تناولت الصحف في الآونة الأخيرة خبر قرب إجراء تعديل وزاري في بعض وزارات الخدمات ومنها وزارة التعليم العالي.. ومما لا شك فيه أن هذا النبأ قد حمل الأمل والسرور للعديد من المهتمين بالتعليم العالي وأنا منهم..! وتعود هذه المشاعر إلي الأسباب التالية: أن هذا التعديل يأتي في ظل مناخ الحراك السياسي الذي يقوده وبقوة الرئيس مبارك من أجل حقوق الفقراء ومحدودي الدخل وبعد أن فاض الكيل بما حدث في منظومة التعليم العالي بعد قيام الوزير باتخاذ قرارات وتنفيذ مشروعات نالت بقدر كبير من مجانية التعليم وجارت علي حقوق الفقراء في الحصول علي تعليم متميز..! وصنفت الطلاب علي أساس ثروتهم بدلا من قدرتهم. وعدت الحكومة الحالية منذ بداية عهدها بتعديل قانون تنظيم الجامعات لمواءمة المتغيرات العالمية والمحلية وتحسين أوضاع أعضاء هيئة التدريس ووضع معايير تتسم بالشفافية والموضوعية عند اختيار القيادات الجامعية ولم ينفذ من تلك الوعود شيئاً ومازال السواد الأعظم من أعضاء هيئة التدريس يعانون من قسوة الظروف المعيشية.. وبسبب ذلك قام أعضاء هيئة التدريس بوقفات ومسيرات احتجاجية للتعبير عن رفضهم للأوضاع التي تعيشها الجامعات حاليا. كثر الحديث في عهد الوزارة الحالية عن تطبيق نظم ومفاهيم الجودة في التعليم العالي ولكن ما تم تنفيذه علي أرض الواقع لم يتجاوز التوعية والتصريحات..! لم تقدم وزارة التعليم العالي استراتيجية معلنة ومنشورة لها والموجود هو أهداف استراتيجية فقط تعبر عن أحلام وإذا كانت الاستراتيجية موجودة فكيف خرجت جميع الجامعات المصرية من تصنيف أحسن 400 جامعة في العالم حسب التصنيف البريطاني ومن تصنيف أفضل 500 جامعة وفق التصنيف الصيني؟ إتسمت سياسة وزير العليم العالي بالتناقض المحلوظ بين القول والفعل.. في بداية تقلده المنصب أعلن عن اتباع معايير جديدة لتعيين القيادات الجامعية فأتي بشباب بعضهم علي الأقل ليس له خبرة ولا دراية بالإدارة مما سبب ارتباك العمل داخل بعض الجامعات وحطم الأقدميات وخلق الحزازيات وبدلا من التقدم والتطوير حصل التقهقر والتأخير..! وكأن الجامعات حقل تجارب لأصحاب الحقائب الوزارية..! وبعد أن ثبت عدم نجاح ذلك تراجع معاليه عن تلك المعايير مما أفقد الحكومة مصداقيتها وترك الجامعات تعاني من القيادات الشبابية..! وجدير بالذكر أن عدداً كبيراً جدا من القيادات العليا للجامعات التي تم تعيينها في ظل الحكومة الوزير الحالي تنتمي لكليات الهندسة كما أن عدد ليس بالقليل منها ينتمي لعائلات لها ثقل كبير في عالم السياسة..! الوزير لم يلتحم بأعضاء هيئة التدريس والطلاب وتأخر في إصدار اللائحة الطلابية والتي ولدت مشوهة مما أعطي الفرصة للجماعة المحظورة بالانتشار داخل الجامعات المصرية والعجيب أنه في ظل تلك الحكومة تم تعيين بعض مستشاري الوزير ورؤساء الجامعات والمسئولين عن التطوير ببعض الجامعات ممن ينتمون إلي الجماعة المحظورة..! والسبب أن تلك الوظائف لا يتم أخذ رأي الجهات الرقابية في شاغليها ورؤساء الجامعات يحاولون استقطابهم..! تضمنت السياسة الحالية لوزارة التعليم العالي تحويل المستشفيات الجامعية الجديدة والمراكز الطبية المتخصصة إلي وحدات ذات طابع خاص مما يعني تخصيصها لعلاج القادرين علي دفع نفقات العلاج فقط وحرمان الفقراء من العلاج بتلك المراكز وكذلك حرمان طلاب كليات الطب من التعلم بتلك المستشفيات والأمثلة علي ذلك كثيرة. تضمنت الاستراتيجية