بداية نشير إلي أن هذا المقال يأتي في سياق هذا الموقف المخزي والمفضوح من قبل الغرب الاستعماري الاستعلائي العنصري، الذي وقف في مواجهة وضد المرشح المصري العربي المسلم، فاروق حسني في تلك الانتخابات التي جرت مؤخرًا لاختيار المدير العام الجديد لمنظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). حيث كشف ما جري في هذه الانتخابات عن ألاعيب ومهازل ومؤامرات تؤكد أن الغرب - أوروبيا كان أم أمريكيا - سيظل دوما هو الغرب، لم ولن يتغير، وأن كل ما يرفعه من شعارات الديمقراطية والحرية، والتسامح، ومساعدة الشعوب علي التحرر مما تعانيه من تسلطية، إنما هي شعارات مزيفة للوعي، وتحتها يمارس أبشع أنواع التخريب والتدمير، واختراقها ثقافيا، والعمل علي إضعافها، وتجريدها من كل عناصر القوة، يحدث هذا ظاهرا أو باطنا، وعن عقيدة مترسخة في الوجدان الغربي، عقيدة الاستغلال والاستعلاء، والنظرة الدونية للشعوب العربية والإسلامية، بصفة خاصة، ولشعوب العالم الثالث بصفة عامة، بل واعتبار هذه الشعوب أنها من جنس متخلف، يختلف عن جنس الغرب المتحضر، وأن ثقافة هذه الشعوب تشكل خطرا علي الغرب، بل واعتبار الإسلام الخطر الأخضر، بعد أن زال الخطر الأحمر المتمثل في الشيوعية، بعد زوال الاتحاد السوفيتي، أو تفكك دوله. في حين - وكما تؤكد كل الحقائق التاريخية والمعاصرة أنه يعمل ويخطط للنهب والسلب والسيطرة والهيمنة، والقضاء علي كل شيء يحفظ لهذه الشعوب ثوابتها، ونهضتها وتقدمها. وما حدث مع فاروق حسني والوقوف ضده في الانتخابات لاختياره كمدير عام للمنظمة الدولية اليونسكو، إنما هي حلقة من مسلسل التآمر، ليس ضد فاروق حسني بشخصه، وإنما ضد مصر الحاضن الطبيعي لكل القضايا العربية، وضد شعب مصر الرافض للتطبيع مع الصهاينة، وضد الأمتين العربية والإسلامية، وضد شعوب العالم الثالث، وكل دول الجنوب من منطلق استعلائي عنصري. وهنا نسجل بعض الملاحظات علي ما جري قبل وأثناء الانتخابات لنكشف بهذا مدي التآمر والتلاعب والحيل الكاشفة للوجه العنصري القبيح للغرب من هذه الملاحظات: 1 - تلك التحركات المشبوهة التي قام بها سفراء قوي الهيمنة والاستكبار وفي القلب منها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وسفيرها في اليونسكو ديفيد كيليون أمريكي الجنسية، يهودي القلب والهوي، والذي تم تعيينه خصيصًا للوقوف في وجه فاروق حسني. 2 - ذلك الإعلام الصهيوني المدعوم أوروبيا وأمريكيا إلي جانب الإعلام الغربي الذي حاول جاهدا الهجوم علي شخص فاروق حسني، واتهامه بمعاداة السامية، هذا الاتهام الأضحوكة والذي يخفي كراهية الغرب لليهود وللسامية، ولم لا؟ وتم طرد اليهود من دول الغرب وإسكانهم فلسطين العربية، ليستريح منهم الغرب، وليشكلوا أداة تخريب وتدمير في المنطقة العربية، واستمرارية معاركهم مع هذا اللقيط الصهيوني والانشغال عن بناء مجتمعاتهم والنهوض بها. 3 - قيام الدول الكبري، وفي القلب منها أمريكا بالضغط علي المرشحين للانسحاب في أعقاب الجولة الثالثة من الانتخابات، بعد المفاجأة المذهلة التي لم تكن في حسبان الغرب والصهاينة بحصول المرشح المصري العربي فاروق حسني علي 22 صوتًا في الجولة الأولي، 23 صوتًا في الجولة الثانية، 25 صوتًا في الجولة الثالثة، بينما لم يحصل باقي المرشحين المدعومين من الغرب، بل والمحسوبين عليه كالنمساوية التي حصلت بالترتيب: 7، 9، 11 صوتا أما البلغارية ممثلة الاتحاد الأوروبي فقد حصلت وبالترتيب علي 7، 8، 13 صوتا، فيما في الجولة