عشت مثل غيري من المصريين فرحة الانتصار علي المنتخب الجزائري في القاهرة وحزنت علي الهزيمة في الخرطوم، وشعرت بالاستياء علي ما حدث من العصابات الجزائريةبالخرطوم لأبناء شعبنا الأعزل وكتبت في الأسبوع الماضي بروزا مقالاً اللهم احم مصر من أشقائها أما أعداؤها فهي كفيلة بهم ولكن استوقفني من مجمل ردود الأفعال علي ما حدث شعور أجيال شابة من المصريين بالمهانة وأدي ذلك إلي الانفعال وتعالت صيحات المقاطعة للأشقاء في الجزائر، وتأثرت كثيرًا من مقال أستاذي صلاح عيسي بمصر اليوم بعنوان ارفع رأسك يا أخي عدد فيه عمق الأصالة والتحضر بشعبنا المصري، ولذلك فسوف أشارك الأجيال الشابة بخبرتي طوال ما يقارب من الأربعين عامًا كمواطن مصري تجاه الخلافات الحادة مع أشقائنا العرب، وفي البدء كانت هزيمتنا عام 1967 وكنت صبيا في الأربعة عشر ربيعًا في الطلائع بمنظمة الشباب الاشتراكي، وكان الإعلام يزف إلينا بشري النصر في بيانات وأناشيد وكنا نكاد نصدق أننا علي بعد خطوات من تل أبيب علي غرار ما فعل بنا كباتن الإعلام الرياضي المرئي قبيل مباراة الخرطوم! واستمر الأشقاء العرب في معايرتنا وتجرع جيلي مرارة الانكسار وشماتة الإعلام العربي ولكن إرادة الأمة استطاعت أن تتصدي للعدو الصهيوني من معركة الكرامة إلي إغراق إيلات ثم حرب الاستنزاف وصولاً للعبور العظيم وهزيمة الجيش الذي لا يقهر بشهادة العالم كله... وما كدنا نعيد لأنفسنا الاعتبار حتي قام الراحل السادات بمبادرة السلام ثم معاهدة كامب ديفيد.. واجتمع العرب علي مقاطعة مصر.. وكنت حينذاك دارسًا بجامعة موسكو وعضوًا في قيادة اتحاد الطلاب العرب، ونقلت الجامعة العربية إلي تونس، ووصل الأمر إلي دعم عمليات إرهابية ضد مصر مما دعا الرئيس السادات إلي شن حرب محدودة ضد ليبيا، ولم نكفر بالقومية العربية بل إن الزعيم خالد محيي الدين (أطال الله عمره) قد اتخذ قرارًا لأعضاء التجمع بالخارج ألا يشاركوا في أي فاعلية عربية تهاجم فيها مصر أو الرئيس السادات... رغم أن حزب التجمع كان معارضًا للاتفاقية وليس للسلام وما زال... ثم جاء الرئيس حسني مبارك إلي الحكم بعد أحداث درامية صاحبت اغتيال السادات.. وتحركت الدبلوماسية الشعبية من الأحزاب خاصة التجمع والعمل، وكذلك النقابات العمالية والمهنية والفنية جنبًا إلي جنب مع دبلوماسية الدولة بقيادة مبارك حتي عاد العرب إلي مصر ومقر الجامعة أيضًا واستطاعت مصر بنضالها حكومة وشعبًا إلي تبني العرب كل العرب لخيار السلام كخيار استراتيجي وإعلان المبادرة العربية للسلام في مؤتمر القمة العربي ببيروت، ورغم التجاوزات التي قام بها بعض الإعلام العربي إبان حرب غزة الأخيرة.. إلا أن ذلك لم يثن مصر عن الوصول مع حماس وإسرائيل إلي اتفاق للتهدئة مايزال ساريًا حتي الآن. وإن كان لمصر إنجازاتها العظيمة علي مر التاريخ.. فلدينا في الحاضر ما يدعونا للفخر ليس علي الصعيد العربي فحسب بل