في الرابع والعشرين من سبتمبر سنة 1997، وعن عمر يناهز الخامسة والسبعين، رحل المطرب والملحن اللبناني الكبير محمد سلمان، الفنان الذي اكتسب الشهرة وذيوع الصيت خلال سنوات إقامته وعمله في القاهرة، عاصمة العرب والشرق ثقافيا وفنيا. ظهر محمد سلمان في عشرات الأفلام المصرية التي تم إنتاجها في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، ولا شك أن وجهه مألوف لدي الملايين ممن يتابعون هذه الأفلام عند عرضها تليفزيونيا، لكنهم قد يجهلون اسمه! كان محمد سلمان من أصحاب الأصوات العريضة القوية، وهو ما أعانه في تقديم الأغنيات والاستعراضات الوطنية التي تحتاج حماسا وعنفوانا، والأنموذج الأهم لذلك النمط نجده في الأغنية الشهيرة التي قدمها عند وقوع العدوان الثلاثي علي مصر، ولم تكن الإذاعة تتوقف عن بثها: لبيك يا علم العروبة، عمل غنائي زاعق يثير الحماس بلا حدود، وتحفل كلماته بأفكار بالغة القسوة والعنف، وفي ذلك القول بأننا سنبني من جماجمهم لعزك سلما! بعد أكثر من نصف قرن، يمكن القول إنها صورة دموية وحشية تخلو من الحس الإنساني والعاطفة المتحضرة، لكن ترديد نقد كهذا أيامها كان يعني الخيانة وعداء القومية العربية! قرب نهاية الخمسينيات، عاد محمد سلمان إلي لبنان ليستقر هناك حتي نهاية العمر، نشيطا في عمله الإذاعي، مؤسسًا للسينما اللبنانية، ثم تزوج من تلميذته رائعة الصوت نجاح سلام، ليشكلا ثنائيًا فنيًا وإنسانيًا ناجحًا، كان من أبرز علاماته إنتاج أول فيلم سينمائي في تاريخ لبنان: اللحن الأول. ليست المسألة هنا في الثناء علي محمد سلمان والإشادة بعطائه الفني غير المنكور، لكنها في ضرورة التأكيد علي أن البوابة المصرية هي المعبر الحقيقي لاكتساب النجاح والشهرة في عموم العالم العربي، ذلك أن الفنان الذي لا ينال شهادة ميلاده من مصر، باستثناءات نادرة، لن يُقدر له أن يولد أبدًا!