في إطار مساعي إنهاء التوتر الذي شاب العلاقات بين تركيا وأرمينيا علي مدي عقود ومحاولات التطبيع بين البلدين، تحاول أنقرة ويريفان حاليا تأسيس بروتوكولين لإقامة علاقات دبلوماسية وتطوير العلاقات الثنائية بينهما بعد بدء مشاورات سياسية داخلية ترمي إلي إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية واستعادة الثقة المتبادلة بين تركيا وأرمينيا وذلك كخطوة لبدء تفعيل مبادرة "دبلوماسية كرة القدم" التي أطلقها الرئيس التركي عبد الله جول ونظيره الأرميني سيرج سيركيسيان بعد حضورهما مباراة تصفيات كأس العالم لعام 2010 . وعلي الرغم من أن الجارتين تحاولان تطبيع العلاقات إلا أن التطبيع الحقيقي لن يحدث قبل التعامل مع السجل التاريخي بين البلدين، ولترجمة هذا الأمر في السياق الحالي سيتعين علي الجانب التركي الاعتراف بارتكاب جرائم الإبادة في حق الأرمن وهي مصدر توتر العلاقات بين البلدين لكي يبدآن صفحة جديدة في تاريخ علاقاتهما. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا اختارت الحكومة التركية في الوقت الحالي أن تصلح علاقتها مع أرمينيا؟ تجيب الصحفية مورييل ميراك في مقال نشرته علي موقع مركز أبحاث العولمة اليساري الكندي بالقول انه يجب أولا التأكيد علي حدوث العديد من محاولات جس النبض لإعادة العلاقة بين أنقرة ويريفان إلا أن نقطة التحول تمثلت في هجوم جورجيا عام 2008 علي أوسيتيا الجنوبية وسرعة الرد العسكري الروسي، حيث أعادت هذه الحرب القصيرة تعريف العلاقات الإقليمية بجعل جورجيا شريكا مستقرا وحيويا لامتلاكها للنفط، وهنا ظهرت أهمية أرمينيا المجاورة كبديل، ومع التغيرات الجديدة أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مبادرة شجاعة لتحقيق الاستقرار في القوقاز ولوضع منهج عمل يخدم المصالح المشتركة التي تشمل تركيا وروسيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان. وبهذا توضح الحقائق الجيوستراتيجي أهمية التعاون مع أرمينيا لضمان الأمن والاستقرار الإقليمي بالإضافة إلي أن الحدود المشتركة بين كل من تركيا وجورجيا وتركيا وأرمينيا تدفع أنقرة لانتهاج نبرة تصالحية خصوصا وأن أي احتمال لتجدد القتال بين الجانبين سيجر عواقبه عليها. لكن يظل علي أنقرة أن تحاول حل معضلة المذابح ضد الأرمن والتي يجرم قانونها التصريح بحدوث ذلك إذا أرادت التخلص من تراث قرن من العداء وعدم الثقة مع يريفان والدخول لعالم الخطاب السياسي الجديد الذي تسعي إليه.