أحمد إبراهيم الفقيه واحد من أبرز الروائيين علي الساحة الليبية، كاتب غزير الإنتاج، أصدر أكثر من 17 رواية، منها: "نفق تضيئه امرأة واحدة" و"سأهبك مدينة أخري" و"حقول الرماد" و"خرائط الروح" التي تعد أطول رواية عربية حتي الآن، كما كتب 12 مجموعة قصصية منها: "البحر لا ماء فيه" و"أحزمة المقاعد" و"اختفت النجوم فأين أنت" و"مرايا فينسيا" و"اربطوا الأحزمة"، صدر له حديثا مجموعة قصصية بعنوان "في هجاء البشر ومديح الحشرات والبهائم"، حولها وعن أعماله الأخري تحدث إلي "روزاليوسف" في هذا الحوار: ماذا أردت أن تقول في مجموعتك الأخيرة "في هجاء البشر ومديح البهائم والحشرات"؟ لقد اعتمدت علي عنصر المفارقة في كتابة المجموعة، وانتصرت للحيوانات علي البشر، لا سيما عند سقوط البشر، حينما يفقدون شرف الانتماء الإنساني، ويصبحون أكثر خسة ودناءة من الحيوان نفسه، الذي يتصرف وفق غريزته التي جبله الله عليها، عكس الإنسان الذي هبط من المكان العالي إلي أسفل سافلين، كما صوره القرآن الكريم، فاستحق لعنة الله وعقابه بفضل حماقاته التي يرتكبها في الكون، وتخلي عن تكريم الله له. وقد حرصت علي تتبع الروح الإنسانية في كل منحنياتها وانتصاراتها وانكساراتها، ومن خلال هذه المتابعة رسمت خريطة للروح الإنسانية التي لا ثبات لها، فلا يوجد أبيض أو أسود علي طول الخط، فهذا يستحق المجد وهذا يستحق اللعنة، وهناك نفس واحدة يسكن بها الملاك والشيطان معا، وهناك درجات كونية بعدد ألوان الطيف. أنت صاحب أطول رواية عربية "خرائط الروح" فهل للروح خرائط؟ نعم فالنفس الإنسانية مليئة بالأسرار التي لم يكشف عنها بعد وستظل لغزا إلي أبد الدهر، وكل ما ينجزه الإنسان من تقدم هو محاولة للتعرف علي خبايا هذه النفس وسبر أغوارها، وكما توصل الإنسان مؤخرا إلي ما يعرف بالخريطة الجينية للبشر، لماذا لا يكون للروح خرائط؟ ألم تخش إصابتها القارئ بالملل لطولها المفرط؟ لا.. خاصة أنه يوجد لدينا جمهور يتابع مسلسلات مكسيكية وتركية وأمريكية قد تصل إلي 200 حلقة، ومع ذلك لا يصابون بالملل، ويصبرون علي مشاهدتها فهل تستكثر أن اكتب رواية تساوي عشر حلقات، وإذا كان هناك انصراف من الجمهور، فهذا أكبر دلالة علي وجود خلل في البنية الثقافية للمجتمع العربي، ومن أبرز أسباب هذا الخلل انتشار الأمية وسيطرة ثقافة التفاهة. ما رأيك في القول بأن اللجوء إلي التاريخ في الرواية نوع من أنواع الاستسهال في البحث عن مادة، خاصة أنك استلهمت التاريخ في "خرائط الروح"؟ لا أجد حرجا في العودة للتاريخ، بالعكس أري أن هناك رسالة وخدمة وطنية في إلقاء شيء من الضوء علي بعض التحولات التاريخية، والمراحل الهامة في التاريخ مثل الحركات النضالية ومعاناة الشعوب، وهذا جزء ضروري من تغذية الوجدان الوطني والقومي، ولا ضرر من كتابة الرواية التاريخية وهي موجودة لدي كبار الكتاب العالميين مثل "الحرب والسلام" لتولستوي و"النهر الهادي" لتيشكوف. وخرائط الروح ليست رواية تاريخية وإن اتكأت علي التاريخ في بعض أحداثها ولكنها رواية علاقات إنسانية واجتماعية يعبر عن مضمونها وفحواها عنوان الرواية وهو خرائط الروح وسلطت الضوء علي العوالم الداخلية للإنسان وانفعالاته وأحاسيسه ومشاعره ووجدانه. برأيك هل هناك حدود علي الروائي ألا يتجاوزها عند استلهامه للتاريخ؟ عندما تلامس الرواية التاريخ لا يحق للأديب تزوير التاريخ، وإنكار أحداث وقعت، فمثلا عندما نفي الزعيم سعد زغلول إلي جزيرة سيشل لا يحق للروائي أن يقول إنه نفي إلي جزيرة "هاواي" مثلا، وإنما من حقه أن يضيف شخصيات ثانوية مثل الطباخ والبوسطجي والصحف التي كان يقرؤها وهكذا. ماذا عن روايتك "حقول الرماد"؟ هذه الرواية تسجل فترة من فترات المخاض الثوري في ليبيا وبطلتها امرأة جميلة والتي تتعرض لكافة أنواع العذاب بسبب جمالها الصارخ في هذه الواحة البائسة ذات الطبيعة الغبراء فقد يكون الجمال نقمة علي صاحبه. ما نصيب السياسة في أعمالك؟ أنا لا أتناول أطروحات سياسية في أعمالي مثلما يكتب صنع الله إبراهيم وعبدالرحمن منيف مثلا، وإذا كان هناك تماس مع السياسة، فهو تماس يأتي عرضا، مثلما حدث في "حقول الرماد" التي تناولت فيها موضوع القواعد الأمريكية في ليبيا وما أثير حولها من نقمة شعبية وجدل كبير في الأوساط الليبية، استنكارا لهذه القواعد، ولكن ما يهمني هو البعد الإنساني وجماليات الأدب والفن. ما رأيك في المغامرة الأدبية؟ نعم.. فالكاتب الجيد ينبغي أن يكون مسكونا بهاجس تحطيم القوالب القديمة التي عفي عليها الزمن، ولكن عليه أن يكون علي دراية بهذه القواعد، مثله مثل المغامر في الغابة، إن لم يعرف دروبها ومسالكها سيهلك وربما يفترسه أحد الوحوش. ما سبب قلة الأسماء الليبية علي الساحة الإبداعية العربية؟ يسأل عن ذلك الأجهزة الثقافية الليبية، والتي بلا شك مقصرة في ذلك، خاصة الأجهزة الإعلامية. كيف تصنف ليبيا هل تنتمي إلي الجناح المشرقي أم المغاربي؟ تعتبر ليبيا جسرا بين الثقافة الشرقية والمغربية، وقامت بدور كبير في الحفاظ علي الثقافة المغاربية عندما تعرضت لهجمة شرسة من الاستعمار الفرانكفوني كادت تفقدها هويتها وثقافتها العربية، وكانت ليبيا قادرة علي أن تكون حلقة الوصل بين الثقافة العربية في المشرق والثقافة المغاربية في تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.