حزبا الحرية والعدالة والنور المفقوسان عما يسمى بجماعة الإخوان والدعوة السلفية، يمارسان السياسة كصورة طبق الأصل من الحزب الوطنى الساقط.. فنوابهما فى البرلمان يدافعون عن الحكومة – رغم أنها لا تمثلهما – فما بالنا لو شكلا الحكومة.. وهما خارج البرلمان لا يؤكدان، ثقتهما فيما حصلا عليه من أصوات بالملايين.. لذلك تجدهما فى حالة من الارتباك الشديد، تجاه دعاوى العصيان المدنى.. وفيما يبدو أننا سنكتشف قريبا أن ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين، ليست على هذا القدر من القوة الشعبية والقدرة التنظيمية.. لأن الجماعة تبخرت تماما من الشارع، وأصيبت بحالة من حالات العجز شبه التام فى مخاطبة الأمة عبر وسائل الإعلام.. ويبدو أن تلك الجماعة مع نواب السلف، يبتعدون شيئا فشيئا عن المساجد، فقد أصبحوا يتحسبون عند مواجهة الشعب.. ليس لأنهم لم يحققوا شيئا لناخبيهم.. فالإنصاف يقتضى أنهم لم يُمَكَنُوا فى هذا الوقت القصير من تقديم شىء.. لكن مخاوفهم ترجع إلى تبدل مواقفهم وقناعتهم.. فضلا عن تغير لغة خطابهم.. ولن أضيف تغيرهم شكلا بتطور الزى وظهور السيارات من آخر موديل! كل هذا يحدث بعد أيام – لم تطل – على انتهاء مرحلة التنويم المغناطيسى التى جعلوا الأمة تعيشها.. فهم استخدموا الدين كورقة لتحريك العواطف.. بداية من الاستفتاء على التعديلات الدستورية.. وليس انتهاء بانتخابات مجلس الشورى التى تدور فى الهواء هذه الأيام!.. وإذا كانت قد راحت السكرة وجاءت الفكرة.. فالشعب الذى اقتات على الصبر والصمت، لم تعد تلك الوجبة تفتح شهيته.. فهذا شعب قام بثورته بحثا عن الحرية والعدالة الاجتماعية.. أى أنه شعب ثار لأجل أن يكون للمواطن والوطن موقف.. حتى ولو كان العيش يسبق الموقف.. فالشعب يرى ويسمع عن وزير عدل تعامل مع السفارة الأمريكية بحسم شديد.. أقصد من خلال رد وزير العدل على السفيرة الأمريكية رافضا أن تخاطبه متدخلة فى الشأن المصرى.. وكذلك فعلت وزيرة التأمينات مع السفيرة ذاتها – رغم أن الوزيرين لا يمثلان الجماعة والسلف – فإذا بالسفيرة تعبر نهر الطريق لتدخل البرلمان، ويستقبلها متهللا الدكتور «سعد الكتاتنى» رئيس مجلس الشعب.. كما شاهد الرأى العام رئيس البرلمان يزجر نائبا سلفيا، حين قام ليؤذن العصر تحت القبة.. وقال له: إن هذا ليس مكان الآذان ولا الصلاة.. إن أردت أن تصلى فاذهب إلى المسجد.. وأضاف: إنه من جماعة الإخوان المسلمين التى لا يزايد عليها أحدا فى الدين.. لاحظ أن رئيس البرلمان سبق أن قال: إنه استقال من الجماعة والحزب ليكون محايداً فى رئاسته للبرلمان!.. المهم أن ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين هى التى كانت تدفع أعضاءها وأنصارها إلى رفع الأذان فى كل الدواوين والمصالح الحكومية والنوادى والأماكن العامة.. وكانت تدعو إلى توقف عجلة الحياة لأداء فريضة الصلاة.. كان يحدث ذلك عندما عاشوا تطاردهم كلمة المحظورة.. وبعد أن أصبحت كلمة الأغلبية تسبقهم.. أرادوا للهرم المقلوب أن يعتدل.. أى أنهم قلبوا الهرم وقتما شاءوا، ويريدون له أن يعتدل عندما يشاءون! حزبا الجماعة والسلف وضعا الدكتور «على السلمى» فى خانة العمالة للمجلس العسكرى حين أطلق وثيقته الشهيرة.. وأعلنا الرفض التام أو الموت الزؤام للمادتين 9 و10 من الوثيقة.. فإذا بنا نكتشفهما تحت قبة البرلمان يعقدان اجتماعات سرية للجان، يتم خلالها طهى الوجبة المطلوبة لتمكينهما من السلطة.. أقصد بذلك مشروع القانون الذى يمنع أو يحظر محاكمة أى عسكرى سواء كان فى موقعه أو بعد إحالته للتقاعد!.. هكذا علمت وأتمنى ان يكون ما سمعته كذبا.. لكن الحالة التى نعيشها، تفرض علينا محاولة السباق مع الأحداث.. وكم يكون رائعا أن نسبق الأحداث مع ما فى ذلك من خطورة.. لأن البرلمان الذى تعامل مع مجزرة استاد بورسعيد، يصعب على أمثالى الثقة فى مقاصده أو اتجاهاته وقراراته.. فهذه الأغلبية أقرت عبر بيان قرأه رئيس البرلمان أن وزير الداخلية يتحمل المسئولية كاملة عن الأحداث وتوابعها.. وكان هذا يعنى سحب الثقة من الحكومة دون الاكتفاء بعزله وحده.. لكن البرلمان اختار كلاماً يتسق مع لغة ما يسمى بالجماعة والسلف حين كانا يسعيان للحكم.. وطبقا سياسات ومواقف الحزب الوطنى الساقط، بعد أن فوضهما الشعب بأغلبية غير مسبوقة فى انتخابات حرة وفيها قدر كبير من الشفافية. اعتقادى أن ما يسمى بالجماعة والسلف، ستبور بضاعتهما بأسرع مما يتخيل عقل.. فالذى يتكلم فى اتجاه اليسار ويصدر قرارات تعكس إيمانه باتجاه اليمين، يمضى إلى التهلكة.. فهكذا كان يفعل المخلوع ورموز عصابته القابعين خلف القضبان فى طرة.. ومن لا يتذكر احيله إلى افتخارهم بارتفاع معدلات التنمية، ثم قولهم: إن تلك التنمية تأبى أن تنزل بردا وسلاما على الشعب.. وتحديدا الفقراء منه! وإذا كانت السياسة هى فن الممكن.. فإن الممكن الذى يقوم به حزبا ما يسمى بالجماعة والسلف لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون فنا.. وظنى إن ما يسمى بالجماعة والسلف تسعدهما الثورة حين تعطيهما شعبا يسهل خداعه.. وتقلقهما الثورة حين يؤكد الشعب ذاته يوما بعد الآخر، أنه لن يستسلم للخداع والأكاذيب مرة أخرى.. وبما أنهما اعتقدا أن الثورة انتهت بحصولهما على الأغلبية.. فهاهما تخاصم عيونهما النوم، لمجرد الدعوة للعصيان المدنى.. فهل ستنجح تلك الدعوة ليكون التصويت علنيا وواضحا وشفافا ضد الجميع.. ويؤكد حالة التصويت فى ذكرى تجديد الثورة بعد عام من اندلاعها.. أم ستمر كسحابة صيف، تضيف إليهما المزيد من الغرور ليمارسا تخبطا أكثر وضوحا.. ليتم تأجيل جولة الحسم إلى حين إشعار آخر!