أنا لن أتسرع في اتخاذ قرار بزيادة القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان. هكذا أعلن الرئيس أوباما.. وقد يفهم البعض من هذا التصريح للرئيس الأمريكي أنه خذل جنراله الذي عينه في شهر يونيو الماضي لتولي قيادة القوات الأمريكية في أفغانستان، والذي أرسل تقريرا للرئيس الأمريكي يطلب فيه الدفع بنحو 40 ألف جندي أمريكي جديد لأفغانستان غير 21 ألف جندي سبق لأوباما الدفع بهم فور دخوله البيت الأبيض.. بينما قد يفهم البعض الآخر من تصريح الرئيس الأمريكي أنه متردد ولا يستطيع اتخاذ قرار مهم وحيوي مثل قرار زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان في ظل تزايد هجمات طالبان والتي باتت تهدد العاصمة كابول ذاتها. وربما يكون كل ذلك صحيحا.. لكن المعني الآخر والمهم لما قاله أوباما حول عدم تسرعه في اتخاذ قرار بزيادة القوات الأمريكية في أفغانستان هو أن نائبه بايدن نجح في أن يفرض رأيه علي الرئيس، ويجعله يتريث في الاستجابة لطلب الجنرال ماكسويل القائد الجديد للقوات الأمريكية في أفغانستان، رغم أن هذا الطلب تسرب للصحافة هو والتقرير الذي أرسله ماكسويل إلي أوباما والذي يحذر فيه من انهيار الوضع في أفغانسان إذا لم يتم الدفع بأربعين ألف جندي جديد أمريكي فيها ليتجاوز عددها إلي أكثر من مائة ألف جندي. بايدن حينما تلقي أوباما تقرير جنراله في أفغانستان كان هو الوحيد تقريبا الذي عارض هذا الطلب.. عارضه بقوة وحسم.. بايدن فاجأ الرئيس الأمريكي وكل مستشاريه بهذا الرفض، ولكنه كان رفضا يستند إلي منطق وإلي حجج قوية.. فهو يقول إنه في مقابل كل دولار تنفقه أمريكا في باكستان فإنها تنفق في مقابله 30 دولارا في أفغانستان رغم أن العدو الاساسي الذي تستهدفه أمريكا في عهد أوباما وهو تنظيم القاعدة يوجد في باكستان وليس أفغانستان، كما أن في باكستان توجد أسلحة نووية ثمة خطر لوقوعها في يد تنظيم القاعدة.. ولذلك يتعين علي الولاياتالمتحدة أن تمنح اهتماما أكبر لباكستان وليس أفغانستان. ولايعني ذلك أن بايدن يطالب بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان علي غرار ما تسعي في العراق، ولكنه يريد الابقاء علي القوات الأمريكية الحالية فيها بدون أي تخفيض، مع تغيير مهمتها.. إنه لايريدها أن تبدد جهودها في ملاحقة طالبان في المناطق الريفية، وإنما يريدها أن تركز جهودها علي تدريب القوات الأفغانية، والدفاع عن كابول وقندهار، مع بذل جهود دبلوماسية ومخابراتية أكبر لمحاولة شق طالبان واستمالة عناصر منها بشرائهم بالمال أو بإغرائهم بالمشاركة في السلطة، والعمل مع أمراء الحرب المحليين وخلق تعاون بينهم وبين الحكومة المركزية في كابول بعد إعادة تشكيلها من جديد بوجوه جديدة تخلصها من عجزها بسبب الفساد الذي ينخر في جسدها. وعلي مدي قرابة الشهر ونصف الشهر تقريبا ظل نائب الرئيس الأمريكي يسعي لإقناع الرئيس أوباما الذي يجلس إليه أربع ساعات يوميا برأيه هذا المعارض للدفع بمزيد من الجنود الأمريكيين إلي أفغانستان، خاصة أن الرأي العام الأمريكي بات غير مقتنع بهذه الحرب التي تخوضها قواته هناك، مثلما حدث له تجاه حرب العراق. ويوما بعد آخر كان بايدن يحرز نجاحا في كسب أحد مستشاري أوباما إلي صفه، ويقنع المؤيدين والمتحمسين للدفع بمزيد من القوات الامريكية إلي أفغانستان برأيه الرافض لذلك حتي صار أغلب هؤلاء المستشارين مقتنعين بهذا الرأي. ولعل ذلك هو الذي جعل أوباما يتخذ قراره أخيراً بعدم التعجل بإرسال مزيد من القوات الأمريكية إلي أفغانستان، رغم إلحاح الجنرال ماكسويل وتحذيراته. وهذا يعني أن نائب الرئيس الأمريكي كسب في هذا الموضوع وفرض رأيه ووجهة نظره.. ويرجع البعض ذلك إلي أن بايدن يتمتع بقدرة كبيرة علي أن يصارح الرئيس ومستشاريه بالحقائق التي قد لا يستطيع مساعدوه الآخرون قولها، وربما لذلك أسمته مجلة النيوزويك "قائل الحقيقة المزعج".. فهو يصر علي أن يقول ما يراه صائبا حتي ولو كان مخالفا لما يراه الجميع حوله.. وفي المقابل فإن الرئيس الأمريكي كما يصفه رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض واحد من أعظم المستمعين في العالم.. وإذا كان هناك من لا يخشي القول ومن يجيد الاستماع فلن يخسر كلاهما معا.