعني الملك مثلا فؤاد كان عنده.. جه بعد خلع عباس حلمي.. بعد خلع عباس حلمي الثاني وجاء بعد تولي السلطان حسين كامل لفترة محدودة وجاء بعد الأمير حسين بن السلطان حسين كامل.. حسين كامل ما اعتذر عن ولاية العرش في ظل الحرب البريطانية لأنه متصور الخلافة لا يزال متصور الخلافة كانت مصر أعلنت الحماية عليها سنة 1914 والأمير حسين كمال الدين متصور انه الخلافة هي اللي توليه ومش الإنجليز والإنجليز جابوا الملك فؤاد، فيه ثورة شعبية في مصر جاية وبتطالب بدستور وبقيادة سعد زغلول فالملك فؤاد عنده مش بس خناقة مع شعبه لا عنده خناقة مع أسرته، فرع حسين كامل يعتقد أنه معتدي علي العرش أخذ عرش من غير حقه فرع الخديوي عباس حلمي يعتقد وفضل يعتقد ولغاية آخر يوم فرع طوسون وفرع حليم وفرع الخديو توفيق كانوا مصممين أنه.. أو في اعتقادهم أنه الملك فؤاد اغتصب عرشا ليس من حقه وأنه ماكنش له حق يخده فعنده إشكال مع عائلته، الحاجة الثالثة أنه.. الرابعة.." (انتهي النص).
هل يختصر تاريخ الملك فؤاد في حكم مصر بمثل هذا الكلام الذي ليس من هم لصاحبه الا البحث في الخناقات ليس بين الشعب وزعامته، بل البحث في الخناقات الاسرية للعائلة المالكة.. خصوصا العائلة العلوية التي حكمت مصر قرابة 150 سنة.. إن هيكل كما يبدو يحمل كراهية وبغضاء لهذه الاسرة تحجبه سيكولوجيا عن أن يكون حياديا وأميناً في إظهار الحقائق كما هي.. إنه لا يستخدم إلا أساليب التجريح والاستهانة، ولا يكتفي بما فعله بالملك فاروق في كل كتاباته، فلقد انتقل إلي أبيه الملك فؤاد ليقتص منه علي هواه.. انني متأكد أن الملك فؤاد افضل من فاروق، ولكن هذا النزق الذي يحمله هيكل نتيجة العقدة النفسية التي يحملها منذ شبابه ضد آل محمد علي باشا ليس لأي سبب إلا من أجل ان يصل إلي أن الحكم الذي بني علي أعقابهم كان أفضل منهم. إن المؤرخ لا يمكن أن يقف في زاوية معينة ليكيل التهم منها، بل عليه أن يعطي لكل ذي حق حقه.. واتمني علي هيكل أن يتواضع قليلا ويذهب لاقتناء كتاب قام بتحريره المؤرخ الزميل الدكتور يونان لبيب رزق مع نخبة من المؤرخين عنوانه (فؤاد الأول: المعلوم والمجهول) وهو واحد في سلسلة من دراسات تاريخية، وأن يقرأه هيكل بكل إمعان وتجرد، ليصل الي نتيجة تقول بأن كل ما تفوّه به هيكل عن الملك فؤاد لا أساس له من الصحة ابداً.. ربما كانت هناك خلافات أسرية، والاسر المالكة كلها علي الإطلاق تبقي فيها الاحتقانات موجودة بسبب شهوة السلطة والحكم والشرعية والمواريث.. ولكن أن يقيم الملك فؤاد من هذا الباب وينسي كل ما حفلت به مصر في عهده، فهذا ما لا يمكن قبوله منك يا هيكل! وسواء اغتصب فؤاد عرشا أم لم يغتصب، فهو زعيم حكم مصر في أدق مراحل حياتها الحديثة، وكانت له منجزات واسعة، ربما لم يستطع غيره ان ينجزها ابدا.
هل كان الملوك العرب بناة دول أم أصحاب خناقات؟
يرجع ليعيد القول مرة أخري: "الحيطة الرابعة يعني أن كل واحد فيهم عنده مشكلة مع غيره من الأمراء المتنافسين في حالة الملك فؤاد أنا قلتها عائلته كلها متخانقة معه فبقي كل من دول عنده مشكلة عنده قوة ساندة عاوزة تحجمه وهو يدين لها بالولاء لكن ما هواش قابل ده قوي وعنده شعب فيه مشاكل له معاه وبعدين عنده علاقة مضطربة مع أسرته وعنده علاقات مضطربة مع الأمراء التانيين بيكرهوا بعض كلهم الملك فؤاد ما بيحبش رأيه أنه الهاشميين يعني علي عيني ورأسي والملك عبدالعزيز رأيه أن دول مش عرب فكل واحد فيهم في خناقة مع القوة الأجنبية اللي بتسنده في خناقة مع شعبه في خناقة مع أسرته في خناقة مع غيره من الأمراء وكلهم في هذا الوضع الأربعة.." (انتهي).
