إذا ما عيَّن مجلس القضاء الأعلى أربعة من الحاصلين على تقدير «مقبول» فى وظيفة معاون نيابة، رغم صراحة القانون فى أن يكون التقدير «جيد» على الأقل، فتلك صدمة تهز المجتمع كله. وإذا ما سرّب أحد القضاة معلومات غير حقيقية للصحافة بتلك المخالفة الصارخة وصدّقته الصحافة، فالعيب يقع أولا على من سرب، خصوصا إذا كان من فئة يُجلّها الناس ويصدقها الجميع، ثم على الصحافة التى لم تكمل خبرها. أما حكاية عدم معاقبة مَن نشر الخبر، وأن هذا يعنى صدق ما نشر، كما كتب بعض الكتاب، ومنهم الكاتب المحترم الدكتور نصار عبدالله فى صحيفة الفجر: (وأنا بصراحة أتمنى ألا أصدق ما نشرته الجريدتان- يقصد «المصرى اليوم» و«الوفد»- وأربأ بالمجلس الأعلى للقضاء أن يكون صدر عنه بالفعل ما نسبتاه إليه، لكن سكوت المجلس الأعلى عن اتخاذ أى إجراء ضد الصحيفتين هو سكوت غريب ومريب، خاصة أنه سبق له أن اتخذ إجراءات عنيفة ضد صحفيين وكتاب لمجرد أنهم نشروا ما هو أقل شأنًا من ذلك الخبر بكثير...). يأتى كلام الدكتور نصار بعد النفى القاطع لحدوث مثل هذا الأمر من رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار مقبل شاكر فى برنامج البيت بيتك مع الكاتب والإعلامى خيرى رمضان مساء نفس اليوم الذى نشر فيه هذا الخبر، بل فى إطار الموضوعية الصحفية نشرت صحيفة «المصرى اليوم» ما يفيد سلامة موقف المجلس الأعلى للقضاء فى تعيين هؤلاء لأنهم حصلوا على «جيد» بعد حصولهم على درجات الرأفة من الجامعة، وهذا أمر لا يعنى مجلس القضاء لأن الشهادة الجامعية لهؤلاء تفيد حصولهم على تقدير عام «جيد»، فضلا عن أن الكاتب الصحفى حمدى رزق، الذى انتقد قرار المجلس بتعيين هؤلاء، عاد وكتب الحقيقة بعد أن استوثق من المعلومات بعد مقابلته للنائب العام والمستشار مقبل شاكر. ولم يعبأ مقبل شاكر بالدعوات الكثيرة التى طالبته بدخول معركة مع الصحافة واتخاذ إجراءات رادعة ضدها، لكن الرجل كان يسعى لإرساء أحد المبادئ المهمة فى العلاقة بين الصحافة والقضاء، كاشفا عن أن تصحيح الخطأ وتصويب الحقيقة وتوضيح الأمر لا يستدعى دخول معركة مع الصحافة. هكذا فعل حين تولى رئاسة مجلس القضاء الأعلى مع من كانوا يخالفونه الرأى من القضاة، ونجح فى إعادة توحيد صفوف القضاة، وجعلهم، إلا قليلا جدا، على قلب رجل واحد، وأعادهم إلى دورهم العظيم فوق منصاتهم العالية، وجعل جل همهم تحقيق العدالة وتطبيق القانون. وكان -ولا يزال- أول الساعين لدعم القضاة ورفع رواتبهم والاستماع إلى شكاواهم من أصغر معاون نيابة وحتى أكبر رئيس استئناف، بل قام بجولات عديدة للوقوف على أوضاع القضاة فى الأقاليم والاستماع لشكاواهم ومشكلاتهم وطرحها على طاولة مجلس القضاء الأعلى والعمل على إيجاد الحلول لها. لكن للأسف اعتبر بعض القضاة من أعضاء نادى القضاة أن هذه الزيارات انتخابية، رغم أن الرجل لم يفكر مطلقا فى خوض الانتخابات، ولم يدخل فى أى مهاترات أو الرد على ما تردده المجموعة التى تطلق على نفسها «تيار الاستقلال»، وكأن غالبية القضاة ينتمون لتيار التبعية والموالاة. رغم أن نظام القضاء المصرى من أكثر الأنظمة استقلالية فى العالم، وأن ميل قاضٍ ما هو ميلًا شخصيًا، ويكفى أن نعلم أن أعضاء المجلس الأعلى(شيوخ القضاة) يُعيَّنون بحكم أقدميتهم وليس بقرار سياسى، ولا ننسى أن المستشار مقبل شاكر فُصِل من القضاء لأنه دافع عن عدم تدنيس محراب العدالة بالانتماء السياسى وليس الحياد الذى تقتضيه منصة العدل.