مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة فى 17 ديسمبر المقبل، تسعى حركة النهضة الإخوانية للخروج من أزمتها والهروب من التحقيقات التى تلاحقها فى جرائمها الجنائية والأمنية، وتستعد لدخول الماراثون الانتخابى عبر أذرع جديدة للتحايل على الشعب التونسى. وفى وقت سابق قال رئيس الحركة راشد الغنوشى فى حوار تلفزيونى إن «الحركة تنتظر إقرار قانون الانتخابات المقبل للإعلان عن ترشحها للانتخابات»، فى تناقض مع موقفها السابق الرافض لكافة الإجراءات الإصلاحية التى تمت بالبلاد بعد 25 يوليو 2021، ومحاولتها إفشالها، وآخرها محاولة إفساد الاستفتاء على الدستور بالمقاطعة. حزب جديد وحذر خبراء تونسيون من عودة حركة «النهضة» عبر عناصر يعلنون التبرؤ منها فى الظاهر، وينتمون لها فى الخفاء، متوقعين فى نفس الوقت حلّ الحركة نتيجة حزمة التهم الثقيلة الموجهة لها. وذكرت مصادر تونسية أن قيادات «منشقة» عن حركة النهضة الإخوانية فى تونس، تستعد لإطلاق حزب جديد تخوض من خلاله غمار الانتخابات البرلمانية المنتظرة فى ديسمبر المقبل. تنصل من الحركة ويواصل راشد الغنوشى رئيس حركة النهضة، تبرئة نفسه من جرائمها الجارى التحقيق القضائى فيها، بإعلانه الاستعداد للتخلى عن رئاستها إذا ما تقدم طرف ب«تسوية» لأزمة تونس. وفى تصريحات صحفية قال الغنوشى ردًا على سؤال حول مطالب قوى سياسية بابتعاده عن حركة النهضة كشرط للعمل معه فى المعارضة: «رئاسة الحركة ورئاسة المجلس (البرلمان)، أو أى رئاسة أخرى هى أمر هين وقليل أمام مصلحة تونس، ولذلك لو تقدم لنا أى طرف بتسوية للمشكلة التونسية تتطلب هذه التضحية منا فهذا أمر يسير، ولكن أن نبادر نحن بالتنازل عن موقعنا فالمصلحة من ولرغبة من؟». ولم يوضح :الغنوشي» طبيعة هذه التسوية التى يمكن أن يقبلها، مع تأكيده على استمراره فى وصف الإصلاحات التى قام بها الرئيس التونسى قيس سعيد منذ 25 يوليو 2021 بأنها «انقلاب» على الشرعية والديمقراطية، ورفض ما ترتب عليها مثل الاستفتاء على الدستور. خلافات داخلية وتغرق الحركة الإخوانية فى خلافات داخلية منذ أكثر من عام، وأعلن عشرات من قياداتها استقالتهم خلال الأشهر الأخيرة، اعتراضًا على استمرار الغنوشى فى رئاستها. سمير ديلو وبحسب خبراء تونسيين فإن القيادات المنشقة عن حركة النهضة تستعد لتأسيس حزب وتشكيل تحالفاتها وإعلانها بعد إعلان قانون الانتخابات الجديد. وتتوقع المصادر أن يتولى القيادى الإخوانى المستقيل، سمير ديلو قيادة، الحزب الجديد، إلى جانب عدد من أعضاء مجلس النواب المنحل. كما ترجح ذات المصادر أن يحرص الحزب الجديد على عدم الجهر بأيديولوجيته، وذلك لتجنب غضب الشارع التونسى، ولتفادى حالة النفور الكبير ضدها. قفز من السفينة الغارقة وقال الخبير القانونى التونسي، حازم القصورى، فى تصريحات صحفية أن تصريح الغنوشى فى هذا التوقيت محاولة للقفز من «سفينة النهضة الغارقة»، مضيقًا: «صحيح أن الخلافات والصراعات بين قيادات الحركة حقيقية، ولا يمكن إنكارها، ولكننا أمام محاولة إخوانية لاستغلال هذه الحالة، وتصديرها للعلن، لتأسيس كيان سياسى على خلفيتها، بديل لحركة