إذا استعدنا قراءة الأزمات المالية العالمية نجد أن الجامعات تلعب دورا مهما ورئيسيا في تصميم النظريات الاقتصادية التي تفسر أسباب الأزمات ووسائل علاجها، ونذكر علي سبيل المثال أن أزمة الكساد الكبير عام 9291 خرجت من رحم جامعة كيمبردج البريطانية علي يد جون ميرند كينز، وحينذاك وضع كينز وزملاؤه تفسيرا موضوعيا لأسباب الأزمة الاقتصادية وطرق معالجتها كما أن نظرية اقتصاديات السوق في قالبها الجديد التي يتبناها النظام الرأسمالي الحالي هي نظرية جاءت من رحم جامعة شيكاغو علي يد ميلتون فريدمان الذي عرف عنه انتقاده اللاذع لنظرية كينز ومطالبته بعدم تدخل الحكومات في الأسواق وترك الأسواق تحل مشكلاتها بنفسها دون أي تدخل من الحكومات. ولذلك فإن الأزمة الراهنة تنتظر نظرية جديدة تنقذ الاقتصاد العالمي من الدخول في مرحلة من الكساد المعطل لكل أجزاء ماكينة الاقتصاد الدولي، إن مساهمة أقسام الاقتصاد في الجامعات المصرية في الفكر الاقتصادي العالمي لا يكاد يذكر رغم أن دور الاقتصاد المصري في النظام الاقتصادي العالمي بات موجودا ومؤثرا وفاعلا. السؤال المهم: أين علماء الاقتصاد المصري من مثل هذه النظريات، ولماذا لم نسمع أنهم وضعوا نظرية اقتصادية للمساهمة في تفسير الأزمة وطرق علاجها، بل لنقل لماذا لم يصدر تنظير علمي موضوعي (وليس نظرية) من أحد مراكز البحوث في الجامعات المصرية، وبمعني آخر، إن المجتمعات في عالمنا العربي مازالت تنتظر نتائج الأزمة ولم يصعد واحد من أعضاء هيئة التدريس في إحدي الجامعات المصرية أو العربية ويكشف النقاب عن دراسة علمية موضوعية يشرح فيها ما سيصيبنا من الأزمة المالية العالمية، وما يجب أن نفعله لكي نخفف آثار الأزمة. ومع الأسف فكل الذي يأتينا من الأكاديميين الاقتصاديين مجرد مداخلات مبتورة في الفضائيات يرمي فيها الأستاذ الفضائي كلمات ما أنزل الله بها من سلطان وبعد يوم أو يومين من المداخلات تبث الفضائيات كلاماً يدحض كل ما قاله الأستاذ الفضائي ولذلك نقول- مع الأسف - لم تكن تجربة الأكاديميين في الفضائيات صورة مشرفة لأنها لم تأت بجديد، ولم تكن التصريحات كلاما علميا موثوقا به، بل هي مجرد تصريحات ظنية، وطبعا مثل هذه التصريحات الجزافية الساذجة تنتهي إلي نتائج مغلوطة. وأتصور أن الدراسة التي ننشدها يجب أن تتضمن برنامجا للعمالة وبرنامجا لتنظيم وتنشيط أسواق المال وقوانين إصلاح البنوك وخطة اقتصادية لتنشيط عجلة الاقتصاد، ثم إبداء الرأي حول إعادة هيكلة المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير. إن الامكانات العلمية التي نعرفها عند أساتذة الاقتصاد في الجامعات المصرية يمكن أن تفرز مساهمة علمية جادة لعلاج الأزمة المالية العالمية، بل أتصور أننا نستطيع المساهمة بأبحاث تفيد كثيرا في تنظير وتشخيص الأزمة ووضع الحلول الموضوعية التي تعبر عن امكاناتنا ووجهة نظرنا دون أن نترك الغير يفكر بالنيابة عنا ويهتم بشئوننا أكثر مما نهتم نحن بأنفسنا. ولو قرأنا تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة عقب اجتماع مجموعة العشرين في واشنطن نجد أنه كان يطالب الدول الناشئة (ومنها مصر طبعاً) بضرورة المشاركة في مناقشة أوضاع الاقتصاد الدولي وهكذا يصبح الباب مفتوحا أمام علماء الاقتصاد المصريين للإدلاء بدلوهم في هذه الأزمة التي تمسهم كما تمس كل دول العالم المتقدم، وللحديث بقية.