قرأت يوم الخميس الماضي مقالاً تحت عنوان (في الرد علي ادعاءات متطرفي المهجر) للدكتور إبراهيم البيومي غانم. ولقد تعجبت كثيراً مما تضمنه هذا المقال من عبارات وأفكار قرأها كاتب المقال هنا أو هناك، وتعامل معها باعتبارها خطة علي وشك التنفيذ رغم سذاجة ما جاء بها من جانب، والخلط في الحقائق وعدم وضوح المعلومات من جانب آخر. بالإضافة إلي بعض الأحكام القاطعة التي تضمنها المقال.. وما تحتاجه من مراجعة من أجل الدقة العلمية. يبدأ المقال بفرضية عجيبة وهي أن هناك مطالبات بأهمية أن تكون هناك ضرورة لإنشاء وزارة لشئون الكنيسة تحت زعم سد ذرائع الضغوط الأجنبية علي مصر بإعطاء الأقباط استقلالية أكبر في إدارة الشئون الخاصة بالكنيسة، وخصوصاً أملاكها التي يشيع البعض أنها مليار جنيه. ولم يذكر المقال من الذي طالب بذلك.. خاصة أنني بحكم كوني متخصصاً في هذا الأمر، لم أجد أي جماعة قبطية بغض النظر عن انتماءاتها أو تصنيفها تطالب بهذا الأمر. بل هو مجرد عبارات متناثرة جاءت علي لسان البعض بصفة شخصية وفردية، وهي دعوة لم تجد قبولاً أو رواجاً.. بدليل عدم وجود أي توصية بذلك الأمر من أي من مؤتمرات أبناء مصر المهاجرين من المسيحيين. وبالتبعية، لم أستطع أن أفهم كيف ربط كاتب المقال تلك الفكرة العجيبة بالضغوط الأجنبية علي مصر. وما الذي يعنيه تحديداً بالاستقلالية في إدارة الشئون الخاصة بالكنيسة.. لأنه علي حد علمي وعلي حسب معلوماتي.. فإن الكنيسة لم تعلن يوماً عدم استقلاليتها في إدارة شأنها الديني الخاص سواء فيما يخص ماليتها من خلال المجلس الملي العام أو فيما يخص أوقافها من خلال هيئة الأوقاف القبطية. بل إن الدولة المصرية نفسها تتعامل بحكمة شديدة للتمييز بين ما هو كنسي ديني، وبين ما هو حكومي مدني.. خاصة فيما يخص المواطنين المسيحيين المصريين. ولم افهم من أين أتي كاتب المقال بفكرة (أن ممتلكات الكنيسة تديرها هيئات لا تراعي الخصوصية الدينية لممتلكات الكنيسة). يذكر كاتب المقال القرار الجمهوري الذي صدر سنة 1960 باختصاص هيئة الأوقاف القبطية بالإشراف علي إدارة جميع الأوقاف من أطيان وعقارات.. موضحاً بذلك أن وزارة الأوقاف لم تعد هي المسئولة عن أوقاف المسيحيين، واعتبر أن هذا الأمر هو تمييز بلا مبرر دستوري، وبالمخالفة لمبدأ المواطنة. وتناسي كاتب المقال أن الأوقاف القبطية ظلت تحت مظلة وزارة الأوقاف إلي أقل من 9 سنوات أي ما بعد سنة 2000 حينما تم تسليمها للكنيسة. وأغفل كاتب المقال أن ما قامت به وزارة الأوقاف هو تحقيق لمبدأ المواطنة حيث عادت الأوقاف التي (أوقفها) أصحابها من المسيحيين المصريين بإراداتهم الشخصية إلي الكنيسة، وما كان يحدث قبل ذلك هو مخالفة صريحة للدستور، وليس العكس. بقي أن أذكر ملاحظة أخيرة، وهي أن كاتب المقال قد استخدم بعض العبارات القاطعة سواء في عنوان المقال أو في بعض العبارات مثل (مما تشيعه بعض جماعات أقباط المهجر المتطرفة)، وهي أحكام عامة تنقصها الدقة في التحليل. كما أنه لا يجوز أن نتمسك بفكرة قالها شخص، ونعتبرها توجهاً لمجموعة، ثم نفترض صحتها، ونصدقها ونتعامل معها، ونخاف منها ونحذر من أهوال تبعياتها.