المنارة.. هو التعبير الذي أراه مناسبا تماما لوصف جامعتنا القاهرة التي احتفلت في ديسمبر من العام الماضي بمئويتها الأولي.. أي أنها في هذا الأسبوع علي وجه التحديد 21 ديسمبر تحتفل بعامها الأول بعد المائة. وإذا كان الاحتفال بالمئوية الأولي قد استغرق عاما كاملا وشارك فيه جميع فئات المجتمع وكل أبناء الجامعة مصريين وعربًا وأجانب تخرجوا في هذه الجامعة العريقة.. فإن ذروة الاحتفال جاءت رائعة ومبهرة وراقية تليق بمكانة الجامعة الأم لكل جامعات مصر والعالم العربي.. التي حملت راية الريادة بجدارة وتحملت مهام التنوير للمنطقة بأسرها بكل كفاءة واقتدار. ويأتي الاحتفال هذا العام بأسلوب علمي يتطلع إلي المستقبل حيث تحتفل يوم 21 ديسمبر بعيد العلم وتحتفي بما يقرب من خمسين عالما من أبنائها الذين اعطوا الوطن علما نافعا ومتميزا فاستحقوا التقدير ونالوا جوائز الدولة والجامعة، ثم تعقد مؤتمرها العلمي السنوي لمدة يومين. وفي رأيي أن من الإنجازات المهمة التي تحققت في الجامعة هذا العام وتأتي مواكبة لاحتفالات الجامعة بعيدها إقرار أول خطة استراتيجية لجامعة القاهرة 2010 - 2015م التي اتخذت شعارا معبرا تماما عن دور الجامعة الماضي والحاضر والمستقبل: جامعة القاهرة منارة العلم في مصر ومحيطها الإقليمي.. وتأتي هذه الخطة لتؤكد - كما ذكر د. حسام كامل رئيس الجامعة - إيمان الجامعة وقياداتها بأن النجاح الحقيقي للجامعة لابد أن يستند إلي أسس التخطيط الاستراتيجي القائم علي الفهم الصحيح والتحليل الدقيق لواقع الجامعة وإمكانياتها، الذي ينطلق من الإدراك والوعي بأن الحفاظ علي الوضع الحالي ليس الاختيار الاستراتيجي المقبول، بل من الاختيار الواقعي وهو الوصول إلي مستقبل أفضل. وفي هذا السياق تضع خطة الجامعة في اعتبارها أنها تواجه مجموعة تحديات محلية وعالمية يمكن إيجازها فيما يلي: 1- زيادة حدة المنافسة قوميا وإقليميا في مجال التعليم عامة والتعليم الجامعي خاصة. 2- تنامي الطلب علي التعليم العالي في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا في جميع التخصصات. 3- تبني الدولة فلسفة جودة التعليم العالي. 4- التقدم غير المسبوق في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات خاصة في مجال التعليم مثل التعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني. 5- تغير حجم وتركيبة سوق العمل، مما ترتب عليه تغيير في مواصفات الخريجين. 6- حاجة المجتمع الأكاديمي ومجتمع الأعمال إلي بحوث تخدم الأهداف الأكاديمية وتفيد في تطوير الشركات والمؤسسات. وجاءت الخطة الاستراتيجية للجامعة علمية تماما، وتخلصت من الصيغ الإنشائية والتعبيرات الخطابية التي غالبا ما تأتي الخطط حافلة بها، ويرجع هذا في جانب منه إلي أنها تم وضعها وإعدادها بمنهجية علمية مستندة إلي أدوات بحثية علمية دقيقة شملت: 125 زيارة متابعة ميدانية لكليات ومعاهد الجامعة تمت خلال عامين 2007 - 2009 قام بها خبراء مركز ضمان الجودة والاعتماد بالجامعة. مقابلات متعمقة مع الإدارة العليا للكليات والمعاهد. صحائف استبيان تمت بأسلوب المقابلة مع عينة من القيادات الأكاديمية وأعضاء هيئة التدريس والطلاب. الاعتماد علي بيانات أولية وثانوية متاحة لدي إدارات الكليات والمعاهد، التقارير السنوية للكليات، نتائج استبيانات الرأي والمقابلات المتعمقة، والدراسات الذاتية لعدد من الكليات، تقارير المراجعة الداخلية لمركز ضمان الجودة بالجودة. وتتضمن العناصر الرئيسية للخطة أربعة عناصر هي: رؤية الجامعة وهي تعكس حلمها خلال سنوات الخطة، وتم تحديدها علي النحو التالي: أن تكون جامعة القاهرة واحدة من أفضل الجامعات العالمية المشهود لها بالأصالة والسبق في تكوين ونشر وتطبيق المعرفة لإثراء حياة الأفراد والمجتمع والمؤسسات والبيئة المحيطة. أما رسالة الجامعة، التي تعكس السبب الرئيسي والأساسي لوجودها فقد تم تحديدها بأنها: التميز في تقديم خدمات التعليم العالي لمقابلة احتياجات المحلي والاقليمي والدولي، والمساهمة بشكل فعال ودائم في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مصر.. وتحقق الرسالة من خلال الالتزام بالمعايير الدولية بالتميز في مجالات التعليم والبحوث وخدمة المجتمع وإحداث التكامل بين الأفراد والتكنولوجيا ونظم الأعمال، وتنمية رأس المال البشري بالجامعة. وترتكز كل من الرؤية والرسالة علي مجموعة من المرتكزات هي: 1- خلق ونشر وتطبيق المعرفة في جميع المجالات العلمية والمجتمعية. 