نجح الياهو ساسون رجل الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية التي تأسست في فلسطين عام 1922 من نشر عشرات المقالات في صحف ومجلات سورية ولبنان مقابل دفع أموال لأصحاب هذه الصحف والمجلات! كان الهدف من نشر هذه المقالات تأسيس رأي عام عربي يقف ضد الحقوق القومية للشعب العربي - الفلسطيني ويتقبل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين! لقد ظل هذا الأمر وغيره من الأسرار المحجوبة والمدفونة في الأرشيف الصهيوني حتي استطاع الباحث الجاد الأستاذ محمود محارب كشف تفاصيلها المذهلة في بحثه الممتاز المقالات المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية 1936-1939 والمنشور في مجلة الدراسات الفلسطينية في عددها الأخير. وحسب التقرير الذي دونه الياهو ساسون فقد نشر في النصف الثاني من شهر يوليو 1938 سبعة مقالات في صحف الرابطة والحديث والاتحاد وقد عالج معظمها المؤتمر البرلماني لنواب الدول العربية والإسلامية والذي كان من المزمع عقده في القاهرة لمناصرة الشعب الفلسطيني! وفي 22 يوليو 1938 نشر ساسون مقالين مدسوسين في الاتحاد والحديث الصادرتين في بيروت وذكر في تقريره أن أحد هذين المقالين والذي كان من نسج خياله يتحدث عن عزم المسلحين الفلسطينيين إلقاء قنابل علي المسجد الأقصي ثم اتهام اليهود بأنهم هم من قاموا بذلك. أما المقال الثاني فيدعو إلي عدم مشاركة أعضاء البرلمان اللبناني في المؤتمر البرلماني لنواب الدول العربية والإسلامية المزمع عقده في القاهرة! وكثف ساسون عشية عقد المؤتمر البرلماني لمناصرة الشعب الفلسطيني في القاهرة نشاطه واتصالاته بالصحفيين وبمحرري الصحف اللبنانية والسورية وأصحابها وبجهات لبنانية وسورية عديدة وذلك بهدف عرقلة المؤتمر والعمل علي أن يقاطعه أكبر عدد ممكن من أعضاء البرلمانيين اللبناني والسوري. وفي تقرير كتبه ساسون إلي موشي شاريت رئيس الدائرة السياسية للوكالة اليهودية ذكر فيه إنه خلال مكوثه أربعة أيام في بيروت من أواخر سبتمبر حتي بداية أكتوبر 1938 التقي كثيرين من الصحفيين ومحرري الصحف وأصحابها في بيروتودمشق وقد برز من تلك اللقاءات اجتماعه بإلياس حرفوش صاحب صحيفة الحديث الذي اجتمع به ثلاث مرات! كما أنه التقي سمعان سيف محرر صحيفة الأحوال مرتين! وأسعد عقل محرر صحيفة البيرق مرة واحدة وأنه سافر في أثناء ذلك إلي دمشق ثلاث مرات اجتمع خلالها بتوفيق جانا صاحب صحيفة الاستقلال العربي وبشخصيات سورية أخري! وقد بحث ساسون مع كل هؤلاء كيفية عرقلة مشاركة أعضاء البرلمانيين اللبناني والسوري في المؤتمر البرلماني واتفق ساسون مع كثيرين من أصحاب ومحرري الصحف علي أن تقوم صحفهم بنشر مقالات باسم هيئات التحرير تدعو إلي عدم مشاركة أعضاء هذين البرلمانيين في ذلك المؤتمر! وبالفعل نجح ساسون في خلال أربعة أيام من نشر ثمانية مقالات في صحف بيروت الأحوال والاتحاد و لسان الحال وصوت الأحرار ضد مشاركة أعضاء البرلمان اللبناني في المؤتمر البرلماني المزمع عقده في القاهرة في أكتوبر 1938 وقد شددت المقالات علي أن كل من يشارك في المؤتمر البرلماني يذهب إليه باسمه الشخصي وأن لا حق له في التحدث باسم لبنان ولا التزام أي أمر كان باسم لبنان. كما طالبت صحيفة صوت الأحرار في مقال رئيسي طويل المؤتمر البرلماني باتخاذ قرار بضرورة وقف أعمال الشغب في فلسطين وبإجراء مفاوضات بين الأطراف من أجل التوصل إلي حل مقبول للقضية الفلسطينية! ويضيف ساسون أن إلياس حرفوش وعد بأن يقوم بزيارة كل من إميل إده رئيس الجمهورية اللبنانية وكيبر مدير القسم السياسي في الممثلية الفرنسية العليا لحثهما علي الإشارة إلي أعضاء البرلمان الذين يعتزمون المشاركة في المؤتمر بالانسحاب وعدم الذهاب وذلك من أجل الحفاظ علي حيادية لبنان وعدم إثارة سخط الإنجليز واليهود!. وذكر ساسون أيضا أنه تمكن من تجنيد العديد من الشخصيات اللبنانية والسورية للتأثير مباشرة في أعضاء البرلمان بعدم المشاركة في المؤتمر البرلماني فقد تمكن بمساعدة خير الدين الأحدب رئيس وزراء لبنان السابق من التأثير في موسي نمور الذي كان سيرأس الوفد البرلماني اللبناني بالامتناع من المشاركة في المؤتمر كما تمكن بمساعدة الياس حرفوش من التأثير في عضوي البرلمان فريد الخازن وأبوب كنعان بالانسحاب من المشاركة فيه. ولعل أخطر ما كشف عنه الأستاذ محمود محارب في دراسته الخطيرة هو أن الدائرة السياسية للوكالة اليهودية لم تكتف فقط بنشر عشرات المقالات المدسوسة بل نجحت في شراء عدد من الصحف العربية عام 1938 في سوريا ولبنان ما بين ثلاث وخمس في بيروت واثنتين في دمشق وكما يقول ساسون نفسه وكان في إمكاننا شراء عدد آخر من الصحف لكن لم يكن لدينا الميزانية المطلوبة لذلك كما أننا اضطررنا وللسبب نفسه إلي وقف العلاقة بعد وقت قصير بالصحف التي كنا قد اشتريناها! كانت وظيفة الصحف التي اشتريناها نشر المقالات والأخبار التي زودناها بها والامتناع عن نشر مواد الطرف الآخر المعادية للصهيونية ومواد للدعاية الأجنبية والتقريب بين وجهات النظر العربية واليهودية وإدانة الإرهاب العربي في فلسطين واتخاذ موقف مؤيد لليهود في كل ظاهرة سياسية. وفي نهاية هذه الدراسة المهمة يعترف محمود محارب قائلاً: ومن اللافت للنظر أن أولئك الذين مكنوا الوكالة اليهودية من اختراق الصحافة اللبنانية والسورية بهذه السهولة هم أنفسهم الذين كانوا يتحدثون وباحتجاج عن نفوذ وسطوة اليهود والصهيونية في الدول الغربية! ولا تعليق!!