وكدولة محورية في الشرق الأوسط.. فليس هناك نظام سياسي في تلك المنطقة يتحمل الحرية التي تتمتع بها المعارضة المصرية في الصحف ووسائل الإعلام بما في ذلك نقد الرئيس مبارك، ونقد علاء وجمال مبارك واتهامهما بالهروب من الخرطوم.. الأمر الذي دعا علاء مبارك إلي الرد علي ذلك من خلال اتصال هاتفي مثل سائر المواطنين.. بل ويرجو مقدمي البرنامج ألا يقطعوا الاتصال عليه! كما لا يستطيع أي نظام في المنطقة أن يستوعب حجم المعارضة والاحتجاجات المصرية، وحتي جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونًا فازت بعدد كبير من المقاعد بالانتخابات البرلمانية 1984، 1987، ثم مؤخرًا ب88 مقعدًا في انتخابات 2000 ولم يحدث انقلاب علي المعارضة.. وتقوم وسائل الإعلام بنشر أخبارها حتي إنه إبان أزمة استقالة المرشد مهدي عاكف يستطيع أي متابع لوسائل الإعلام أن يجد أن المساحة التي أعطيت لأخبار الإخوان في زمن تلك الأزمة أكبر من التي أعطيت لجميع الأحزاب الشرعية بما فيها الحزب الحاكم. وعلي المستوي الرياضي عامة والكروي خاصة فلا منافس لنا أما علي المستوي الثقافي والحضاري والعلمي فقد فاز 4 مصريين بجائزة نوبل: السادات والبرادعي للسلام، ونجيب محفوظ للأدب، وزويل للعلوم... إضافة لمئات العلماء في الغرب في مختلف العلوم مثل فاروق الباز، ومحمود السيد وغيرهما. حينما حدث ما حدث في الخرطوم أجمع المصريون من مختلف الاتجاهات السياسية علي أدائه إجرام العصابات الجزائرية بقيادة حفنة من المسئولين الجزائريين.. وإن تعددت وجهات النظر في الأسباب التي أدت إلي ذلك، كل ذلك التنوع الحضاري لا يتوفر في أي دولة عربية من المحيط إلي الخليج. نعم لدينا مشاكل من فساد وفقر وبطالة ولكننا مازلنا روادًا.. يعارض من يعارض والجميع يسعي للأفضل علي جميع الأصعدة ويلتفون حول رأس الدولة في الأزمات. ولذلك أتفق مع علاء مبارك برفض إحراق علم الجزائر أو الإساءة للشعب الجزائري سواء من العرب أو من الإخوة (البربر - الأمازيغ) وجميع رموز الدولة الجزائرية، فلننفعل ونغضب ولكن لا نفقد عقلانيتنا كما دعا مؤخرًا الرئيس مبارك. ولنوقف الحملات الإعلامية ونركز علي التحرك في المحافل الدولية والعربية رسميًا وشعبيًا من أجل إدانة ما حدث من العصابات الجزائرية في الخرطوم، وأتمني أن تتوقف صيحات المقاطعة والأجدي أن تقوم النقابات الفنية بإنتاج فيلم تسجيلي يوثق لجريمة الخرطوم ويتم عرضه في المهرجانات السينمائية الدولية، وعلي نقابة المحامين أن تتحرك قانونيًا في المحافل الدولية والعربية، وعلي اتحاد الصحفيين العرب أن يعاقب الصحف ووسائل الإعلام الجزائرية لنشرها لأخبار كاذبة أدت إلي تصعيد الأزمة، وعلي »الكباتن في الفضائيات التوقف عن صب الزيت علي النار وترك الملف بين أكف الدبلوماسية والرئيس مبارك.. وليعلم الجميع أن كرامة العرب مرتبطة بكرامة مصر، ولنرفع رءوسنا عالية. كل عام وأنتم بخير.