تشهد الصين نجاحات مذهلة في شتي المجالات وتنمو صناعاتها المختلفة بشكل غير مسبوق، إلا أنها لا تزال تقبع خلف دول كثيرة في مجال صناعة ونشر الكتاب، وإن كانت من حيث عدد العناوين المطروحة سنوياً والحجم الكلي للمنتج تأتي ضمن أكبر دول العالم. وبعبارة أخري، يمكن القول إن الصين لا تبدو في موقع متقدم إذا ما أخذنا في الاعتبار نصيب الفرد السنوي من الكتاب، وشكل وجودة المنتج، والطرق المستخدمة في الطباعة والتوزيع، والتشريعات الخاصة بحماية حقوق المؤلفين والناشرين. علي أنه من المهم هنا الاستدراك للإشارة إلي تحقيق صناعة الكتاب الصينية بعض التقدم الملموس علي مختلف المستويات في السنوات الأخيرة، وتواصل هذا التقدم يوماً بعد يوم، ولاسيما منذ انضمام البلاد في عام 2001 إلي منظمة التجارة العالمية. حيث شكلت عضوية الصين في هذه المنظمة بما فرضته من شروط ومعايير وقواعد عالمية تحدياً لدور النشر المحلية. وهذا أجبر الأخيرة - وإن ببطء - علي تطوير آلياتها واستراتيجياتها الإدارية والمالية والفنية والتدريبية من أجل البقاء في سوق المنافسة، بل وتنظيم ندوات وورش عمل لهذا الغرض بمشاركة مؤسسات أمريكية وغربية متخصصة. وهذا التوجه يختلف بطبيعة الحال عما ساد طويلاً من ميل دور صناعة ونشر الكتاب الصينية إلي الاسترخاء وعدم الاكتراث بالتطوير والتحديث وعوامل المنافسة، مستفيدة من سياسات الدولة الحمائية وضخامة عدد القراء وبالتالي حجم المبيعات. غير أن عدداً غير قليل من بين ثمانية آلاف دار نشر متخصصة في صناعة الكتاب - من أصل 82 ألف دار للطباعة يعمل بها نحو 3 ملايين نسمة - لا تزال تراهن في بقائها في سوق المنافسة علي العامل الأخير، أي علي عدد قراء الصين الذين يشكلون ربع سكان الكرة الأرضية، وعلي الأعداد المتزايدة من الأجانب الساعين إلي تعلم الصينية وآدابها. والجدير بالذكر في هذا السياق أن عدد الطلبة الأجانب الدارسين في الجامعات والمعاهد الصينية قد ارتفع من 36 ألف دارس إلي نحو 110 آلاف دارس خلال عقد واحد من الزمن، الأمر الذي لئن كان الفضل فيه يعود إلي تنامي قوة ودور الصين الاقتصادي في العالم، فإنه أيضاً إحدي ثمار جهود الدولة في نشر الثقافة الصينية من خلال تأسيسها لأكثر من 25 معهداً ثقافياً حول العالم تحت مسمي "معهد كونفوشيوس"، وهي معاهد تشبه معهد "جوته" الألماني والمجلس الثقافي البريطاني لجهة الأهداف والبرامج هكذا تمهد الثقافة الطريق للتسويق. وللحديث بقية.