قضية مصر الأولي منذ تفتحت عيوننا علي المطالبة بالاستقلال وجلاء الإنجليز عن مصر ونحن صبية مازلنا في المدارس نخرج في مظاهرات نهتف بإعلان الحرب علي الفقر والجهل والمرض أعداء الشعب المصري.. وكان هذا في أيامنا.. أيام كان الملك فاروق يحكم مصر.. فلم تكن أيام فاروق أيام انتصار علي الفقر والجهل والمرض.. بل كانت أيام هزيمة أمام هذا الثلاثي الذي مزق الأمة وجعلها تعاني.. وأنا لم أعش أيام الملك فؤاد.. فلم أكن أعرف أن هذا الثلاثي اللعين قد طال الأمة المصرية في أيامه.. ولكن أعرف أن ثلاثي الفقر والمرض والجهل.. كان من أمراض زماننا.. وعلينا بعد أن يرحل المستعمر الإنجليزي عن وطننا والذي كان يتحصن في قناة السويس أن نعلن الحرب عليه وننتصر علي هذا الثلاثي اللعين فهو سر تأخرنا.. فقد كان لعبة الأحزاب في كسب الشعب لحسابهم.. وكانت مظاهراتنا في الشوارع تطالب بإعلان الحرب علي هذا الثلاثي اللعين بعد جلاء الإنجليز.. فقد كانت الجماهير تحلم بثورة تحرر مصر من الاستعمار الإنجليزي الجاثم علي أنفاسها.. وتحارب هذا الثلاثي اللعين. ولن أبالغ إذا قلت أن ثورة يوليه قد قامت في الضمير الشعبي من أجل الحرب علي الفقر والجهل والمرض.. فهذا الثلاثي قضية مصر الأولي بعد رحيل الإنجليز عن أرض الوطن.. فالإنجليز وأعوانهم كانوا العقبة أمام مواجهة هذا الثلاثي اللعين الذي يمزق سلام مصر الاجتماعي.. وكان مفهومي هذا لثورة يوليه.. مما جعلني بمجرد أن قامت ثورة يوليه.. وتولي الأستاذ حلمي سلام رئاسة تحرير إحدي المجلات الأسبوعية ليقدم النموذج لصحافة الثورة أن قدمت مشروعا صحفيا لكتابة سلسلة تحقيقات عن الذين يعيشون في كهوف.. وفي مساكن لا إنسانية في أحياء لا علاقة لها بالانسانية بعنوان: هنا يسكن الشعب يا وزراء الشعب.. وقدمت له بعض حلقات هذه السلسلة وتحمس أستاذي حلمي سلام للتحقيقات ونشر أولي الحلقات بصورة لافتة للنظر.. وفوجئت بالأستاذ حلمي يتصل بي ويقول لي أن الجماعة زعلانين من عنوان يا وزراء الشعب.. وطلب مني حذف عبارة يا وزراء الشعب في الحلقة الثانية والاستمرار في نشر السلسلة.. واستمرت الحلقات.. وكان لها صدي غير عادي في الأوساط الرسمية والشعبية والصحفية.. واندهشت لزعل الجماعة وبالطبع كان يعني بالجماعة أن بعض رجال الثورة غير موافقين علي عبارة ياوزراء الشعب.. لذا كانت فرحتنا بلا حدود عندما أعلن جمال مبارك أمين لجنة السياسات عن إعلان الحرب علي الفقر.. وبالتالي علي الجهل والمرض بمشروعه: القري التي أشد احتياجا فهو يذكرنا بالمشروع الذي حلم به جيلنا عندما قامت الثورة.. ومضي فيه خطوات جادة وكانت آخر هذه الخطوات في الأقصر وأبدي أعجابه بمشروعات تطويرها وتحدث عن الفلاح المصري بحب يفتقده.. فلو تحقق هذا المشروع.. الحرب علي الفقر وبالتالي عن المرض والجهل منذ بداية الثورة.. ماذا كان سيكون حال مصر - الآن - بعد كل هذه السنوات ولم ندخل الحروب التي استنزفت فيها ثروتها؟. كانت مصر ستصبح جنة المنطقة.. ولكن هذا قدر مصر.. أم الجميع.. وقد آن الوقت لأن تسابق الزمن وتعوض ما فاتها وتحتشد بكل إمكاناتها.. وتجعل من كل مواطن المواطن المنتج الذي يضع في هرم نهضتها إبداعه.. والبداية هي الحرب علي الفقر.. وتحقيق النصر في معركتنا معه كالنصر الذي حققنا في أكتوبر.. فهل نستطيع أن نلغي الفقر من حياتنا؟! أننا في حاجة إلي معجزة.. ولكن أكتوبر علمنا طريق المعجزات.. وبداية المعركة ضد الفقر تؤكد أننا في الطريق.. ونحقق ما كنا نريده منذ أيام الملك فاروق.. إعلان الحرب علي الفقر والجهل والمرض.