حصل اليوم السابع على نسخة من مقال القمص متياس نصر راعى كنيسة السيدة العذراء بعزبة النخل ورئيس تحرير جريدة الكتيبة الطيبية، أوضح فى مقالته متسائلا: هل الإضراب عمل سلبى أما هو عمل يتنافى مع تعاليم المسيحية وهل هو يتعارض مع القانون، و اليوم السابع ينشر المقال كاملا. لاقت دعوة حركة "أقباط من أجل مصر" إلى الإضراب العام يوم 11سبتمبر الكثير من الآراء المتباينة داخل أوساط الأقباط - بغض النظر عن مؤيديها- فقد راح البعض يرفض الدعوة واعتبرها سياسة و"الكنيسة لا علاقة لها بالسياسة".. والبعض الآخر وصفها بأنها "عمل سلبى"، بل وندد البعض الآخر بالدعوة واعتبرها "تتنافى مع تعاليم المسيحية"، بل وغالى البعض فى وصفه لها بأنها من "الأعمال غير المشروعة، والمثيرة للاستفزاز والمتعارضة مع القانون"!! أما الحكماء فقد رأوا أن: "طريق الحوار" هو الأصوب بدلاً من تلك الأساليب!! فهل حقا "الإضراب" يتعارض مع القانون ويتنافى مع تعاليم المسيحية؟! الإضراب مدنياً الإضراب هو ضرب من الاحتجاج السلمى تلجأ إليه الشعوب للحصول على مطالب مشروعة، لم تقدر أن تحصل عليها بطرق الحوار، وتقديم العرائض وغيرها ، الإضراب حق من حقوق الإنسان يكفله الدستور المصرى والمواثيق الدولية التى صادقت عليها مصر وأصبحت جزءا لا يتجزأ من قانونها الداخلى (المادة151)، والتى تنص على كفالة حق الإضراب شريطة ممارسته وفق قوانين البلد المعنى" (العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية، الفقرة (ج) من (1) من المادة الثامنة إن كان الإضراب الحالى يتضمن حق من حقوق تبدو فى ظاهرها "دينية"، إلا أنها فى حقيقتها "مدنية" يدرجها الدستور ضمن "الحريات والحقوق والواجبات العامة": "حرية الرأى مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون، والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني" (المادة 47 من الدستور، وإن كان الدستور المصرى ينص فى مادته 46 على حق "ممارسة الشعائر الدينية"، فأين وكيف يمارس المواطن حقوقه فى ظل غياب قانون منظم لبناء دور العبادة؟ إن كانت الكنيسة المصرية لا تشجع مثل هذه الأساليب المشروعة لأسباب تتعلق بعلاقتها بالدولة، فإن التاريخ حفل بالكثير من رواد النضال اللا عنفى من رجال الدين مثل مارتن لوثر كينج، وأوسكار روميرو، وبوبو يوشكو وغيرهم وإن كانت هناك حتى 7/2009م نحو 21 حالة إضراب و44 حالة اعتصام من فئات مختلفة مطالبة بحقوقهم فلماذا كان هذا حلالاً للبعض وحراماً على الأقباط؟ الاحتجاج السلمى فى الكتاب المقدس أولاً: الدخول الانتصارى للسيد المسيح أورشليم كان احتجاجًا، كان بمثابة ثورة على قيصر والمملكة الرومانية، ففى الوقت الذى كانت أورشليم تعج بالحجاج (نحو المليونين ونصف المليون نسمة)، وفى الوقت الذى كان يتملق الكهنة ورؤساء الشعب الوالى بقولهم: "ليس لنا ملك إلا قيصر" (يو19: 15)، كان الملايين يهتفون ليسوع كملك (لو19: 38، يو12: 13). بل وحينما سئل عن كونه ملكا أجاب بالإيجاب (يو18: 37 )... كانت فكرة تنصيب يسوع ملكًا واردة آنذاك (يو6: 15)، واستقبل يسوع كملك أيضًا: فلقد افترش الشعب الثياب وأغصان الشجر وسعف النخل (يو12: 13) فى الطريق أمامه وهى عادة متبعة تشير إلى الولاء للملوك (2مل13:9). بل ومرتبط فى العقلية اليهودية المعاصرة بالولاء للثورة فعندما دخل سمعان المكابى - قائد ثورة المكابيين- إلى أورشليم بعد