كنت في إسرائيل كان عنوان كتاب للكاتب الصحفي الكبير الأستاذ إبراهيم عزت والذي صدر عام 1957 في بيروت، وضم بين صفحاته خلاصة أخطر تحقيق صحفي قام به المؤلف ونشره علي صفحات مجلتي روزاليوسف وصباح الخير في مايو ويونيو عام 1956 . كان إبراهيم عزت قد سافر إلي إسرائيل باسم جورج إبراهيم حبيب كصحفي برازيلي من أصل عربي، ومكث هناك 11 يومًا والتقي وتحاور مع كبار زعماء إسرائيل وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بن جوريون الذي أعرب عن أمنيته واستعداده للقاء الرئيس جمال عبدالناصر حتي ولو في القاهرة لمناقشة ما يريد أن يناقشه هو وهي نفس الرغبة التي أبداها لإبراهيم عزت كل من تقابل معهم! ولقد نفي إحسان عبدالقدوس الكاتب الكبير ورئيس تحرير روزاليوسف أن هذا التحقيق الصحفي كان بمثابة خطوة للتقريب بين العرب وإسرائيل، وكان عنوان مقاله لا صلح مع إسرائيل. كان هذا ما قيل ونشر وقتها، لكن بعد مرور حوالي ربع قرن عاد إبراهيم عزت ليلقي بقنبلة صحفية أكثر إثارة من رحلته إلي إسرائيل، وكانت قنبلة إبراهيم عزت علي شكل رسالة نشرتها له مجلة المجلة التي تصدر في لندن تعليقًا علي مجموعة الحوارات التي أجرتها المجلة مع وليم بولك المبعوث الأمريكي الذي كلفه د. هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي بالسفر إلي القاهرة يناير عام 1969 ومقابلة الرئيس جمال عبدالناصر وكان قد سبق له الاجتماع معه عدة مرات في زمن الرئيس الأسبق جون كيندي في الفترة من 1961 إلي 1962 . وعلي مدي ثلاثة أسابيع (سبتمبر وأكتوبر 1983) روي وليم بولك عشرات القصص والوقائع ومنها وربما كان أهمها وأخطرها مثلاً طلب كيسنجر منه السفر إلي القاهرة ومقابلة عبدالناصر واستطلاع آرائه عن الوضع في الشرق الأوسط ويقول بولك في شهادته: توجهت إلي القاهرة وقابلت عبدالناصر وكنت قد اجتمعت به عدة مرات من قبل في عهد الرئيس الراحل جون كيندي من 1961 إلي 1963 وكان عبدالناصر بكل تأكيد مهتمًا للغاية بما قلته ولم يكن مفاجأً بزيارتي له، وبعد ذلك عدت إلي واشنطن وقلت لكيسنجر أن هناك احتمالاً في تحقيق تسوية سلمية، وطلب مني كيسنجر العودة للقاهرة والتحدث إلي عبدالناصر مرة أخري بصفتي الشخصية، وأن أشير للجانب المصري بصورة هادئة إلي أنني سأطلع كيسنجر علي نتائج مباحثاتي وأنها ستحظي باهتمام الإدارة الأمريكية. وعدت إلي القاهرة لمقابلة عبدالناصر وكان ذلك في يناير 1969 وأمضيت عدة أيام هناك لإعداد صيغة تسوية سلمية، وقضيت وقتًا طويلاً مع الدكتور حسن صبري الخولي أحد مستشاري عبدالناصر، وخلال اللقاءات أعددنا مسودة اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل، وسلمناه لعبدالناصر واطلع عليه وأجري عليه تعديلات بالحبر الأحمر! وحسب رواية وليم بولك لمجلة المجلة فقد ركز الاتفاق علي ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء التي احتلتها خلال حرب عام 1967 وفي مقابل ذلك يوافق المصريون علي أن تكون سيناء مجردة من السلاح وإنهاء المقاطعة بين مصر وإسرائيل وقيام تبادل تجاري بين البلدين، وتخفيف التوتر بينهما وأن يتم تبادل العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل بعد فترة معقولة! وافق عبدالناصر علي معظم ما جاء في مسودة الاتفاق وأدخل عليها فقط تعديلاً بسيطًا يتعلق بتوقيت المراحل المختلفة للاتفاق بين البلدين، وكان عبدالناصر حريصًا علي أن يبلغ واشنطن أنه يريد التوصل إلي تسوية سلمية. وبغير الدخول في تفاصيل كثيرة - لابد أن الأستاذ إبراهيم عزت قد قرأها عبر حوار وليم بولك ولفتت انتباهه - فإن كيسنجر عندما التقي وليم بولك وروي له ما جري فوجئ بعدم اهتمامه فقد كان اهتمامه مركزًا علي المؤتمر الصحفي الذي يعده للرئيس نيكسون حول حرب ڤيتنام! والآن إلي رسالة الأستاذ إبراهيم عزت إلي مجلة المجلة (نوفمبر 1983) يقول فيها: تابعت أخيرًا ذكريات أو أحاديث الدكتور وليم بولك بخصوص الرئيس الراحل جمال عبدالناصر واتصالاته السرية مع الولايات المتحدة! أولاً: أنني أتفق تمامًا مع الرأي القائل أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لم يكن يطلع وزراءه علي معظم ما يقوم به من اتصالات مباشرة أو عن طريق بعض المعاونين الذين كان لا يثق إلا بهم! ثانيًا: إنني أعلم يقينًا أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان علي اتصال عن طريق الخطابات الخاصة السرية مع رئيس وزراء إسرائيل السابق بن جوريون وكذلك مع رئيس الوزراء السابق موشي شاريت كما كان علي اتصال مع إيجال آلون والجنرال السابق يادين اللذين عرفهما أثناء حرب فلسطين عام 1948، وظل آلون علي اتصال به بعد الفالوجا وخاصة بعد 23 يوليو 1952 وكانت معظم الاتصالات مع المسئولين الإسرائيليين عن طريق الخطابات التي ترسل من بعض العواصم الأوروبية وتتم عن طريق ممثله الشخصي المرحوم حسن صبري الخولي الذي أكد لي أكثر من مرة أنه تسلم رسالة من بن جوريون أو شاريت أو آلون! ثالثًا: كنت شخصيًا في أبريل ومايو 1956 مكلفًا بالاتصال بالإسرائيليين بطلب من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن طريق مدير المخابرات السابق صلاح نصر.. و.. و وللرسالة بقية الأسبوع القادم.