لماذا كل هذا الخلط يا هيكل؟ كيف أن كل واحد من الثلاثة عنده مشكلة مع غيره من الأمراء المتنافسين؟ إذا وجدت ذلك في الملك فؤاد الأول، فان كلا من الملك عبدالعزيز والشريف (الملك) الحسين بن علي لم يكن له أي أمراء متنافسين ابدا، فإذا كان فؤاد الأول سليل أسرة مالكة في دولة يمتد تأسيسها إلي العام 1805، فان السعودية لم تكن في بداية الأمر مملكة، وكانت الدولة السعودية الأولي تنحصر في اقليم نجد، ويعود الفضل في اتساعها وتأسيسها مملكة كبيرة إلي الملك عبدالعزيز آل السعود الذي لم يناوئه بقوة احد من أسرته السعودية.. وكذلك الشريف (الملك) الحسين بن علي الذي يعتبر سليل أسرة هاشمية لا تملك إلا مقومات معنوية داخل مدينة مقدسة اسمها مكة المكرمة.. وأن الشريف حسين استمد قوته من السلطان عبدالحميد الثاني، ووصل إلي الحجاز أميرًا علي مكة، ليعلن ثورته ضد الاتراك الاتحاديين مؤسسًا مملكته الحجازية الضعيفة، والتي لم ينجح في ادارتها قبل نفيه من قبل الانجليز إلي قبرص فتولاها ولده الأكبر الملك علي وكان ضعيفا هو الآخر، مما مهد إلي انهيارها بفعل الاجتياح السعودي لها وهروب الملك علي منها إلي العراق ليكون بحماية اخيه الملك فيصل الأول.. القصد أن الحسين بن علي لم يكن له أي مناوئ علي العرش الذي أضاعه بسبب عاملين اثنين: عناده وصلابته فضلا عن تنامي قوة السعوديين بقيادة عبدالعزيز آل سعود.
كنت اتمني علي هيكل وهو المعجب بالخناقات العائلية أن يكون مؤرخا حقيقيا للخناقات، ولكن ليس بالأسلوب الضحل الذي يعتمده في تشويه تواريخ أسر حاكمة.. وينسي عن جهل أو غفلة أو عدم مبالاة تواريخ أسر حاكمة أخري في بلادنا العربية، مثل: أسرة آل حميد الدين باليمن والأسرة العلوية بالمغرب الاقصي، والاسرة الحسينية في تونس، واسرة البوسعيد في عمان.. وبقية الأسر العربية الحاكمة وقت ذاك.
ماذا نستنتج؟
لقد لمست أن هيكل وهو يروي رواياته التاريخية علي الشاشة هو نفسه الذي يسجل ما يفبركه علي الورق.. ولكن مع حمله ردود فعل عكسية إزاء بعض الشخصيات أو الأحداث.. أنه يبدو متهجما في جوانب انتقد عليها سابقا، في حين يبدو مستسلما في جوانب لم تثر عنده اي حساسيات.. وربما يسأل أي قارئ أو متابع سؤالا مهما: لماذا يختار هيكل توقيتا معينا لإثارة موضوع محدد بالذات؟ أي لماذا يختار اللحظة التاريخية المعينة لاثارة موضوع معين يبدؤه تاريخًا وينتهي به واقعًا؟ ولماذا يختار لغة التنكيل التاريخي بحق مجتمع معين او دولة محددة أو نظام سياسي بالذات؟ ما الذي يريد أن يلعبه؟ وما الذي يريد أن يوصله من رسائل؟ كما أن الرجل لا يخلو من تطلع إلي اهتمام الآخرين به حتي إن كان اهتماماً بالضد منه! ربما يستأنس بالحملات المضادة، وكأنه يقول للآخرين: هاكم حجرا واقذفوني به، أو آتوا قرائحكم وامطروني بالسباب والشتائم! كنت اتمني أن يختار طريقا محايدا وموثقا وأمينا في معالجاته التاريخية لبعض الاسر الحاكمة في تاريخنا الحديث! كنت اتمني أن يبرز كل الحيثيات التاريخية والقرائن في كشفه الايجاب والسلب معا.. دون اتباع طريق التنكيل بالآخرين! كنت اتمني أن يكون صاحب موقف قدر ما يكون صاحب كلمة.. فإن خاصم يبقي علي خصومته وان عشق احدا يبقي علي عشقه.. هيكل لا يعرف مثل هذا الأسلوب الواضح، وهو يروي حكاياته ليس كما هي حقيقة، بل لأن ثمة غاية معينة تختبئ وراءه هو نفسه! إن المأساة عندما يتحول التاريخ المعاصر بكل مخاطره إلي مجرد حكايات جوفاء وفذلكة اتهامات وخناقات.. من دون جعله مدرسة حية ينهل منها الناس ليتعلموا لا ليجهلوا.. ليقوموا لا ليهاجموا.. ليتأملوا لا ليوزعوا الاتهامات.
إن هيكل لا يمكن أن ينصب نفسه ملكا للحكايات التاريخية! لا يمكنه أن يمتلك الحقيقة المطلقة! لا يمكنه أن يوحي لمشاهديه أمام شاشات التليفزيون أن كلامه يصيب كبد الحقيقة! لقد اختار محمد حسنين هيكل أن يكون حكواتي علي الشاشة من دون أن يحرص علي اساسيات في العمل التاريخي، ومنها أنك مهما حاولت أن تكون عادلا في أحكامك، فإن ما يبيته المؤرخ في التنكيل بمرحلة أو عهد أو نظام أو مسئول معين سيبعده عن ميدان هذه المعرفة، إذ سينظر إليه الناس علي إنه تصفية حسابات.. إن الأنوية تصل لدي هيكل ذروتها عندما يردد كلمة (أنا) عشرات المرات في أي جولة من الجولات.
الحلقة القادمة يوم الأربعاء
* الكاتب .. مفكر عراقى مقيم فى كندا
وأستاذ فى جامعات عربية وأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.