الأخيرة والحاسمة يحصل فاروق حسني علي 27 صوتًا والبلغارية ايرينا لوكوفا علي 31 صوتا، ولهذه الأرقام دلالتها في كشف المؤامرة من ناحية، ومكانة المرشح المصري العربي المسلم فاروق حسني من ناحية أخري: وتتلخص هذه الدلالات في الآتي: - إنه لم يكن في حساب الغرب والصهاينة تفوق فاروق حسني وبهذه الأصوات، خاصة في الجولة الأولي. - إن البلغارية لوكوفا لم تحصل من الأصوات في الجولات الأولي ما يدفع إلي ضمان فوزها بالمنصب. - إنه ولضمان استبعاد فاروق حسني تم الضغط علي باقي المرشحين لدعم المرشحة البلغارية. - إنه وبحساب عدد أصوات المجموعات في المجلس التنفيذي لانتخاب المدير العام لليونسكو يتبين لنا أنه تم سحب صوتين لصالح البلغارية، حيث تساوي فاروق حسني معها، ولكل منهما 29 صوتا، فإذا بالنتيجة في الجولة الخامسة هي 27 صوتا، 31 صوتا للبلغارية مما يؤكد أن هناك ضغوطا قد مورست علي بعض الدول للتصويت لصالح البلغارية، كما يمكن أن يقال أن هناك رشاوي دفعت للمندوبين خلال التصويت السري، فصوتوا ضد فاروق حسني بما يخالف الموقف الرسمي لدولهم. وأن هؤلاء المندوبين هم من دول أفريقيا. 4 - إن دول الغرب الاستعماري العنصري الاستعلائي، لا ترغب في أن يكون مندوب اليونسكو أو أي منظمة دولية أخري من العرب أو من المسلمين، ولا تختلف هذه الدول في هذا التوجه، فإذا كان معروفا الموقف المعادي للولايات المتحدة من العرب والمسلمين، فإن فرنسا - الصديقة - كان موقفها غامضا في الظاهر واضحا في الباطن وهو الوقوف ضد المرشح العربي المسلم، وكانت من أوائل من رحبوا بفوز البلغارية لوكوفا، أما ألمانيا فهي الأشد عنصرية، وقام إعلامها بدور مفضوح ضد المرشح العربي. أما دول حوض المتوسط أو باقي هذه الدول فيصعب تحديد موقفهم. 5 - ونأتي للصهاينة وبعيدًا عن أقاويل وتحليلات المطبعين فكان لهم دورهم البارز، لكن نتفق مع الرأي القائل بعدم التهويل في هذا الدور، خاصة دور إسرائيل فهي أقل تأثيرًا من أن نعطيها أكثر من حجمها، وإنما يضاف دورها إلي جانب الأدوار الأخري الأقل أهمية. فالقضية كلها هناك في الغرب وأمريكا، وما يقوم به من أساليب الترهيب والترغيب التهديد والوعيد في مواجهة العرب والمسلمين، بل وكل دول الجنوب، وهنا قد يقال من جانب بعض الشامتين في الداخل المصري، إن شخص فاروق حسني هو السبب، وليس الموقف من دول الجنوب، بدليل أن السنغالي أحمد المختار إمبو كان رئيسًا لليونسكو في ثمانينيات القرن الماضي، ونقول لهؤلاء إن هذا المفكر السنغالي واجه خلال توليه المقاومة العنيفة من أمريكا عندما لاحظت أنه خارج سيطرتها، ويعمل لصالح شعوب العالم الثالث، الأمر الذي دفعها للانسحاب من اليونسكو والامتناع عن دفع ما كان يجب أن تدفعه من تمويل، إلي أن استطاعت إسقاطه في انتخابات 1987 لصالح المرشح الأوروبي. علي أي حال، فإنه يطول الشرح والطرح لبيان أبعاد التآمر الغربي ضد المرشح المصري العربي المصري، وتلك الألاعيب والحيل الانتخابية التي أفقدت منظمة التربية والثقافة والعلوم، التسامح، ودعم حوار الحضارات والثقافات نقول أفقدتها كل هذه القيم النبيلة، لتتحول إلي لعبة سياسية في أيدي قوي الهيمنة والاستكبار، وإثبات أن شعاراته عن الحرية والديمقراطية والتسامح، وحوار الثقافات مجرد شعارات لتزييف الوعي، ولمزيد من السلب والنهب، لدول العالم المنكوب، والمسماة بدول الجنوب، مما يفرض علينا إعادة قراءة التعامل مع هذا الغرب، واستخلاص الدروس والعبر مما حدث في انتخابات اليونسكو.