المطبقة في الجامعات في ظل الوزارة الحالية زيادة الأعباء علي أولياء أمور الطلاب عن طريقة مضاعفة الرسوم الدراسية مما أدي إلي حدوث العديد من مظاهر العنف بالجامعات. في ظل الوزارة الحالية رأينا بعض رؤساء الجامعات وبعض نواب رؤساء الجامعات الذين تم تعيينهم غير متفرغين لمناصبهم وبعضهم يذهبون لعياداتهم وبعضهم لا يقيمون بالمحافظات التي تقع فيها جامعاتهم ولم تتحرك الوزارة لمحاسبة ولو أحدهم بل دافعت عنهم وطلبت من الصحافة تقديم المستندات..! يركز وزير التعليم العالي في أولوياته علي اختيار القيادات الجامعية والمستشارين من بين العاملين بمشروعات التطوير ولم يتم مراعاة الفارق الكبير بين إدارة مشروع وإدارة مؤسسة جامعية وكانت محصلة ذلك أن الاستراتيجية غير المعلنة لوزارة التعليم العالي باتت وكأنها خصخصة في خصخصة..! عدد سفريات معالي وزير التعليم العالي للخارج خاصة إلي فرنسا أكبر من أن يحصي وأتمني أن يقوم الجهاز المركزي بدراسة الجدوي منها لأنها أموال عامة ملك الشعب. عودتنا وزارة التعليم العالي علي التصريحات التي تثير البلبلة مثلما حدث عند الحديث عن بيع جامعة الإسكندرية ولما تسبب هذا التصريح في غضب الرأي العام تراجعت الوزارة عن تصريحاتها وتنكروا لها..! مما يعني أن هناك عشوائية في اتخاذ القرار. تفشت ظاهرة التكويش الوظيفي داخل الجامعات ولم تتحرك الوزارة للقضاء علي تلك الظاهرة وبات هم القيادات الجامعية هو الحصول علي الأموال من خلال إصدار قرارات وتعديل لوائح تحل لهم أموال الصناديق الخاصة في الجامعات لدرجة أن دخل بعض رؤساء الجامعات يصل لقرابة نصف مليون جنيه شهريا. أصيبت الجامعات بمرض تأخير تعيين القيادات الأكاديمية داخل الكليات بسبب ضعف مقدرة القيادات العليا في الجامعات علي وضع معايير الاختيار مما أضاف عبئا علي الأجهزة الرقابية. انتشرت ظاهرة تعيين رؤساء الجامعات المحالين علي المعاش والمرضي عنهم وزاريا..! في العديد من المناصب داخل وزارة التعليم العالي نظير آلاف الجنيهات شهريا لإغواء العاملين بالتصرف مثلهم والسير علي نهجهم..! وتناسي معاليه أن هناك ستين ألف عضو هيئة تدريس عامل ربعهم علي الأقل يصلحون لتلك المناصب ولما كان التعليم العالي يهدف إلي المحافظة علي الموروث الثقافي والعمل علي تطويره ونشره والحفاظ علي القيم الاجتماعية والمثل العليا للمجتمع ويعمل علي نشر المعارف والعلوم من خلال مؤسساته واعتماد إجراء البحوث العلمية وسيلة للتقييم والتطوير والاختراع وكذلك العناية بالتكنولوجيا المعاصرة والعمل علي تقديم الفكر الصحيح وغرس الوعي في الأجيال المتعلمة من خلال البرامج والمناهج المقدمة لهم لذلك فأننا نأمل أن يوفق الله سبحانه وتعالي القيادة السياسية في اختياراتها المقبلة لوزراء التعليم الجدد ونتمني أن تتوافر فيهم مواصفات أساسية أهمها القدرة علي تحويل التعليم الجامعي من الجمود إلي المرونة ومن التجانس إلي التنوع ومن ثقافة الحد الأدني إلي ثقافة الاتقان ومن ثقافة الاجترار إلي ثقافة الابتكار ومن ثقافة التسليم إلي ثقافة التقويم ومن السلوك الاستجابي إلي السلوك الإيجابي ومن القفز إلي النواتج إلي المرور بالعمليات ومن الاعتماد علي المعونات إلي الاعتماد علي الذات.. كل هذا يجعلنا نأمل في أن يراعي الوزراء الجدد عن تعيينهم حقوق الفقراء ومحدودي الدخل.. وأن يحافظوا علي مجانية التعليم لأنها نتاج لنضال الشعب المصري خلال عقود.