تباينت في الأيام القليلة الماضية ردود الفعل ما بين مؤيد ومعارض حول قضية النقاب التي عادت من جديد لتطفو علي سطح الأحداث وبخاصة في أعقاب رفض فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لارتداء طفلة صغيرة في أحد المعاهد الأزهرية للنقاب وما صاحبها من قرارات لجامعة الأزهر ووزارة التعليم العالي بحظر دخول المنقبات إلي داخل المدن الجامعية أو الكليات التي لا يدرس بها إلا طالبات فقط وهو ما أكدته المؤسسة الدينية الإسلامية في مصر ممثله في مجمع البحوث الإسلامية ووزارة الأوقاف التي أكدت في كتاب صدر عنها مؤخراً أن النقاب عادة وليس عبادة في رأيي أن القضية ليست في النقاب أو الحجاب أو الجلباب القضية أكثر بكثير من ذلك، القضية ليست دينية لكنها أولا وأخيرا سياسية. كل ذلك أعاد من جديد البحث في العلاقة ما بين الدين والدولة وفكرة الدولة العلمانية والدولة الدينية وبالتالي تعددت الآراء والمدارس الفكرية فهناك من ينادون بضرورة فصل الدين عن الدولة وهناك من ينادون بضرورة إخضاع الدولة للدين علي الرغم من كون العلاقة بين الدين والدولة واحدة من أكثر علاقات المجال السياسي تعقيداً ذلك أن الدين والدولة ينتميان إلي حقلين مختلفين لكنهما كما يري هؤلاء متداخلان بقوة حتي يصبح من الصعب تصور أي فصل بينهما يقوم علي احتجاز متبادل تقف الدولة فيه علي جانب بينما يكون الدين في جانب آخر بحيث ينتفي منه تأثير أحدهما علي الآخر ويقدر كل منهما أن يوجد بمعزل عن سواه صحيح أن الدولة شيء والدين شيء آخر وأنهما ليسا من طبيعة واحدة وليس لهما مهام متشابهة وأن الدين عابر للدولة ويمكن أن يوجد بدونها. الفريق الأول يري أن العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع تقوم علي أساس الحوار والتفاوض المستمر في الإطار الخاص بكل مجتمع وليس بفرض صيغة محددة سواء أكان ذلك بدعوي الفصل الكامل أو الجمع القاطع بين الدين والدولة فإن معالجة جدلية الفصل بين الدين والدولة مع الربط والضبط لاستمرار العلاقة بين الدين والسياسة إنما تكون من خلال التفاعل الاجتماعي الإيجابي علي مدي الزمن وليس بمحاولة فض التعارض بصورة فورية من خلال التحليل النظري. وبذلك فإن الجمع بين هذين الرأيين يؤكد ضرورة النظر لعلاقة الدين بالدولة من ناحية وبالمجتمع والسياسة من ناحية أخري في الإطار التاريخي لكل مجتمع علي حده والابتعاد عن تصور تعريف شامل وعام لهذه العلاقة يطبق علي جميع المجتمعات الإنسانية وبعبارة أخري فإن الغاية هي تأسيس وتوثيق القول بأن الدولة الوطنية المعاصرة لا تقدر علي تطبيق الشرائع السماوية كقانون عام أو أساس للسياسات الرسمية ولا ينبغي لها أن تحاول ذلك غير أن هذا لا يعني إقصاء الشريعة عن الحياة العامة أو إسقاط دورها وأثرها علي السياسات العامة للمجتمع. وأود أن أوضح أن علمانية الدولة بالمعني الذي أقدمه هنا لا تعني إقصاء الدين عن الحياة العامة للمجتمع فيجب أن نلاحظ أولا أنه لا ينبغي الإصرار علي تعريف ضيق وغير واقعي لعلمانية الدولة بأنها الفصل الصارم والمتشدد في كل ما يتعلق بعلاقة الدولة بالدين ثم إثارة المعارضة لذلك الفهم كأنه يعني امتناع أي نوع أو درجة من تنظيم وضبط مثل هذه العلاقة فذلك التعريف المتطرف لا ينطبق حتي علي تلك الدولة الغربية التي نصفها بالعلمانية فبدلا من مطاردة ذلك السراب من الأجدي مناقشة مفهوم علمانية الدولة كما هو مفهوم ومطبق حقا في المجتمعات المختلفة كل في إطاره الخاص به. أعود لمقدمة الموضوع وأكد أن استمرار خطاب استدعاء الدين في السياسة الذي تمارسه جماعات الإسلام السياسي أو بعض المسيحيين في الخارج من شأنه إشعال نار الطائفية التي نعاني منها اليوم أكثر من أي وقت مضي ولعل أحداث ديروط الأخيرة أحد هذه النماذج الخطيرة. وكما يؤكد الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ بجامعة حلوان المصريين ليسوا فقط طائفتين مسلمون ومسيحيون وإنما سوف تدخل علي المشهد طوائف أخري يرتب لها في دوائر النظام العالمي الجديد ونحن في غفلة عما يدور من حولنا وإلا كيف نفسر مطالبة البهائيين بحقوق التمييز المذهبي وكثرة الحديث عن الشيعة المصريين ومحاولة نفر من اليائسين من الإصلاح إنشاء حزب جديد باسم مصر الأم يدعو إلي استعادة لغة الفراعنة القدامي وثقافتهم بديلا عن الثقافة القائمة وأظن أن النظام العالمي الجديد إذا ما أخفق في اللعب بالطائفية التقليدية بين المسلمين والمسيحيين سوف يساند تلك الطوائف الجديدة باسم حقوق الإنسان فيحدث التفكيك باسم الحداثة والمعاصرة. من هنا تأكد فشل فكرة الدولة الدينية في العصر الحالي فقد فشلت في العديد من الدول الأوروبية كما فشلت في إيران وباكستان فشلت في السودان ولبنان كما فشل جورج بوش الابن باللعب بورقة الدين في مواجهة أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي تم استثمارها بالخطأ في فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها.