من أكبر مظاهر رحمة الله بعباده أن جعل الأسباب الموصلة لسعادة القلب مطلوبة منهم فالرضا بالله وبرسوله، وبدينه، وبسنن الله فى كونه هو سبيل السعادة الحقيقية، بل هو السعادة الحقيقية، قال عبد الواحد بن زيد: الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا وسراج العابدين، والرضا من الأخلاق التى حث الله ورسوله المسلمين عليها، بل هو دليل الإيمان بالله وبرسوله، وبدينه، وقدره. والرضا قسمان: الأول: الرضا بالله، والثاني: رضا الله، فالأول رضا مطلوب من العبد وبه تتحقق السعادة الدنيوية، والثانى رضا يرجوه العبد من ربه، وبه تتحقق السعادة فى الدنيا والآخرة، والثانى مترتب على الأول فى الظاهر، وفى الحقيقة الأول هو أثر للثانى فقد قال سبحانه وتعالى: (رَضِى اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، فقدم سبحانه رضاه عنهم أولًا، ثم ذكر رضاهم عنه، ثم ذكر ما أعد لهم من جزاء. ولأن القسم الأول –وهو الرضا بالله- مطلوب من العبد فسيكون هو بيت القصيد فى الكلام عنه، فلا بد أن نعلم أن الرضا بالله وبما قضى واجب متفق على وجوبه والسخط على الله وقضائه حرام، متفق على حرمته بل قد يخرج المرء من دائرة الإسلام ولذلك فإن أمر الرضا جليل ومطلوب من المسلم فى الشرع الحنيف فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ). وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (رواه الترمذي)، وكذلك روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا» (رواه مسلم). والرضا الحقيقى عز للمؤمن وغنى له عما سوى الله ويظهر أثر ذلك فى القناعة فعن سهل بن سعد رضى الله عنه قال: «جاء جبريل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت واعمل ما شئت فإنك مجزى به وأحبب من شئت فإنك مفارقه وأعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس» (رواه الطبراني). وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه»، وعن فضالة بن عبيد رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طوبى لمن هدى للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع» (رواه الترمذي). وإذا كان الرضا مطلوبًا من العبد فإنه يجب أن يسعى لتحصيله ومن الأشياء التى قد تتعارض مع مقصود الرضا المصائب ولكى تهون على المرء المصيبة فعليه بالنظر إلى جلال من صدرت منه وحكمته وملكه، قال إبراهيم الحربي: اتفق العقلاء من كل أمة أن من لم يمش مع القدر لم يتهن بعيش وليعلم قوله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» وقوله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا دار بلاء فمن ابتلى فليصبر ومن عوفى فليشكر» وقوله صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل». وينبغى علينا أن نعلم أن تحصيل رضا الله يكون برضا العبد عن الله،ويكون كذلك باسترضاء من طلب رضاهم كرضا رسوله صلى الله عليه وسلم ورضا أوليائه ورضا الوالدين وقد ثبت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رضا الله فى رضا الوالدين وسخط الله فى سخط الوالدين»