صدر حديثا عن سلسلة عالم المعرفة كتاب بعنوان" التلامس الحضاري الإسلامي- الأوروبي" تأليف الدكتورة إيناس حسني، استعرضت فيه علي مدار اثني عشر فصلا العلاقة ما بين الحضارتين الشرقية والغربية علي مدار العقود والأزمنة. بدأت الدكتورة إيناس حسني التأكيد علي أن لم يرفض الإسلام حضارة الأسلاف بل عمل علي تبني بعض معالمها وتطويع هذه المعالم لمصلحة فلسفته الخاصة ومعاييره الجمالية التي يستوحيها من الدين. ولقد تجلت قدرة الفن الإسلامي علي إضفاء طابعا مميزا مرتبطا بتوجيه فكري ووجداني محدث منذ البداية فالآثار الإسلامية الأولي التي نجدها في بناء قبة الصخرة والمسجد الأموي والقصور دليلا واضحا علي مدي استفادة العرب المسلمين من الحضارة القائمة أو استيعابها خلال فترة وجيزة، لتغدو جزءا من نمط فكري، سرعان ما تبلور عنه فن عظيم، وقد قام الفن الإسلامي نتيجة تلك العلاقة الجدلية ما بين تراث قائم وفكر محدث، واستطاع الفنان المسلم أن يطوع ما وجد لخدمة أهدافه وذلك حين أضفي علي مفردات تلك المنجزات طابعا قدسيا نابعا من فلسفة التوحيد التي آمن بها، فشكل بمعرفة كاملة ووعي مدرك لغة فنية تجسد قيمه التجريدية محاولا إيجاد فن ذا خصوصية، تحكمه شروط عالمه الذاتي وتلك كانت ثورة علي القيم الفنية السائدة التي كانت تخضع لمقاييس الفن اليوناني آنذاك. فمثلا تعد الكعبة نموذج العرب الأول وقبلتهم، وهي أول شكل مجرد قامت عليه العبادة التي تتجلي طقوسها في حركة الطواف الدائرية، وهذا ما دعا الفنان العربي المسلم إلي بلورة فلسفته في الزمان والمكان، ويتخذها أساسا لتحديد مساره الفني، من خلال الجمع بين الحركة والسكون الدائرة والمربع. وتعد قبة الصخرة في المسجد الأقصي أول تجربة تحاول إيجاد معادلة فكرية فلسفية جمالية، فالشكل المثمن الذي يشكل قاعدة القبة قائم علي التراكب ما بين الدائرة والمربع، أي الحركة والسكون والزمن والمكان، أما من الخارج فإن الفضاء السماوي للقبه يتداخل مع التضليع الأرضي للمثمن، والمثمن شكل متوارث في حضارة هذه المنطقة يتكرر حضوره في حضارة وادي الرافدين والحضارة البيزنطية، وله دلالات علمية وميتافيزيقية وقد قيض هذا الشكل المثمن أن يؤدي دورا فعالا في الفن الإسلامي وليس في المجال المعماري فقط، بل في الزخرفة الإسلامية عموما. مرت الزخرفة الإسلامية بأربع مراحل: الأولي من القرن السابع وحتي التاسع الميلادي وهي المرحلة التي تأثرت فيها الزخارف بالفنون المحلية تأثرا كبيرا والمرحلة الثانية من القرن التاسع إلي القرن الثالث عشر الميلادي وفيها كان الفن الإسلامي قد كون لنفسه شخصية مميزة مع بقاء بعض التأثيرات المحلية والمرحلة الثالثة من القرن الثالث عشر إلي القرن السادس عشر الميلادي وهي المرحلة التي تتم فيها تناول العناصر والأساليب الزخرفية علي مدي واسع إثر الغزو المغولي وتوالي الهجرات بين البلدان الإسلامية كما ظهرت بعض التأثيرات المغولية والصينية . والمرحلة الرابعة من القرن السادس عشر وحتي القرن التاسع عشر الميلادي وقد استمرت فترة الازدهار في بداية هذه المرحلة وزادت العناصر القريبة من الطبيعة ثم بدأ التدهور نتيجة ضعف الحكام واستبداد الترك وظهور النفوذ الأجنبي.