تمتلئ حياتنا بالقرارات الصعبة وفي معظم الأحيان لا نعرف كيف نختار، ولا علي أي أساس ينبغي أن نأخذ هذا ونترك ذاك.. وعندما وصلتني هذه القصة عبر البريد الالكتروني لم استطع الاختيار، ولا اتخاذ القرار. ها هي القصة: لو كان هناك مجموعتان من الأطفال يلعبون بالقرب من مسارين منفصلين للسكة الحديد أحدهما معطل والآخر ما زال يعمل، وكان هناك طفل واحد يلعب علي المسار المعطل، والمجموعة الأكبر من الأطفال يلعبون علي المسار غير المعطل.. وأنت تقف بجوار محول اتجاه القطار ورأيت الأطفال ورأيت القطار قادماً وليس أمامك إلا ثوان لتقرر في أي مسار توجه القطار.. وهذا هو الاختيار: فإما تترك القطار يسير كما هو مقرر له ويقتل مجموعة الأطفال أو تغير اتجاهه إلي المسار الآخر ويقتل طفلاً واحداً.. فأيهما تختار؟ بالطبع سيري معظمنا أنه من الأفضل التضحية بطفل واحد خير من مجموعة أطفال.. فهل ياتري هذا القرار صحيح؟ هل فكرنا أن الطفل الذي كان يلعب علي المسار المعطل قد تعمد اللعب هناك حتي يتجنب مخاطر القطار ومع ذلك يجب عليه أن يكون الضحية؟ أما الأطفال الآخرون الذين في سنه فباستهتار ولا مبالاة ذهبوا للعب في المسار العامل، فهل يحيا المستهتر ويموت العاقل؟ هل من العدل أن نحكم لصالح الأغلبية؟ المنطق السريع سيقول نعم، ولكن المنطق المتروي يقول: بل نحكم لصالح الصواب بغض النظر عن الأغلبية والأقلية.. ويقول أصحاب هذا الرأي إن الصواب هو أن نترك القطار ليسير في مساره الصحيح ولا نحوله علي المسار المعطل الذي يلعب فيه الصبي المتعقل وذلك للأسباب التالية: أولا: الأطفال الذين كانوا يلعبون في مسار القطار العام يعرفون ذلك وسوف يهربون بمجرد سماعهم صوت القطار. ثانيا: لو تم تغيير مسار القطار فإن الطفل الذي يلعب في المسار المعطل يموت بالتأكيد لأنه لن يتحرك من مكانه عندما يسمع صوت القطار إذ إنه يعتقد أن القطار لن يمر بهذا المسار كالعادة. ثالثا: أن المسار المعطل غالبا غير آمن وبالتالي تغيير مسار القطار إلي هذا الاتجاه لن يقتل الطفل المتعقل فقط، بل سوف يودي بحياة ركاب القطار كلهم فبدلا من انقاذ حياة مجموعة من الأطفال فقد يتحول الأمر إلي قتل مئات من الركاب بالإضافة إلي موت الطفل المحقق. القرار الصائب في هذه الحالة إذا هو أن تترك القطار يسير في مساره الطبيعي ولا تحوله إلي المسار المعطل نهائياً. يبدو أن اتخاذ القرار ليس سهلا كما يظن كثيرون.. والتسرع فيه يجلب الخطأ.. واتباع الشائع ليس هو الصحيح دائما.. والتضحية بالأقلية في سبيل حماية الأغلبية أيضا ليس بالضرورة هو القرار الحكيم ولا الاختيار الأفضل.. الاختيار مسئولية والقرار أمانة والتعقل والهدوء والدراسة ضرورة لا غني عنها للوصول إلي أصوب قرار وأفضل اختيار.