النهضة، يحمل أفكارها، ولكنه لا يحمل ثقل جرائمها التى سدّت أمام الحركة مجال العمل السياسى». ويرجح القصورى أن هذه القيادات الإخوانية تسابق الزمن لتشكيل الكيان الجديد، لتخوض به غمار الانتخابات البرلمانية المنتظرة فى ديسمبر المقبل، والذى تقف عقبات قانونية أمام حركة النهضة للمشاركة فيها، نتيجة التحقيق مع قيادات بها، منهم الغنوشي، بتهم تتعلق بالإرهاب والاغتيالات والفساد. قانون انتخابى ويعوّل القصورى على قانون الانتخابات الجارى تجهيزه لتنظيم شروط الترشح بما يضمن منع تسلل المتهمين بالإرهاب والفساد والتمويلات الأجنبية من خوض الانتخابات، مثل قيادات النهضة وحلفائها. ونبّه إلى أن «الفساد السياسى والاقتصادى تركة ضخمة لا يمكن للقضاء وحده حسمها بجرة قلم، ولكن الأمر يحتاج التزامًا سياسيًا أخلاقيًا لمواصلة دعم العدالة والمحاسبة». خطوات إصلاحية وبدأ الرئيس التونسى قيس سعيد خطوات إصلاحية عميقة فى تونس بداية من 25 يوليو 2021 لإزاحة خطر الحركة الإخوانية عن البلاد، بدأت بتجميد البرلمان ذى الغالبية الإخوانية، ثم حلّه لاحقًا، وإقالة الحكومة، وتبع ذلك تغييرات فى القضاء وكافة مؤسسات الدولة، ووصلت إلى الاستفتاء على دستور جديد، يتبعه إعداد قانون للانتخابات وتنظيم عمل الأحزاب والمنظمات وشروط تمويلها، ثم تختم الخارطة السياسية بانتخابات برلمانية مبكرة. وكانت وزارة المالية قد بدأت منذ أشهر التحقيقات فى الأموال التى حصلت عليها تونس فى شكل هبات وقروض خلال فترة حكم حركة النهضة وفى أوجه التصرف فيها. ويثير ملف القروض والهبات التى تحصلت عليها الحكومات السابقة شكوكًا واسعة حول شبهات فساد وسوء تصرف فى هذه الأموال، حيث قال رئيس لجنة مكافحة الفساد فى البرلمان السابق والقيادى فى حركة الشعب بدر الدين القمودى إن المليارات التى حصلت عليها تونس فى إطار قروض وهبات تحوم حول أوجه صرفها شبهات فساد، وإن حجم الأموال المنهوبة كبير جدا وهو من أسباب الأزمة الاقتصادية التى تعيشها تونس.. وثمن القمودى متابعة الدولة لمصير الأموال التى دخلت تونس فى شكل هبات وقروض، مشيرا إلى أن جهوزية التقارير الرقابية سيسمح بالملاحقة القانونية لمرتكبى جرائم الفساد المالى فى الحكومات السابقة، كما سيكشف عن حجم الأموال التى دخلت تونس ومجالات صرفها خاصة وأنه لا أثر لها فى التنمية ولا فى تحسين ظروف عيش المواطنين. قروض منهوبة وأكد أن ملف القروض المنهوبة دليل على إهدار المال العام خلال العشرية السوداء لحكم حركة النهضة المتورطة إلى جانب من شاركها الحكم من الفاسدين ولصوص المال العام، وفق تعبيره، فى تبديد المال العمومى بأشكال مختلفة عبر استغلال المؤسسات العمومية وبيع الأملاك المصادرة فى ظروف غامضة وصرف الهبات والقروض فى غير محلها. من جهته، أوضح رئيس الهيئة العليا للرقابة المالية والإدارية كمال العيادي، أن التقرير المتعلق بصرف الهبات والقروض صدر عن هيكل رقابى مستقل يعمل تحت إشراف وزارة المالية ومشهود بنزاهته، مؤكدًا أن تقارير التدقيق المالى تنجز بصفة مستمرة وترصد الإخلالات والتجاوزات غير أنها لم تكن تجد آذانًا صاغية لدى أجهزة السلطة التنفيذية.