للعام الثالث على التوالى تحول ظروف وباء فيروس كورونا بين المعتكفين والمساجد، وذلك بعد صدور قرار رسمى من جانب وزارة الأوقاف بأنه لا مجال لفتح المساجد للاعتكاف أو التهجد هذا العام فى ظل استمرار الإجراءات الاحترازية وإجراءات التباعد الاجتماعي. ومع قرب العشر الأواخر من شهر رمضان، تم التنبيه على جميع مديريات وإدارات الأوقاف على مستوى الجمهورية بعدم السماح بأى إجازات أو راحات أو السماح لجميع الأئمة والعمال والمؤذنين ومقيمى الشعائر بترك المسجد خلال العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم. والاعتكاف سُنة فى رمضان وغيره من أيام السنة، فعن عائشة رضى الله عنها أن النبى -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده، وروى عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «من اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق، كل خندق أبعد مما بين الخافقين». تغيرت خطط الكثيرين المعهودة فى رمضان على مستوى إقامة العبادات، ومن ثم بدأ التفكير فى البدائل والحلول، فى إطار الالتزام بقرارات الدولة، لكن البعض الآخر حاول الهجوم على تلك القرارات والتحريض على خرقها، فى محاولة للمزايدة على الدين والشرع الحنيف الذى بسط جناح الرفق بالعباد، بينما أراد هؤلاء تضييق الخناق علينا. وأكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، فى فتوى سابق، أنه على المسلم ألا يَحْزَن ويخاف مِن ضياع الأجر فى فوات سُنَّة الاعتكاف فى زمن الوباء؛ لأنَّ الأجر حاصلٌ وثابتٌ حال العُذْر، بل التَعبُّدُ فى البيت حال تَفَشِّى الوباء يوازى أجر التَعبُّدِ فى المسجد. من جانبه قال الدكتور حامد أبوطالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن الأصل فى العبادات هى تأديتها بشكل فردى وليس جماعي، بما فى ذلك صلاة التراويح وقيام الليل، أما عن الاعتكاف فيقول: «الأصل هو الاعتكاف فى المسجد، لكن ذلك له بديل فى ظل الظرف العالمى الطارئ، ويمكن للإنسان الاعتكاف فى منزله». وأوضح الدكتور أبوطالب، قواعد وسبل تطبيق الاعتكاف فى المنزل، وهى اتخاذ خلوة فى ركن من الشقة للصلاة وتلاوة القرآن، مع الجلوس فيها بشكل منعزل عن باقى أجزاء الشقة، ولها نفس أجر الاعتكاف فى المسجد. وتابع: «يجب أن يلتزم المعتكف فى البيت بجميع أحكام الاعتكاف الذى يقام فى المسجد، من حيث عدم الاقتراب من النساء، أو المخالطة غير الضرورية، كما يمكن للنساء الاعتكاف أيضا فى ركن آخر من البيت، أو جزء من غرفة يتم تهيئته كالمسجد، تُؤدى فيه الصلوات والعبادات». فيما أشارت الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إلى أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- اعتكف وزوجاته فى المنزل، باعتباره كان جزءًا من مسجده، ورغم ذلك فلا يُشترط على المسلم أن يعتكف فى المسجد، ومن حق أى شخص الاعتكاف فى البيت، مع كامل الثواب. وأوضحت أستاذ الفقه المقارن مفهوم الاعتكاف بقولها: «هو التفرغ للعبادة والصلاة والذكر طبعا مع الصوم، بشرط ألا يخرج المسلم من معكفه إلا للضرورة القصوى، سواء الذهاب لقضاء الحاجة، أو للطبيب حال اقتضاء الضرورة». واستطردت الدكتورة سعاد صالح: «لا يجب على المسلم المبالغة فى أداء العبادات، أو الانخراط بحيث لا يعطى لنفسه قدرا من الراحة، حتى فى أوقات الاعتكاف، فإن لبدنك عليك حقا»، مؤكدة على كون الاعتكاف سنّة وليس فرضَا، يمكن إقامته فى المنزل بعيدا عن الضوضاء. وشددت أستاذ الفقه المقارن على أن الفريضة الوحيدة التى يجب أن تُؤدى فى المسجد هى صلاة الجمعة، فجميع الصلوات الأخرى ليست فرضًا تأديتها فى المسجد، سواء الصلوات الخمس أو التراويح والتهجد، مُحذرة من خرق قرار منع الاعتكاف فى المساجد بقولها: «من يتحايل على الدولة ويحاول الاعتكاف فى الزوايا يرتكب إثمًا، ويتبارى لتحويل السنة إلى فرض». الرسول –صلى الله عليه وسلم- أدى صلاة التراويح أيامًا فى منزله، خشية أن يظن الناس أنها فريضة، وتتابع الدكتورة سعاد صالح: «الله لا يؤاخذ عبده فى حقوقه، ولكن يؤاخذ العبد فى حقوق العبد ولا يتنازل فيها، لأن حق الله مع العبد مبنى على المسامحة وليس المشاكسة».