هناك طريقة أخري لتناول هذا الموضوع الحيوي المهم بدلاً من أن أكتب عنه في مقال في الصفحة الأولي.. وهي طريقة أعتقد أنها تكسبه أهمية سياسية أكبر. والطريقة المقصودة التي لم ألجأ إليها هي أن نعرض ما لدينا من معلومات عن هيئة قناة السويس.. فنتلقي ردًا متكررًا وتقليديا من أي مصدر هناك وبما في ذلك رئيس الهيئة يقول فيه: إن الملاحة في قناة السويس لن تتأثر علي الإطلاق بالطريق الذي يتحدث عنه التقرير. وبدلاً من هذا الملل.. فإنني أعرض إلي الأمر بطريقة مختلفة.. وأطرحه علي نخبة المجتمع السياسية والاقتصادية.. لعل هذا يمثل تحفيزًا لرئيس الهيئة في أن ينتبه إلي المتغيرات الدولية ويتعامل معها بمزيد من الترقب.. والانشغال.. إذ حتي لو كان الطريق المشار إليه في التقرير الذي سأعرض له حالاً بلا قيمة.. فإن ما نلحظه هو أن هناك رغبة حثيثة لم تتوقف بل تتزايد، هدفها البحث عن بدائل لطريق قناة السويس في التجارة الدولية. وأما التقرير فقد نشر في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قبل أيام.. ويتحدث عن أن ظاهرة الاحتباس الحراري التي يتوقع لها أن تؤدي إلي ذوبان الجليد سوف تؤدي إلي إمكانية ذوبان الجليد لأشهر من السنة بما يسمح بمرور سفن تجارية من آسيا إلي أوروبا وبالعكس.. وبمسافة توفر نحو 3500 ميل مقارنة بالطريق العابر من قناة السويس. ويستند التقرير إلي رحلة تمت بالفعل انتهازًا لذوبان الجليد من كوريا الجنوبيه إلي هولندا مرورًا بهذا الطريق.. في يوليو الماضي.. بتحميل سفينتين ألمانيتين ب3500 طن من البضائع.. وقد أعرب الروس وفقًا للتقرير الصحفي المدقق عن أملهم في أن يؤدي نجاح التجربة إلي تحقيق فوائد اقتصادية من طريق مختصر منافس لقناة السويس. هنا أشير إلي مجموعة من الملاحظات لابد أن تحدد التفكير في الأمر: - ظاهرة الاحتباس الحراري أدت إلي تزايد الاهتمام بالقطب الشمالي.. خصوصًا في مجالات صراعات النفوذ الأمني بين الدول.. لاسيما بعد اكتشاف قدر هائل من الثروة المعدنية واحتمالات الثروة البترولية الكبيرة في باطنه. - لم تبلغ ظاهرة الاحتباس الحراري مستواها الأقصي بعد.. وعلي الرغم من كونها تحمل مخاطر للكرة الأرضية برمتها إلا أن عددًا من الدول راح يبدأ التفكير في الاستفادة من الإمكانيات الإيجابية التي يمكن أن توفرها.. خصوصًا في تلك المناطق التي سيذوب فيها الجليد. - يلحظ في مضمون التقرير أن أربع دول كبري ومهمة في الاقتصاد الدولي علي الأقل قد انشغلت بالأمر.. ألمانيا وروسيا وكوريا وهولندا.. وهي وحدها ليست المعنية فقط.. بل إن هذا المنهج في التفكير يؤدي إلي تحقيق مصالح لقطاع أكبر من غرب أوروبا وشرق آسيا بخلاف الولاياتالمتحدة. أعرف بالطبع أن مثل هذا الطريق هو قيد التجريب.. وتحيطه معوقات كثيرة.. أهمها أن الممر لن يخلو من الجليد بين يوم وليلة.. ولكن هذا لم يفت علي من يبحثون عن بدائل لقناة السويس.. إذ إنهم يفكرون أو يطرحون علي الأقل تصورات لخفض رسوم المرور بما يؤدي إلي استثمار الفرق في عمل مشترك بين الدول للقيام بعمليات تطهير مستمرة لكسح الجليد وتكسيره. ويبقي هذا الحلم الذي يراودهم مقيدًا بفصول قليلة من السنة قد تكون في حدود أشهر الصيف وبعض الربيع.. إذ لن يذوب القطب الشمالي كله.. ولكن حتي لو تحقق هذا صيفًا فإنه يؤدي إلي الخصم من رصيد التجارة العابرة من قناة السويس. أعرف أنه قد تثبت الدراسات التي يمكن إجراؤها حول الموضوع أن القناة المصرية الاستراتيجية لن تتأثر حقيقة بالطريق المقترح.. وأن القناة المصرية ليس عليها أن تقر كل يوم بأن هناك تهديدًا يلحق بحجم مدخولها.. ولكن ما أقصده هو ليس فقط التصريحات المملة وإنما أن يكون هناك تفكير دائم ومستمر في هيئة قناة السويس يلاحق المتغيرات العصرية ويتعامل معها.. أو علي الأقل يرد علي هذا الكلام في الصحافة الدولية ويحافظ علي سمعة القناة وقيمتها الذهنية والواقعية استراتيجيا في التجارة الدولية. والأهم هو أنه ليس علينا أن ننتظر أن يطرح علينا المنافسون كل شهر تحديًا جديدًا لطريق التجارة التقليدي.. فقد يفشلون عشرات المرات في أن يعثروا علي بديل لقناة السويس لكنهم يحاولون في كل يوم.. ومن الواضح أن تلك المسألة تشغل العقلية الدولية.. إما لأسباب تجارية بحتة تريد أن توفر في تكاليف التجارة.. أو لأسباب تريد أن تحقق أهمية استراتيجية لأطراف عالمية أخري.. أو لرغبة البعض في أن يجعل مصر أقل في المكانة الاستراتيجية في الجغرافيا العالمية. إن علينا أن نجتهد بصورة مستمرة في أن نوفر للقناة مميزات إضافية تجعل منها منافسًا لا يقبل النزال لفترة طويلة من الوقت لا تقل عن مائة عام.. إذ وقتها سوف تكون المتغيرات الهائلة في الاتصالات والمواصلات قد حطمت كل قيد جغرافي يجعل للأماكن الاستراتيجية قيمتها الحالية. أتحدث عن مميزات تتجاوز الحديث عن قيمة الرسوم وعن أننا لم نتأثر بظاهرة القرصنة.. وأن القرصنة أثرت أيضًا علي الطريق التجاري عبر رأس الرجاء الصالح.. وتتجاوز أن نكتفي بالدراسات حول تأثيرات المنافسين بعد وقت طويل.. بل عن رؤية واجبة لكي نعظم من قيمة تأثير القناة المصرية دوليا.. رؤية ذات أبعاد اقتصادية وسياسية استراتيجية.. لا تترك الأمر لتصريحات رئيس هيئة القناة المتكررة. Email:[email protected]