تعليقا علي معروضات شهر رمضان من البرامج والحوارات والمسابقات وأطباق الظرف وخفة الدم البارد وما تبع هذا من مشاكل أقلها هو عسر الهضم العقلي لكل ما هو علي الشاشة والرفض الصريح لمحتويات معظم هذه البرامج، ولقد سبقني أهل الذكر من الكتاب في هذا الصدد وفي عرضهم لما حدث وجدت ما يلي: أولا تكرار ما يسمي بضيوف البرنامج وكلهم من المشاهير وأنصاف المشاهير وفي مجالات بعينها منها لاعبو الكرة وأعضاء الفرق التمثيلية التليفزيونية ومثيرو الشغب والفتن والمشاكل علي الشاشة طوال العام وبعض الكتاب من قبيلة من المهمين، ولقد كان الصديق عمرو الشوبكي موفقا في تقديم الإحصائية الخاصة بهذا الموضوع في مقال له، وكان الكاتب حلمي النمنم أيضًا صريحا في عرضه لهذا الموضوع، لم يختلف أحد علي ضرورة تغيير جلد تلك البرامج الحوارية بتغيير هؤلاء الضيوف المرابطين علي باب كل المحطات وهم تقريبا ينفحون طاقم الإعداد حتي يجلسوا علي كل الموائد ويصدر عنهم أي كلام مع السلطات والطحينة والتوابل مما يرفضه أصحاب العقول السليمة والنفوس المطمئنة للبعد عن الإثارة والنميمة واللغو الفارغ وبالمرة يستحسن تغيير هؤلاء المحاورين الذين لا هم لهم سوي توزيع قدرتهم علي خفة الدم أو حب الاستعراض بالجهل علي جمهور المشاهدين. كل سنة أقول ويقولون جميعا كفانا من العبط والهبل ما أنتم فيه ولا داعي لتسويقه بين الناس في زحمة رمضان، يا ناس اخشوا قليلا وإن كنتم في حاجة لنقل الدم نكتتب لكم ونجمع التبرعات من أصحاب الدم الخفيف المقبول فقط أوقفوا هذا الهراء (أي الكلام الفارغ) وأريحونا من تلك الوجوه العكرة العسرة المتكررة المستهلكة التي لا تمثل الشعب المصري تمثيلا صادقا مشرفا، ليست كل بنات وسيدات مصر يلجأن لعمليات التجميل والشد والشفط والنفخ وغير ذلك، وليس كل شبان مصر ممثلين ومطربين وليس كلهم لاعبي كرة قدم كما أن رجال مصر ليسوا جميعا أعضاء في الأحزاب أو في غيرها ولا هم وزراء وليس أبناء مصر جميعا من خريجي الجامعات الخاصة أو أعضاء النوادي ذات العضوية المحدودة بل هناك كثير من الناس خارج الإطار بل خارج حدود الزمان والمكان، لو كنت معارضا فلا توجد أماكن خالية في أي برنامج ولو كنت بضاعة فكرية غير مضمونة قابلني في الصحراء الغربية ساعة العصاري، ولو كنت صاحب فكرة أو رأي لم تعرفه أجهزة الاختبار الأمنية يمكنك الانتظار في قاعة كبار الزوار بالخانكة، ولو كنت سيدة عادية فاضلة فبين الأطلال اذكريني؟!، هل من المعقول إنتاج هذا الكم من البرامج والمسلسلات كي يتم عرضها في شهر واحد ومضحك هو تلك الندوات التي تعقدها النوادي والقنوات تشرح كيف يتم تنفيذ العمل ومدي المعاناة في تصوير الحلقات وعن العلاقة الأخوية بين الفريق وعن كيفية الإسراع في عمل المونتاج خلال الساعات الأخيرة في رمضان. من البرامج السمجة أيضًا ما قدمته فتاة ذات ملامح أفريقية أمريكية ولكنها تسللت للتسجيل بالهوية اللبنانية الإيطالية والحقيقة أنها لا تملك لا الصوت ولا الصورة ولا اللغة ولا الأسلوب بل وحتي الحوار الذي يقبله ثلاثة أرباع أهل مصر وكانت وكأنها تبيع المياه في حارة مصرية كلها حنفيات عامة وليست مياها معدنية!، إنها عقدة المستورد حتي لو كانت لعبة أطفال، كيف يتأتي لنا أن نسمح بدخول تلك الفتاة إلي بيوتنا كي تدير حوارا أعدته لها بعض الأقلام العبيطة في محيط البرامج ويبيعون علي مددها إعلانات البلاهة والسماجة التي تشبه تماما بائعي الحلوي في ترام روض الفرج قديما؟!، عيب أن يفرض علينا الإعلان كل هذه البلايا والكل يرفضها وللعلم فالجميع يستعملون الريموت لمحو كل الإعلانات بل وتغيير القنوات وإزاحة الطلعة البهية لكل محاور من المحاورين ثقلاء الدم والوزن والظل أيضًا. من البرامج التي ضاعت نتيجة الغباء التليفزيوني ما تم عمله للفنان العالمي المصري السكندري عمر الشريف، فلقد كان عمر الشريف هو صاحب التاريخ الشخصي والفني المحلي والعالمي ضحية الإعلانات والتصوير الساذج والإخراج المموج والحوار الركيك مع تلك المحاورة الخنفاء مع دعوة بعض من معارفه وأصدقائه وزملاء المهنة بشكل عابر وكان الرجل في منتهي الصبر علي هذا العبط تماما مثل الجمل القابع بجواره في كادر التصوير والخيمة الركيكة مثل تلك التي كانت في فيلم دنانير وفيلم عنترة وأفلام الراحل الكحلاوي!، عمر الشريف كان وما زال يستحق تسجيل قصة حياته بشكل ضخم فخم علي يد مخرج من العيار الثقيل وفي صياغة كاتب له باع في كتابة السيرة الذاتية، في برامج الحوار نجح كل من معتز الدمرداش وعمرو الليثي ولم ينجح كل من محمود سعد وعمرو أديب، الأول انحرف نحو الفوازير فتحول هو شخصيا إلي فزورة طفولية باهتة والآخر ما زال يتلاعب بشفتيه وحاجبيه بشكل غير مدروس ويستجدي من تابعه في البرنامج نظرة إعجاب وتقدير لهذا التخلف المزمن الذي يعيش به. هذا العام زاد عدد الممثلين الشبان والوجوه الجديدة وانضم عدد من الذين يطلق عليهم المغفلون وصف الدعاة وهم في الواقع ممثلون من الدرجة الثالثة، أحدهم اشترك في مشهد أخير لمسلسل تجارة المخدرات وبالطبع خضع لتعليمات المخرج ومساعديه وجلس تحت يدي الماكيير حتي يصلح من شكله والتزم بما يمليه عليه طاقم العمل؟ أما الآخر فلقد تصرف علي طريقة الراحل حسين صدقي وهو لمن لا يعرف كان يكتب القصة والحوار ثم يقوم بالبطولة المطلقة للعمل ويقف ساعات يخطب في كل مشهد حتي ينام الجمهور أو يغادروا القاعة، ولقد سبقتني السيدة الفاضلة سعاد صالح، أستاذ الدعوة، بإطلاق وصف الممثلين علي هؤلاء الذين يقفزون بين القنوات مع تغيير الحوار والملابس والمجاميع كي يقال إنهم الدعاة الجدد ولكنهم سوف ينضمون للسيرك القومي بعد التجديدات لأن الدين الصحيح ليس في حاجة إلي التمثيل ولكنه في حاجة إلي شيء آخر.