الأمر في غاية الخطورة والأهمية يتطلب استنفار وادراك المواطنين لأهمية الإجراءات التي تتخذها الدولة لمواجهة انتشار الفيروس المسبب لأنفلونزا الخنازير في مصر علي نطاق واسع مع دخول العام الدراسي وموسم الحج هذا العام. ليس في وسع أحد أن يجذب انتباه الجمهور إلي المخاطر إلا بتوفير المعلومات الصحيحة ونشرها علي نطاق واسع وعلي نحو يستطيع المواطن معه الربط بين المخاطر من تفشي الوباء وبين الإجراءات التي تتخذها الدولة لمكافحة الفيروس والتقليل من آثاره. في هذا السياق لا يسعنا إلا أن نقدر الجهود التي يقوم بها الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة بتوجيه أجهزة وزارته إلي التعامل مع الموضوع بفكر متميز يستهدف التعريف بالمخاطر دون إثارة الفزع لدي المواطنين والتزام الشفافية في شرح الإمكانيات الحقيقية لدي الدولة لمكافحة انتشار الفيروس بشكل وبائي عبر البلاد. لكننا نود توجيه الأنظار إلي أن المعلومات والتوصيات المتوافرة من المصادر العلمية الدولية تؤكد أن الموضوع أكثر خطورة مما يتصوره معظم الناس الذين ينظرون إلي جوانب الموضوع من زواياهم الخاصة ويفكرون بشكل أساسي فيما قد يكسبونه أو يخسرونه من الإجراءات. تشير التوصيات التي صدرت عن منظمة الصحة العالمية إلي أن الإجراءات التي اتخذتها مصر تواكب المعلومات والتوصيات الدولية وتتفق مع الاتجاهات العالمية لمقاومة الانتشار الوبائي للفيروس. فقد أوصت منظمة الصحة العالمية بإغلاق المدارس عند بدء تفشي أنفلونزا الخنازير علي نطاق واسع لأن ذلك الإجراء يحول دون الانتشار السريع للفيروس إلي حد كبير كما أنه يمنح الوقت لتوفير مخزونات من الدواء تكفي لعلاج المصابين. قالت المنظمة الدولية إن الفائدة تتحقق عندما تغلق المدارس بشكل مبكر لدي ظهور المرض قبل إصابة واحد في المائة من الأفراد به وأضافت في ظل ظروف مثالية يمكن أن يؤدي إغلاق المدارس إلي الحد من الطلب علي الرعاية الصحية بنسبة تقدر بين 30 و50 في المائة عند بلوغ الوباء ذروته. وأضافت لكن إذا أغلقت المدارس بشكل متأخر جدا أثناء تفشي المرض علي نطاق التجمع السكاني فإن الحد من انتقال العدوي سيكون محدودا علي الأرجح. من المهم علي نحو خاص خفض عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلي الرعاية الطبية عند مكافحة الأنفلونزا نظرا لأن المستشفيات ومنشآت الرعاية الصحية قد تستقبل أعدادا غفيرة من المرضي ولعل هذه النقطة هي التي تضعها السلطات في الاعتبار عند وضع قيود علي سفر تجمعات كبيرة من مواطنيها إلي مناطق تتزايد فيها احتمالات الإصابة بالعدوي مثل تجمعات الحج والعمرة لأن المهم في تلك الحالات هو مدي توافر إمكانيات محلية للحجر الصحي للتأكد من خلو القادمين من الفيروس، تكاليف الحجر الإجباري - أيضا - تعتبر مشكلة إضافية بما تمثله من عبء علي القادمين من الخارج في حال استخدام منشآت صحية خاصة كمراكز للحجر الصحي. جنبا إلي جنب مع مسألة توفير أماكن للحجر الصحي والعبء المالي الذي لا يمكن أن تتحمل تكاليفه الموازنة العامة في ظل عجز دائم للموازنة وبالتالي سينتقل هذا العبء إلي الأفراد فإن مسئولية الدولة توفير الدواء للمصابين بالفيروس والمصل الواقي اللازم للمخالطين وهي الأخري مسألة تتعلق بالإمكانيات المادية من حيث التكاليف وأماكن العلاج. إذا توافر الدواء بثمنه وتوافرت أماكن للعلاج بالمستشفيات الخاصة باهظة الثمن للقادرين من المصابين فإلي أين يذهب المصابون من غير القادرين علي تحمل تكاليف العلاج الخاص؟ لمواجهة تلك الحالة يتعين علي السلطات المختصة أن تتعامل مع الموقف في ظل الإمكانيات المتوافرة وهذا بالضبط السبب في اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية التي تحد من انتشار المرض وتحاول تقليل الإصابات المحتملة لتدخل في حدود الإمكانيات المتاحة حتي لا يتعرض الناس لمخاطر الوفاة بسبب تأخر التشخيص مما يؤدي إلي تمكن الفيروس من المصاب. المعروف أن فيروس أنفلونزا الخنازير يصيب الجهاز التنفسي للإنسان ويتجه مباشرة إلي الرئتين ليسبب الالتهاب الرئوي الحاد وهو ما يمكن علاج معظم حالاته في حالة التشخيص السريع وتلقي العلاج المعتاد للالتهاب الرئوي أما إذا تأخر التشخيص لأيام فإن ذلك قد يضع المريض في حالة حرجة للغاية ويحتاج حينئذ إلي البقاء في أقسام العناية المركزة تحت التنفس الصناعي مما قد يكلفه حياته في النهاية إضافة إلي التكاليف المالية الباهظة. طبقا لأحدث معلومات أصدرتها منظمة الصحة العالمية قتل الفيروس 3205 أشخاص علي الأقل في أنحاء العالم منذ ظهوره في أبريل الماضي في أمريكا الشمالية والعدد في تزايد بحيث أصبح فيروس الأنفلونزا الآن هو الفيروس السائد رسميا في نصف الكرة الأرضية الجنوبي. كنتيجة للفيروس تعاني بوليفيا والاكوادور وفنزويلا ودول أخري في أمريكا الجنوبية من ارتفاع مستويات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الحرجة كما تتزايد حالات الإصابة بالأنفلونزا في الهند وبنجلادش وكمبوديا وشرق أوروبا كما أن الأشخاص المصابين بحالات مثل الربو معرضون لخطر أكبر. يمكن أن يمنح إغلاق المدارس وقتا إضافيا للسلطات لتوفير امدادات من العقاقير المضادة للفيروسات مثل عقار تاميفلو الذي يقلل من احتمالات انتقال الفيروس من الشخص المصاب إلي المخالطين ولكنه - حسب متخصصين - لا يعالج الأعراض الجانبية الخطيرة التي يسببها الفيروس مثل الالتهاب الرئوي الحاد. قالت منظمة الصحة العالمية - أيضا - إن علي الطلاب والمدرسين والموظفين الآخرين أن يمكثوا في المنازل إذا شعروا بالإعياء وينبغي أن تخصص المدارس مكانا لعزل أي شخص يصاب بحالة اعياء وهو هناك. يسبب إغلاق المدارس خسائر اقتصادية غير مباشرة بالنظر إلي أن الكثير من الآباء وأولياء الأمور سيضطرون إلي البقاء في المنازل لرعاية الأطفال أو توفير مرافقين لهم مما يكلف الأسر المزيد من التكاليف. قدرت المنظمة العالمية أن إغلاق المدارس يمكن أن يؤدي - حسب بعض الدراسات - إلي تغيب 16 في المائة من قوة العمل لرعاية الأطفال في البيوت نتيجة لإغلاق المدارس ودور الحضانة بالإضافة إلي نسب التغيب العادية والتغيب بسبب المرض. نسأل الله السلامة لمصر ولكم ولنا