يقول المثل الشعبي الشهير.. يموت الزمار ويده تلعب.. لكن الزمار الإيراني مازال علي قيد الحياة، ولذلك فإنه يلعب بكلتا يديه ولسانه وقدميه أيضا! رغم أن المندوب الإيراني وصف العرض الذي قدمه د.محمد البرادعي لإيران بتخصيب اليورانيوم في الخارج بأنه عرض إيجابي، إلا أن إيران آثرت ألا تقدم ردها النهائي علي هذا العرض في نهاية المهلة التي حددها مدير المنظمة الدولية للطاقة الذرية، إيران أرجأت الرد إلي منتصف هذا الاسبوع.. وفي ذات الوقت انطلقت من داخل إيران تصريحات متضاربة تشير ضمنا إلي تراجع إيران عن تأييد هذا العرض الذي أعلنت كل من أمريكا وروسياوفرنسا موافقتها عليه في الموعد المحدد، فهناك المسئول الإيراني الذي أعلن رفضه تخصيب اليورانيوم في الخارج، وهناك أيضا المسئول الآخر الذي أعلن أن لدي إيران عرضا مختلفا قدمته للغرب وتنتظر ردهم عليه، ويقضي برغبة إيران في شراء الوقود النووي جاهزاً من الخارج. وهذا الموقف الإيراني كان متوقعاً ولا يعد مفاجئا حتي رغم ما أشاعه من تفاؤل المندوب الإيراني في المنظمة الدولية والذي رأس فريق التفاوض في مباحثات فيينا.. فالعرض المقدم لإيران وضعها في مأزق حقيقي. فهي لاتستطيع رفضه وإلا وضعت نفسها منذ البداية في حالة صدام مع الغرب مما يهددها بالقطع بتشديد العقوبات المفروضة عليها، وفي هذه الحالة لن تجد كل من روسيا والصين مبرراً للتحفظ أو الاعتراض علي تشديد العقوبات.. كما أنها لاتستطيع أيضا القبول به، حتي لاتبدو أمام الرأي العام الإيراني أنها تراجعت أمام الضغوط الغربية والأمريكية.. ولذلك لم يعد أمام إيران للخلاص من هذا المأزق سوي المماطلة والتسويف والمناورة. وهذا ما حاوله الفريق الإيراني المفاوض في مباحثات فيينا حينما افتعل أزمة في بداية هذه المباحثات باعتراضه علي مشاركة الفرنسيين فيها، واعتراضه أيضا علي مشاركة فرنسا في اتفاق إعادة تخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج، كان الإيرانيون يأملون أن تفشل هذه المباحثات أو أن يتم تأجيلها إذا ما قام الفرنسيون بالتصعيد وانساق الأمريكيون وراءهم مجاملة لهم أو لعدم اغضابهم، لكن د.محمد البرادعي بما بذله من جهود توفيقي أنقذ المباحثات من الفشل، وقادها إلي بر الأمان أو إلي مشروع محدد لإعادة تخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج، تكون روسيا هي المسئولة عنه، والطرف الذي سيبرم الاتفاق حوله مع إيران، بينما تشارك فرنسا من الباطن أو من خلال اتفاق آخر مع روسيا. لكن مع ذلك بقي المشروع الذي طرحه البرادعي محرجا للإيرانيين ويضعهم في مأزق، لا هم قادرون علي رفضه ولا هم قادرون علي القبول به.. ولذلك كان المتوقع أن يستمر الإيرانيون في المماطلة والتسويف وها هو الأسبوع ينتصف وسيكون علي الإيرانيين تقديم ردهم علي مشروع البرادعي. والأغلب أن هذا الرد لن يكون رفضا صريحا لمشروع البرادعي أو نكوصا علي القبول المبدئي بتخصيب اليورانوم في الخارج حتي لاتدخل إيران في صدام سريع وسافر مع الغرب.. ولكن الرد سيحاول عرقلة تنفيذ هذا المشروع كسبا للوقت حتي يتوفر لإيران كميات أكبر من اليورانيوم المنخفض التخصيب، أو المطالبة بإجراء تعديلات عليه ليعود من شاركوا في مباحثات فيينا للمباحثات من جديد. والأغلب أيضا أن التعديلات التي ستطالب بها إيران سوف تتركز علي كمية اليورانيوم الإيراني التي سيعاد تخصيبها والمطلوب منها تسليمها لروسيا التي ستتولي إعادة التخصيب لرفع نسبة التخصيب من 3.5 إلي قرابة 20٪ فالإيرانيون لايحبذون أن يسلموا دفعة واحدة وفي غضون الفترة المتبقية من العام الحالي نحو 1200كجم من اليورانيوم الإيراني للروس لإعادة تخصيبه، خاصة أن هذه الكمية تمثل نحو ثلاثة أرباع اليورانيوم الموجود لديهم الآن، كما أن هذه الكمية لو تحولت إلي وقود نووي بعد إعادة تخصيبها ستكفي مفاعل طهران النووي لعشر سنوات قادمة. أما إذا أصر الأمريكيون والفرنسيون وربما معهم الروس علي تسليم هذه الكمية فإن الإيرانيين سوف يسعون إلي إطالة المدة التي سيتعين عليهم تسليمها لروسيا، حتي يظل اليورانيوم الإيراني ورقة يستخدمها الإيرانيون في مفاوضاتهم غير التقنية مع مجموعة الدول الست.