قرارات الملحنين المصريين بالانسحاب من العمل في ألبوم وردة الجديد جاء نتيجة موقف انفعالي في لحظات غضب ولم يكن موقفا صحيحا أو يلازمه الصواب، لأن وردة لم تدخل في حالة عداء مع المصريين، ولم تستفزهم بما يؤذي مشاعرهم أو يعكر صفوهم، فهي أكثر المطربين العرب ارتباطا بمصر وحبا لها ولا توجد فنانة قد نشأت علي أرض مصر وعايشت تاريخها وأحداثها مثل وردة، فلماذا تصر نقابة الموسيقيين علي معاقبتها علي شيء لم تفعله ولم تشارك فيه ولم يكن يسعدها أو يرضيها أن تعتدي فئة من الجمهور الجزائري علي المصريين لأنها تعرف أن ذلك تصرف مرفوض، وعندما تمنت الفوز للفريق الجزائري قبل المباراة الأولي كان ذلك أمرا طبيعيا لأن الجزائر وطنها الأول، كما أن لديها رياض ابنها ووداد ابنتها لهما مصالح في الجزائر وبيوت يعيشان فيها، ومن المنطقي أن تخاف وردة علي ممتلكاتها وأولادها وتحافظ علي مشاعرهم بكلمات مجاملة رقيقة لا أكثر ولا أقل، أما محاولة ذبح وردة علي مقصلة اعتداءات أم درمان فهو ما لا يقبله أحد، لأن وردة رمز مصري قبل أن تكون جزائرية، والاطاحة بتاريخها الطويل في حب مصر اعتبره تصرفا دخيلا علينا، فإذا كانت ذاكرة منير الوسيمي قد نسبت أغاني وردة الوطنية بدءا من وطني حبيبي حتي السمرا بلادي وسهرها مع بليغ حمدي لمدة ثلاثة أيام في مبني الإذاعة والتليفزيون من أجل تسجيل أغنية تواكب انتصارات المصريين علي الجبهة في حرب أكتوبر، إذا كان قد نسي كل ذلك فأنا أقول له إن وردة لم تفارق مصر حتي نفارقها ولم تتركنا في أقسي اللحظات صعوبة وقسوة بل مرضت وعادت إلي مصر لأنها لا تجد راحتها إلا في بيتها علي النيل وبعد أن تعافت عادت لتغني وكانت بداية عودتها إلي الغناء من مصر، وقد تابعت طوال مشوارها الغنائي جميع أحاديثها الصحفية ولقاءاتها التليفزيونية علي الفضائيات فلم أجدها تهاجم مصر أو تسيء إليها بل دائما ما ترفع من شأن مصر والمصريين وترفض أية محاولة استفزازية من جانب الفضائيات العربية لتوريطها في رأي أو جملة يمكن أن تثير غضب الجمهور المصري الذي اطلقت عليه لقباً لم تطلقه مطربة من قبل وهو حبايب قلبي، فلماذا يريد منير الوسيمي الزج بوردة في حرب إعلامية ليس لها فيها ناقة ولا جمل مع أنها لا تغني باللهجة الجزائرية، ولا الألحان جزائرية بل تقدم فناً مصرياً خالصاً، وإذا لم يكن الجمهور قد لمس في أغانيها الوطنية لمصر الإحساس بالصدق لما صدقها، ولما منحها بليغ حمدي أكبر مجموعة من ألحانه لتشدو بها وأنا اعتقد أن منع أغاني وردة من الإذاعة هو اهدار لجزء مهم من تاريخ بليغ حمدي الموسيقي ووأد لأهم الألحان التي جادت بها عبقريته، وقبل أن نقدم علي هذه التصرفات والتصريحات الهوجاء يجب أن نتوقف قليلا أمام أنفسنا لأننا نخرب بأيدينا ما صنعناه طوال ثلاثة عقود من الزمن ولا ذنب لوردة حتي نقضي علي عطائها الفني لذلك لابد أن ترفعوا أيديكم عنها، وأن تتذكروا أنها عاشت عمرها كله بيننا وليس سهلاً عليها أن تفقد كل ما حصلت عليه من حب وتقدير في لحظات. مصر لا تغلق أبوابها في وجه من يحبونها وما يدعو إليه نقيب الموسيقيين من قرارات ضد وردة ليس في محله لأنه لا أحد يمكن أن يقتل حبها لمصر أو يوقف رغبتها في الغناء لها، وستبقي وردة جميلة أصيلة في جناين مصر لأنها تمتلك رصيداً غنائياً كبيرا وأغانيها شديدة الرسوخ في الوجدان المصري والعربي، أما هروب الملحنين المصريين من ألبومها الجديد فهو خسارة كبيرة بالنسبة لهم لأن الملحن الذي لا يضع اسمه في قائمة من لحنوا لوردة مثل بليغ حمدي ومحمد عبدالوهاب لا يمكن أن يكون ممتلكا للذكاء الفني ولا معني أن يفتح الوسط الفني في مصر ذراعيه لانصاف المواهب وصغار المطربات ويحارب قيمة كبيرة مثل وردة.