انتصاراته استقبلوه "وفى أيديهم غصون ذات أوراق وأفنان خضر وسعف" (2مك10: 7). وكأنه مخلص أرضى قد أتى ليخلصهم من نير الرومان استقبل بكلمات المزمور، فمعنى كلمة "أوصنا فى الأعالي" هو: "لتصرخ الملائكة فى العلاء منادية لله، خلّصنا الآن". وهى دعوة شعب متضايق يطلب من ملكه أو إلهه أن يهرع إلى خلاصه. ومعنى كلمة أوصنا بحد ذاتها هو خلصنا الآن: "آه يا رب خلص، آه يا رب انقذ" (مز25:118( ... وما لبثت أن نجحت الثورة احتجاجا على نير الظلم الرومانى: فقد قيل "ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا؟!" (مت21: 10)، بل وقيل أيضًا إن: "الْعَالَمُ قَدْ ذَهَبَ وَرَاءَهُ!". (يو12: 19( .... وكملك أعلن احتجاجه عن تدنيس الهيكل بشكل قوى (مر11: 15- 18، لو19: 45- 48)، حتى لقد قيل أنه لم يدع أحد يجتاز بمتاع" (مر11: 16). ثانيًا : يسوع يحتج عند لطمه: "وَلَمَّا قَالَ هَذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ الْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفاً قَائِلاً: «أَهَكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ؟» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيّاً فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِى وَإِنْ حَسَناً فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟». (يو18: 19- 24). ثالثاً : الاحتجاج فى خدمة بولس الرسول: "الاحتجاج" كلمة استخدمها بولس الرسول فى رسائله أكثر من مرة (أع22: 1، 1كو9: 3، 2كو7: 11، 2تى4: 16)، تارة بمعنى دفاع حيث كتبت بالإنجليزية الكلاسيكية (defence)، والحديثة هكذا defense ، أو بمعنى احتجاج apology من اشتقاقها اللغوى اليونانى Apologiaوالتى تعنى "دفاع كلامى"، أو "دفاع كتابى"، وهى اللفظة التى جاء منها تعبير Apologists أى "الآباء المدافعون" مثل يوستين الشهيد وغيرهم من دافعوا عن العقيدة ضد الهرطقات (أنظر دفاع اسطفانُوس أع7، ودفاع بولس فى ( أع 17( ... غير أن الكتاب يذكر أنه ثمة لون من ألوان الاحتجاج تعدى مرحلة الكلام أو الحجة المكتوبة إلى مرحلة التعبير العملى عن الاحتجاج مثلما فعل بولس الرسول فى الحادثة الشهيرة فى سجن فيلبى فبعدما كرز بولس وسيلا لأهل سجان فيلبى وآمن واعتمد هو وأهل بيته، وذاع الخبر لمحافظ السجن يقول سفر الأعمال "وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ أَرْسَلَ الْوُلاَةُ الْجَلاَّدِينَ قَائِلِينَ: «أَطْلِقْ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ». فَأَخْبَرَ حَافِظُ السِّجْنِ بُولُسَ أَنَّ الْوُلاَةَ قَدْ أَرْسَلُوا أَنْ تُطْلَقَا فَاخْرُجَا الآنَ وَاذْهَبَا بِسَلاَمٍ. فَقَالَ لَهُمْ بُولُسُ: «ضَرَبُونَا جَهْراً غَيْرَ مَقْضِى عَلَيْنَا وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ وَأَلْقَوْنَا فِى السِّجْنِ - أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرّاً؟ كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا». فَأَخْبَرَ الْجَلاَّدُونَ الْوُلاَةَ بِهَذَا الْكَلاَمِ فَاخْتَشَوْا لَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُمَا رُومَانِيَّانِ. فَجَاءُوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِمَا وَأَخْرَجُوهُمَا وَسَأَلُوهُمَا أَنْ يَخْرُجَا مِنَ الْمَدِينَةِ". (أع16: 35- 40) وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال: هل ثمة اعتصام فى العبارة: "كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا" التى قالها القديس بولس فى تلك الحادثة؟! ... وكذا فى حادثة جلد بولس الشهيرة: "فَلَمَّا مَدُّوهُ لِلسِّيَاطِ قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ الْوَاقِفِ: «أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَاناً رُومَانِيّاً غَيْرَ مَقْضِى عَلَيْهِ؟»... وَلِلْوَقْتِ تَنَحَّى عَنْهُ الَّذِينَ كَانُوا مُزْمِعِينَ أَنْ يَفْحَصُوهُ. وَاخْتَشَى الأَمِيرُ... (أع22: 24- 30) واحتج بولس أيضاً عند ضربه: "فَأَمَرَ حَنَانِيَّا رَئِيسُ الْكَهَنَةِ الْوَاقِفِينَ عِنْدَهُ أَنْ يَضْرِبُوهُ عَلَى فَمِهِ. حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ بُولُسُ: «سَيَضْرِبُكَ اللهُ أَيُّهَا الْحَائِطُ الْمُبَيَّضُ! أَفَأَنْتَ جَالِسٌ تَحْكُمُ عَلَى حَسَبَ النَّامُوسِ وَأَنْتَ تَأْمُرُ بِضَرْبِى مُخَالِفاً لِلنَّامُوسِ؟» فَقَالَ الْوَاقِفُونَ: «أَتَشْتِمُ رَئِيسَ كَهَنَةِ اللهِ؟» 5فَقَالَ بُولُسُ: «لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّهُ رَئِيسُ كَهَنَةٍ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: رَئِيسُ شَعْبِكَ لاَ تَقُلْ فِيهِ سُوءاً».(أع23: 1- 5) ... أهل حقا لم يكن بولس يعرف رئيس الكهنة وهو الذى كان يتلقى منه - قبل إيمانه بالسيد المسيح- أوامر اضطهاد المسيحيين؟! ...بل وتذكر الحادثة ذاتها أن بولس مجرد أن علم "أَنَّ قِسْماً مِنْهُمْ صَدُّوقِيُّونَ وَالآخَرَ فَرِّيسِيُّونَ صَرَخَ فِى الْمَجْمَعِ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنَا فَرِّيسِى ابْنُ فَرِّيسِيٍّ. عَلَى رَجَاءِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ أَنَا أُحَاكَمُ». وَلَمَّا قَالَ هَذَا حَدَثَتْ مُنَازَعَةٌ بَيْنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ وَانْشَقَّتِ الْجَمَاعَةُ لأَنَّ الصَّدُّوقِيِّينَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَيْسَ قِيَامَةٌ..".(أع23: 6- 12). ومن يستطيع أن يبرئ بولس من تلك المنازعة المقصودة؟ كلون من ألوان احتجاجه دفاعًا عن نفسه لأجل الإنجيل؟! بل وكثيرًا ما كان يرفض القضاء المحلى بقوله: "إلى قيصر أنا رافع دعواى" (أع25: 11( ... الاحتجاج السلمى فى تاريخ الكنيسة المعاصر وهناك بعض الأحداث - ليس على سبيل الحصر- اضطرت الكنيسة المعاصرة أن تأخذ موقفًا احتجاجيًا: "قرر قداسة البابا عام 1977 تكريس صوم لمدة ثلاثة أيام احتجاجًا، وكان ذلك بسبب الشريعة الإسلامية وموضوع قانون الردة الذى كانت تعتزم الدولة إقراره" طالب قداسة البابا لقاء الرئيس السادات فى أبريل 1980 لبحث بعض الأمور التى استجدت على الساحة، لكن الرئيس أجل اللقاء أكثر من مرة. وكان الوقت استقبال عيد القيامة المجيد، فقال البابا: "نحن لن نستقبل المهنئين"، وصلى صلاة العيد فى الدير، مما أغضب الرئيس السادات كثيرا، لأنه ظن فى هذا السلوك جهرا بالمشاكل التى كانت موجودة رغم أن المشاكل فى الدنيا كلها ووجودها أمر طبيعى، وظلت العلاقات متوترة خلال تلك الفترة حتى 5 سبتمبر، لكن تدخل العديد من الوساطات خلال تلك الفترة سواء من جانب الكنيسة. أخيرًا : هذا اجتهادى الشخصى - وليس رأى الكنيسة - لعلنى أجبت على التساؤلات بعاليه.