أهل أم الدنيا يا مصر يعيشون فيما يشبه حالة من التوهان المستمر الذي يصاحبه زغللة في الرؤية العامة وتهتهة في الكلام المفيد وصعوبة في الحركة الفاعلة والرغبة في النعاس الدائم حتي لا يقوم أحد بعمل أي شيء يفيد هذا المجتمع الذي نعيش فيه وهذا الوطن الذي يعيش فينا ؟! ، هذه الحالة ليست فريدة من نوعها ولا هي بالجديدة علينا ولكن يعود تشخيصها لعدة أسباب عندما تتوافر وتتضافر يحدث ما يحدث مما نحن فيه ونشكو منه بل ونرغب في التخلص منه ، من تلك الأعراض الجنوح للسلبية في تناول مفردات حياتنا وكذلك البعد عن أداء العمل الرسمي بشكل رسمي ولكن يتم العمل طبقا لقاعدة " أحب وأكره " وهنا تتزايد كل دوافع الحب والكره في اتباع التعليمات وتطبيق التوجيهات مما يؤثر علي الأداء المفروض أن يكون ؟! وعندها تتضارب المصالح نتيجة لتضارب القرارات ويقع الجميع في دائرة من الخلاف والتشكك ثم تتغير الظروف والملابسات فتتغير القرارات وتختلف المصالح ، يحدث هذا في تخصيص الأراضي وفي بيع ما كان يعرف بالقطاع العام ، وفي تأجير ما يمكن تأجيره أو ترخيص ما يجب ترخيصه ، بالطبع علي رأس تلك الأعراض حديث الصباح والمساء وكل الأوقات ألا وهو الحديث عن الفساد ومدي ما وصل إليه ذلك الفساد وطبقا لتصريح شهير أنه وصل لحد الركب (في المحليات) وبالقطع وصل لحد الأنوف في أماكن أخري وربما يصل إلي حد الغرق كما يقال عن الدلتا وارتفاع البحر ؟! ، ولم يتخذ أحد أي إجراء لوقف الفساد أو وقف علو مستواه كما يفعل البحر في الشاطئ ، هل ياتري يمكن إنقاذ مارينا قبل أن تغرق البرلس ورأس البر ؟! ، هل يمكن تفادي وقوع الكارثة للنخبة وترك العامة للبحر مثل العبارة السلام ؟! . يتم هذا الفساد الكبير دون إعلان بل يحدث من تلقاء نفسه وفي هدوء شديد لأنه قد انقلب الهدف من الإعلان إلي ضده فأدي إلي حالة الإفلاس وفقدان الرغبة في الشراء لضيق ذات اليد لدي المواطن العادي وطالت الإعلانات كل شيء حتي الضرائب والمياه والكهرباء والنقل، من الظريف أن تشاهد إعلانا يحث علي ترشيد الاستهلاك في المياه وفي الكهرباء ولكن مباني الحكومة لا تشاهد التليفزيون ولا دياولو ؟! ، بل يشاهده جميع الغلابة وبواقي الطبقة المتوسطة فقط لأن الطبقة العليوي تعيش في أودية أخري بعيدة وقد تكون في الساحل الشمالي الغربي الذي يلتقطون فيه جميع الإرسالات الأوروبية أو يقضون أوقاتهم في منتجعات البحر الأحمر يستمتعون بالبث المباشر من أفواج السائحين والسائحات ، كذلك الإعلانات عن السكك الحديدية والقطارات الجديدة والمتجددة رغم وجود أهرامات القمامة بداخل المحطات الرئيسية والفرعية وعلي طول الطريق وبداخل العربات وخاصة دورات المياه - إن وجدت - وعن جميع القطارات المتميزة في ذهن المسئولين وغير اللائقة في نظر المعارضين ؟! ، بل طالت الإعلانات المدارس الخاصة والمستوردة التي تعمل طبقا لقواعد ليست من صنع مصر ، وهي مستوردة من كل أنحاء العالم وصارت مثل محلات الطعام الأجنبية كلها ضمن الأغذية الخفيفة والسريعة ذات المذاق الأجنبي كي ترضي نزعة كراهية كل ماهو وطني مصري، التعليم ليس طعاما وشرابا ولا هو مسكن أو ملبس ولكنه روح الأمة من عهد الأسرة الأولي حتي الجمهورية الحالية !! . حتي الترفيه انقلب إلي ضده وبقيت حالة الاكتئاب التي تعلو وجوه جميع راكبي المواصلات العامة والسائرين في الأسواق والطرقات بل والجالسين علي مكاتب الحكومة الذكية والواقفين في طوابير العيش والمعاش وحتي في طرقات القطارات والباصات وحتي المراحيض العامة ؟! ، لذلك هناك عشرات من البرامج الضاحكة والمضحكة التي تتميز بالبله الشديد والاستخفاف والاستظراف تحتاج من المشاهدين إلي تعاطي حبوب الزغزغة، تحاول فك الارتباط بين حالة الضيق وبين استمرار الحياة ، تم استدعاء جيش ضخم من المؤلفين والمخرجين والممثلين كي يشاركوا في تلك المضحكة الكبري ولا فائدة من وراء ذلك فلقد كان شارلي شابلن وحده صامتا ينتزع الضحكات من قلوب العالم كله بل ومسلسل الكارتون توم وجيري كل يوم يضحك منه الكبار والصغار ولكن المصيبة في الميزانيات المشبوهة لتلك البرامج والقنوات . شهر رمضان أصبح بحق هو شهر الإعلانات والمسلسلات والحوارات والمسابقات والتفاهات بل وصار شهر التنبلة في كل بيت فمن يستطيع مشاهدة كل هذا الكم من الهبل والقصور المزيفة من الديكور والسيارات الفخمة لكل مشهد ولكل ممثل زوجة وعشيقة وصديقة وحبيبة وبعض الأعداء ولديه صفقات بعدة ملايين كل لحظة ، التناقض مطلوب والمقارنة ضرورية بين قاع المجتمع والحارة وبين أثرياء المسلسل ، حتي أهل الصعيد نوعية خاصة لم توجد بعد علي الخريطة ، وما زال المأذون يضع الشال علي كتفه ويرحل فقط تراه في المسلسلات الوهمية لا يشبه ماهو في الواقع مطلقا ، الذي يغيظك أن كل مسلسل له مقدمة طويلة بها أغنية غير واضحة المعالم ولابد من سرد جميع من في العمل حتي عمال البوفيه وبواب عمارة البطلة وحلاق البطل وجميع الفنيين والشيالين والعتالين وكل المارة في ميدان العتبة ثم الجيزة وبعدهما محطة بولاق ؟! . يقال إن هناك أكثر من خمسين مسلسلا ومعهم العديد من البرامج الحوارية ويتخللها مئات الإعلانات وعلي مدار الساعة وبكل الإلحاح الذي يجعل المتلقي يلعن أهل جميع الإعلانات ومن وضعها ومن ينفذها ومن يقوم علي إخراجها ، صحيح أنها سبوبة للجميع علي قفا المشاهد الغلبان ولكن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلي ضده والحل هو القيام بزيادة عدد الندوات التي يعقدونها في النوادي لتشمل المقاهي والبيوت كي يشرح كل من أصحاب العمل تفاصيل العمل ويجد النقاد مادة للكلام ولا داعي للانتظام في الدراسة أو السياسة أو العمل من أصله ويكفينا أن نعيش علي كل هذه المسلسلات والإعلانات حتي نصل إلي أن أبونا السقا مات لأن اللي اخشوا ماتوا من زمان .