درك السائل والمسئول أن الجامعة أهمية كبري في دفع عجلة المجتمع إلي الأمام ومن دونها تنهار مكانة الأمم وتتهاوي قدرات الدول لعل انهيار مؤسسات حكومية لا يساوي شيئا مقارنة بانهيار منظومة التعليم الجامعي في بلد ما لقد توسم شارل ديجول خيرا في مستقبل فرنسا التي انهارت معظم مؤسساتها عقب الحرب العالمية الثانية عندما علم أن جامعاتها لاتزال متماسكة، من المعروف أن الجامعات تقوم علي عدة عناصر أهمها الأستاذ الجامعي والدليل علي هذا الطرح هو أن المعايير تميز الأساتذة وجودة الأبحاث التي يجرونها ومدي كفاءة الخريجين والقدرة الاستيعابية للجامعة« التي تعتمد عليها جامعة شنغهاي الصينية لترتيب وتصنيف جامعات العالم تشير إلي أن أستاذ الجامعة يلعب دورا أساسيا في الترتيب الذي تحصل عليه الجامعة التي ينتمي إليها، وهذا الدور يظهر جليا في النسبة التي خصصتها جامعة شنغهاي لكل معيار من معايير التصنيف: 02 ٪ إذا كانت الجامعة تضم أساتذة حصلوا علي جوائز وميداليات عالمية و20 ٪ للأبحاث التي ترد في فهرست الإنسانيات و20 ٪ للأبحاث التي ترد في فهرست العلوم و20 ٪ إذا حصل خريجو الجامعة علي جوائز عالمية و20 ٪ لحجم الجامعة ونسبة الطلاب بها، ولما كان الأستاذ يبدأ معيدا ثم يتدرج في الوظائف الجامعية حتي يصل إلي قمة السلم فإن الضرورة تقتضي أن نقر بأهمية المعيد في منظومة التعليم الجامعي علي اعتبار أنه بمثابة الأساس في البناء الجامعي. ومن المتوقع أن ينهار هذا البناء إذا مارسنا أساليب الغش في العناصر التي نضعها في الأساسات، ومن هذا المنطلق فإننا نقول إن الجامعات لن تنضم إلي أية قائمة من القوائم التي تضم أفضل خمسمائة أو حتي سبعمائة جامعة إلا إذا توخينا الحذر عند تطبيق المعايير التي تتعلق بتقييم عناصر التفوق لدي الطلاب وعند اختيار الأكفأ في الوظائف الجامعية، ففي الماضي كانت الأقسام الجامعية المختصة تتولي عملية التقييم الدقيق وكانت الكليات تتولي تكليف من تحتاج إليهم من الخريجين المتفوقين وأحيانا تعلن عن حاجتها عن معيدين في الصحف القومية ليتقدم للوظيفة من يري في نفسه القدرة علي مواصلة التعليم، ولم تكن هنالك ثمة حاجة إلي الاستعانة بجهات من خارج الجامعة للحصول علي الوظائف الجامعية ولم يحدث أن مارس أحد من جيلنا ضغوطا من أي نوع للتعيين في هذه الوظيفة أو تلك لقد كانت الفرص متاحة لجميع الطلاب المتفوقين في الفوز بالوظيفة المرموقة إذن فإن المعيد الذي يمثل حجر الزاوية في المبني الجامعي كان يولد ولادة طبيعية. لعل الأمور باتت مختلفة في هذه الأيام حيث لا ينتظر خريج اليوم رأي مجالس الأقسام أو الكليات إذ يشرع في ممارسة الضغوط تلو الضغوط للحصول علي وظيفة معيد وقد تلوح في الأفق رائحة النفوذ والسطوة والابتزاز والترهيب، والمثير للحزن والأسي هو أن مصادر هذه الضغوط لا تضع المصلحة العامة في الحسبان ولا تتفهم ما إذا كانت الكلية في حاجة إلي معيدين أم لا. دعنا نتوقف قليلا لنفترض أن هذه المصادر نجحت في مساعيها نحو تعيين زيد أو عبيد في الوظيفة الجامعية ألا يعتقد القارئ أن الفائز بالوظيفة قد تعلم درسا لن ينساه طوال حياته؟ وهذا الدرس يتمثل في أن الضغوط وأساليب لي الذراع« هي الوسيلة الوحيدة للفوز بالمناصب الجامعية لقد تعلم أيضا ألا يعتمد علي نفسه خلال المشوار الذي يقطعه ليصبح أستاذا في الجامعة، فقد يلجأ إلي ذات الجهات كلما واجه مشكلة خلال الرحلة الطويلة التي يقطعها، وفي أسوأ الأحوال فإن الفترة المحددة خمس سنوات للحصول علي الماجستير ثم خمس سنوات أخري للدكتوراه« قد تنتهي من دون إتمام المهام البحثية لينتهي به المطاف بالاحالة إلي وظيفة إدارية كما حدث في جامعة عين شمس التي اتخذ رئيسها قرارًا غير مسبوق باحالة 400 من المعيدين والمدرسين المساعدين إلي وظائف إدارية وفقا للمادة 155 والمادة 156 من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972م، وحتي لو نجح صاحبنا في إنهاء مهامه البحثية في المدة المقررة وأصبح أستاذا في الجامعة فإنه قد لا يتردد في اللجوء إلي ذات الأساليب والطرق الملتوية كالوشاية بزملائه للفوز بمناصب إدارية. ومما سبق نستطيع أن نقول إن هذه الأساليب التي تقوم علي الوساطة والمساومة والابتزاز من شأنها أن تأتي بنتائج كارثية إذا صارت مصدرا من مصادر اختيار معاوني أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، ومن ثم يتعين علي القائمين علي تصريف أمور الأقسام والكليات ألا يصيبها فيروس التراخي والاستهتار خلال مراحل اختيار هذه الفئة واضعين في الاعتبار أن عدم الاكتراث بهذا الأمر قد يهدد مكانة الجامعة ويقوض محاولاتها نحو رفعة وتقدم المجتمع.