استكمالا للحديث عن التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم فإنه للأسف نجد الدول الكبري كأوروبا والولايات المتحدةالأمريكية قد أدركت أهمية مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية علي وجه الخصوص، وغيرها من مراكز البحث والتطوير العلمي من حيث أهميتها القيادية والريادية ودورها في (صناعة الأفكار والأهداف والوسائل التي تخص السياسة الخارجية، ودورها في إمداد الإدارة السياسية بالموظفين اللائقين علميا وعمليا لتطبيق السياسة الخارجية، وأهميتها في إثراء الساحة الإقليمية والدولية بالبحوث والدراسات التي من شأنها وضع المبادرات والسياسات المطروحة عن طريق عقد اجتماعات بين ممثلي الإدارة السياسية وأعضاء المراكز وأصحاب الشركات الكبري وكبار الأكاديميين من أجل معرفة أثر السياسة الخارجية علي مصالح الدولة ومدي فعاليتها، وفي حالة فعاليتها تقوم المراكز بحشد الدعم لتلك السياسة بين مختلف المؤسسات من خلال نشر الوعي الثقافي بين أفراد المجتمع بأهم القضايا الدولية. ويتم ذلك عن طريق كتابة مقالات ودراسات بالصحف الكبري وإصدار الكتب والدوريات والظهور في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لخبراء المراكز) منذ فترة زمنية طويلة. ولذلك استطاعت هذه الدول بذلك الإدراك والفهم لريادية ومكانة تلك المراكز الحساسة والمهمة أن تصل إلي ما وصلت إليه اليوم من مكانة سياسية واقتصادية قوية ومركز تكنولوجي وعلمي متقدم، بحيث تطور عمل هذه المراكز في تلك الدول المتقدمة حتي أصبحت مصدراً مهما يعتمد عليها وبشكل أساسي لتوفير المعلومات المطلوبة لاتخاذ القرارات من قبل السلطات العليا، سواء أكانت تلك القرارات علي صعيد السياسة الداخلية أو الخارجية. وهي بذلك قد وفرت الوقت اللازم والكم الهائل من المعلومات الاستراتيجية والحيوية لتعزيز ثقتها وقدرتها علي مواصلة مشوار التقدم نحو المستقبل، لدرجة أن تجاوزت تلك المراكز الحكومية والخاصة المهتمة بالبحث والدراسات السياسية والاستراتيجية في الدول الأوروبية الصناعية الكبري وحدها ما يزيد علي 5000 مركز، وهذا وحده جعل من أوروبا وتلك الدول الصناعية الكبري تتجاوز بعضها الآخر بعشرات السنين بحيث اتسعت الهوة العلمية والثقافية ما بين تلك الدول وسواها بشكل كبير جداً. وأخيراً فإننا نوجه عناية وانتباه دولنا العربية إلي ضرورة الاسراع بتوفير تلك المراكز الحيوية لبناء خطط التنمية المستقبلية، وعلي وجه الخصوص مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية لما لها من دور أساسي وريادي في توفير المعلومات والدراسات والمخططات الأولية والبحوث العلمية، لفهم تفاصيل بقية الجوانب الحياتية الاقتصادية والتنموية، وذلك من منطلق أن العامل السياسي هو المحرك الاساسي لبقية الانشطة الحياتية وخصوصا في وقتنا الراهن، والدليل علي ذلك علي سبيل المثال لا الحصر، شكل وآلية التحكم بارتفاع أسعار النفط والذهب بسبب بعض المتغيرات الدولية علي الصعيد السياسي لبعض الدول المصدرة، ولما سيكون لتلك المراكز من دور بارز ومهم في المستقبل وخصوصا في ظل التغيرات والتحولات السياسية العالمية الراهنة، والتي تسير بشكل مخيف لابد من مواجهته بحكمة وجدار صلب من الفهم والمعرفة والنضج السياسي وإدراك المتغيرات العالمية، وتوفير البيئة المناسبة والديمقراطية للقائمين علي العمل البحثي في تلك المراكز، وذلك لتفعيل دورها الريادي لصناعة القرار السياسي الصائب والسليم، واعطائها الاستقلالية المالية والإدارية عن الحكومات وذلك حتي تكون وجهات نظرها مستقلة وحيادية.