2- السوق المستهدفة هي السوق المحلية والاقليمية والعالمية. 3- المستفيد من خدمات الجامعة هم جميع أصحاب المصالح الدولة، الهيئات التشريعية والتنفيذية، الإعلام، المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، أعضاء هيئة التدريس والعاملون والطلاب وغيرهم. 4 - تعظيم الاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وتطبيقاتها في خدمة التعليم والبحث العلمي. 5 - تنمية رأس المال الفكري للجامعة وتعظيم العائد من الاستثمار البشري علي المستويين المحلي والعالمي. 6- الحفاظ علي تراث الجامعة مع اللحاق بركب التقدم العالمي في الوقت نفسه. 7 - التميز في الأداء يحقق التقدم الحقيقي في الأجل الطويل. 8- الإيمان بالدور التنموي الاقتصادي والاجتماعي للجامعة في خدمة المجتمع. وهناك في الوقت ذاته مجموعة من القيم الحاكمة التي تسعي إدارة الجامعة إلي التأكيد عليها لتمثل أنماط السلوك المأمولة لكل أفراد مجتمع الجامعة وهي: التمكين من خلال مشاركة جميع أطراف الجامعة في عملية صنع واتخاذ القرار بدعم التوجه نحو اللامركزية في هذا المجال. تداول المعرفة من خلال نشر البحوث والدراسات محلياً وعالمياً وتسهيل سبل الوصول إلي مصادر المعرفة من خلال وسائل تكنولوجيا المعلومات التي تتوفر بالجامعة وكلياتها ومعاهدها. التعلم المستمر من خلال تفعيل دور المراكز البحثية وتدعيم خطط البحث العلمي بالجامعة. هدف واحد من خلال العمل كفريق واحد له غاية واحدة هي تحقيق رؤية الجامعة ورسالتها. مكافأة الأداء المتميز سواء من جانب الطلاب أو أعضاء هيئة التدريس أو الإداريين. الجهد الجماعي فتضافر جهود جميع أطراف العملية التعليمية بالجامعة يحقق قيمة مضافة. وقد وضعت الجامعة لنفسها ست غايات استراتيجية خلال السنوات الخمس المقبلة هي: 1 رفع كفاءة الأداء المؤسسي لتحسين الوضع التنافسي للجامعة. 2 - الالتزام بتطبيق معايير الجودة وتقييم القدرة المؤسسية والفاعلية التعليمية دورياً. 3 - زيادة القدرة التنافسية لطلاب جامعة القاهرة. 4 - تنمية قدرات ومهارات أعضاء هيئة التدريس وتحسين الخدمات المقدمة لهم. 5 - تطوير ودعم البحث العلمي، واستثماره في تنمية الاقتصاد القومي، وتوجيه الأبحاث نحو تطوير الخدمات العامة والحكومية. 6- تدعيم علاقات وبرامج الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني وتنمية البيئة. ومن أجل تحقيق هذه الغايات قامت إدارة الجامعة بتحليل الوضع الراهن لها وتحليل الفجوة بين الوضع الراهن والأهداف الاستراتيجية المستهدفة، من أجل تحديد الاحتياجات المطلوبة لتحقيق وبلوغ كل غاية من الغايات الست السابقة. كما حددت أساليب تحقيق كل غاية من هذه الغايات، وذلك من خلال (82) هدفًا فرعيا، ألزمت إدارة الجامعة نفسها بتحقيقها خلال السنوات الخمس القادمة (2010 - 2015 م). ولم يغب علي واضعي هذه الخطة المتميزة الإشارة إلي مجموعة من المخاطر والتحديات المحتمل أن تواجه تنفيذ الخطة الاستراتيجية للجامعة والمتمثلة في مخاطر تجارية، مخاطر سوق العمل، مخاطر مالية، مخاطر داخلية من خلال وجود قوي مقاومة للتطوير وتطبيق نظم الجودة وغيرها من المخاطر. كما تضمنت الخطة أيضاً نظاماً للمتابعة والتقييم والآليات الخاصة بذلك. إن هذا الجهد العلمي الضخم والواضح ليس غريباً علي جامعة القاهرة وقياداتها التي تحفل بالكثير من العلماء المتميزين في التخصصات المختلفة، ولكننا لابد أن نحيي علي وجه الخصوص رئيس الجامعة د. حسام كامل الذي قاد الفريق الذي عمل بكل دأب وإخلاص من أجل أن تأتي هذه الخطة بتلك الصورة القيمة، التي تتسم بالعملية الشديدة والتي تلتزم بآليات واضحة للتنفيذ والمتابعة والتقويم المستمر، والتحية أيضاً واجبة لأعضاء الفريق وخاصة د. عادل زايد نائب رئيس جامعة القاهرة للتعليم والطلاب والمتخصص في التخطيط الاستراتيجي، والصديقة د. عزة أغا عميد كلية الصيدلة ومدير وحدة ضمان الجودة والاعتماد السابقة بالجامعة.. وكل سنة وجامعتي العزيزة العريقة في تقدم وازدهار.