وقفت الزميلة العزيزة مني ذو الفقار تسألنا لماذا دفعة خريجي عام 1969 من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية دفعة متميزة كما أجمع علي ذلك أساتذتنا في الكلية؟.. وتولت هي الإجابة قائلة.. هل السبب أنها كانت دفعة تتسم بالنشاط والحيوية طوال فترة الدراسة بالكلية.. أم إنها دفعة برز خريجوها في كل المجالات.. قدمت اثنين من خريجيها ليتوليا قيادة الكلية من بين أربعة عمداء من خريجيها تولوا مسئوليتها، ومنها من صار وزيرًا ورئيس حزب ورئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة لشركة أو مؤسسة، ومنها من أضحي سفيرًا أو قيادة إدارية أو إذاعيا وإعلاميا وكاتبا لامعا، ومن صار رجل أعمال وصاحب بيزنس، ومنها أيضًا من صار مشاركا في حكم بلاده في البلاد العربية؟ لكن الزميلة العزيزة مني ذو الفقار لم تعتبر ذلك كله سبب تميز دفعة 69.. إنما رأت السبب الأساسي هو إصرار هذه الدفعة علي أن تلتقي بن الحين والآخر.. مضت أربعين عاما علي تخرج هذه الدفعة التي تعرف بالدفعة السابعة ومازالت تلتقي، والفضل في ذلك لزميلة عزيزة أخري هي السفيرة سعاد شلبي. التي كانت تنتهز وجودها في القاهرة لقضاء إجازة بها لترتب وتنظم لنا لقاءً يجمعنا. وكان الحرص علي الحضور هو دائمًا السمة الغالبة، والذي منعه الحضور لوجوده بالخارج كان يحرص علي أن يبعث لنا برسالة رقيقة. شيء ما ربط بين أبناء وبنات هذه الدفعة من دفعات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تحديدًا، وإن كان هناك دائمًا ما يجمع ما بين كل خريجي الكلية حتي صار الانتماء لها أشبه بالجنسية التي يعتز بها كل خريج منها. أتذكر أنني أعددت استطلاعا للرأي بين طلاب وطالبات هذه الدفعة في السنة الأولي لانضمامنا لهذه الكلية الوليدة ننشره في مجلة حائط.. كان الاستطلاع يقتصر علي سؤال واحد فقط هو لماذا التحقت بهذه الكلية؟.. وكانت النتيجة تشي بطموح هائل وبرغبة كبيرة للمشاركة ُفي بناء وصياغة مستقبل هذا الوطن ولعب دور نشط في حياته.. وما قاله الزملاء والزميلات حققوه بالفعل وصاروا من رموز هذا البلد الآن، ورغم مرور 40 عاما علي التخرج مازال خريجو هذه الدفعة يصرون علي المشاركة في بناء مستقبل هذا الوطن ولعب دور نشط في حياته. ورغم تباين الانتماءات السياسية لأبناء وبنات هذه الدفعة.. ورغم توزع عدد منهم ما بين الحكومة والمعارضة ومستقلين أيضًا، فإن ما يجمع بينهم أكبر مما يفرقهم.. نشعر بذلك ونحن نلتقي.. الزمالة امتزجت في دمائنا وصارت تجمعنا وتربط بيننا حتي وإن اختلفت المواقع والرؤي والمواقف السياسية. ولعل ذلك ما كنا نمارسه مبكراً جدًا ونحن طلاب وتمرسنا عليه بعد تخرجنا وطبقناه في حياتنا.. كنا نلتقي ونحن طلاب نتناقش ونختلف ويعارض بعضنا بعضا بشدة ولكن بأدب واحترام.. ثم نذهب لنأكل معا أو نمارس الرياضة معا أو نمرح معا. احترمنا زمالتنا احتراما شديداً ونما ذلك وكبر بيننا فيما بعد.. ولذلك ظلت هذه الزمالة هي التي تجمعنا وتجعلنا نلتقي دوما.. وها هي أربعون عاما مضت علي تخرجنا بالإضافة إلي أربعة أعوام أخري قضيناها في الدراسة معا ومازلنا نلتقي.. وسوف نظل نلتقي ما دمنا علي قيد الحياة. ولذلك.. لقد صدقت الزميلة العزيزة مني ذو الفقار وهي تحدد سبب تميز دفعة 69 بحرصنا علي اللقاء.. نحن نقابل بعضنا بفرحة تغمرنا.. نشعر بسعادة حقيقية في لقاءاتنا، ننسي خلالها ما يؤرقنا ويزعجنا وما يحرمنا. مضت أربعون عاما علي تخرجنا ولم تفرقنا السياسة ولا اختلاف المواقع والرؤي ولا حتي الانتماءات الحزبية. إن دفعة 1969 التي أسماها استاذنا المرحوم د.إبراهيم صقر بالدفعة الذهبية هي بحق نموذج للوطن الذي أتمناه.. وطن يجمع بين ابنائه رابطة أقوي من الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. ولن تكون هذه الرابطة سوي المواطنة الحقة وليست الصورية.