تعودنا أن نرشق كل من لا نفهمه.. وما لا نفهمه.. بأنه مؤامرة.. لذلك نحن الأمة الوحيدة التي تستخدم تعبير «نظرية المؤامرة» وهذا مجرد تعبير.. لأن المؤامرة ليست نظرية علي الإطلاق. نجح نظام «حسني مبارك» في استخدام كلمة «المؤامرة» لتطويق أعدائه بها، وللدفاع عن نفسه بالكلمة ذاتها.. فما لم يكن يعجب هذا النظام أو يهدده.. كان يضعه في خانة المؤامرة.. وإن شاء مواجهة أعدائه عند ارتكاب أي جريمة.. يتهم من يواجهه بها بأنه صانع مؤامرة! سقط «حسني مبارك» وبقي فلوله.. وهم يمثلون جيشا عرمرما.. فاسدون من كل لون وعلي كل الأشكال.. ليسوا مجرد موظفين أو متواطئين تحت عباءة ما كان يسمي بالحزب الوطني الديمقراطي.. لأن الأمر امتد إلي الحالمين بأن يكونوا موظفين أو باحثين عن عضوية هذا الحزب.. المهم أن رأس النظام سقط وبقي رجاله يحارب بسلاح ما يسمي ب«نظرية المؤامرة». إذا سمعت مثقفا يشهر في وجهك «نظرية المؤامرة» فقل عنه فلول.. وإن واجهك من يزعم أنه معارض وعند اختلافك معه قال لك هذه مؤامرة فتأكد أنه فلول.. ولو أنك سمعت من يزعمون إنهم ثوار، وحدثوك عن نظرية المؤامرة فقل عنهم أنهم فلول.. بل أستطيع الذهاب إلي القول بأن الذين حازوا ثقة الشعب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وعندما يعجزون عن مناقشتك يلقون في وجهك بماء «نظرية المؤامرة» فتأكد أنهم فلول. بيننا من ينكرون وجود فلول من الأصل.. ولأن أولئك يعلمون – ومدربون – أنهم فلول.. جعلونا نكفر بمعني ومغزي الكلمة.. لذلك ألقيناها خلف ظهورنا.. وعندما تحدثنا عن الثورة المضادة، فأصابهم الارتباك والرعب.. ثم نظموا صفوفهم وقرروا السخرية من المعني والجملة.. لذلك فرضوا علينا أن نتبرأ من وصفهم بما هم أهل له.. أقصد أنهم يمثلون الثورة المضادة. دون أدني فلسفة.. لو أنك دققت النظر فيما تتعرض له الثورة المصرية، من محاولات الالتفاف عليها.. أملا في سحقها.. ستجد أن الثوار مازالوا يتمتعون برجاحة العقل وطيبة القلب مع أداء يبالغ في السلمية! أقصد من المبالغة في السلمية.. أننا تصالحنا معهم، فظنوا أننا غفرنا لهم أو أصبحنا مستضعفين.. مع أن الأصل يفرض علينا مقاطعتهم سلميا.. مواجهتهم بما ارتكبوه سلميا.. الاستمرار في كشف مواقفهم سلميا.. التصدي لاستمرارهم في مواقعهم، أو تنصيبهم في مواقع مهمة سلميا.. كان ذلك توضيحا لما يجب أن يواجه به الثوار الفلول.. وكل ما أقصده أننا بالغنا كثيرا في العطف والتعاطف مع جماعة «المطار السري» كما كنت أسميها علي مدي سنوات ماضية.. وشهرتها جماعة الإخوان المسلمين.. ربما لشعورنا بأنها كانت تتعرض للظلم والقهر والعسف.. ثم استمر تعاملنا معها كذلك، رغم أنها كشفت عن وجهها عندما جعلت من نفسها الوجه الآخر لعملة اسمها «الحزب الوطني» – الساقط – فإذا كان الحزب الوطني قد خدعنا 30 عاما.. فغير مسموح للوجه الآخر من عملته أن يخدعنا، حتي لثلاثة شهور.. فلا يمكن أن أقبل وجود ما يسمي بجماعة الإخوان المسلمين دون أدني مبرر لوجودها.. فهي جماعة مجهولة الهوية.. لا هي سياسية.. ولا هي خيرية.. ولا هي دعوية.. ولا حتي منظمة من منظمات المجتمع المدني.. فكيف نتساهل مع ما تمارسه من أدوار عدة.. فهي سياسية تستقبل الضيوف الأجانب ويتحاور مرشدها العام مع السفراء دون أدني صفة سياسية.. وهي فقست حزبا اسمه «الحرية والعدالة».. فرفضت أن تتركه يمارس السياسة وسط أقرانه.. تعامله علي أنه «قاصر».. تعين له رئيسا وأمينا عاما مع باقي القيادات في جميع المواقع.. ثم تصطفي من تشاء من تلك الخيارات لتنصبه رئيسا للبرلمان أو للوزراء.. دون أن نعرف من هو القائم علي الحزب وما الفرق بينه وبين ما يسمي بالمرشد العام للجماعة.. نحن في حالة تجعل بوصلتنا تتجه نحو طهران.. صحيح أن إيران فيها نظام شيعي.. وصحيح أن الإخوان المسلمين يمثلون السنة.. لكن يبدو أنهم معجبون بالنظام السياسي في إيران القائم علي ولاية الفقيه. احذروا من عدم تعريف الأشياء بمسمياتها، قبل تدوير العجلة.. فمصر في تلك اللحظات تسلم أمرها لآية الله «محمد بديع» الولي الفقيه للدولة في ثوبها الجديد.. وأتحدي أن يكون هناك من اختلف معه أو ينوي الاختلاف معه أو يقدر علي الاختلاف معه داخل «حزب الحرية والعدالة».. بل أتحدي من يدلني علي أن منصبه الذي تبوأه في الحزب يخرج عن اختيار الولي الفقيه «محمد بديع».. وأستطيع الذهاب إلي أن تلك الجماعة التي لا نعرف لها أصلا من فصلا.. سوي قولهم لنا أن تاريخها يرجع إلي ثمانين عاما.. أو يرشدني إلي قيادة تنظيمية في حزب «الحرية والعدالة» – الأغلبية – يمكنه أن يتحرك قيد أنملة دونما أمر واضح بالضرورة من الولي الفقيه «محمد بديع».. وقد حدث ذلك.. ومازال يحدث.. في ظل حماية واضحة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة لما يجري في مصر الآن.. فإذا كان الدستور.. والشعب قبل الدستور.. يرفضان قيام الأحزاب ذات المرجعية الدينية.. فقد حدث ودارت عجلة الثورة في اتجاه مختلف تماما عما كنا نهدف ونتمني.. لأنهم فرضوا علينا الأمر الواقع.. استدرجونا ففازوا بالأغلبية.. حاولوا استمرار استدراجنا.. فكان أن تصدي لهم الثوار عند المحطة الأولي علي قيام الثورة فحدثت المواجهة.. إذا كانت مصر توافق علي أن يقودها الولي الفقيه «محمد بديع».. فهذا يعني أننا سنعود لأكثر من ألف عام إلي الوراء.. فنحن في زمن يتم فيه ضرب الإسلام بالإسلام.. يحاولون أن يضربوا الشيعة بالسنة – عندهم في الغرب – وعندنا يعشق الإخوان وهم من أهل السنة، النظام السياسي الشيعي.. بما يقدم أعظم الهدايا، لكل أولئك الذين يحاولون ضرب الإسلام من أصله.. وإن كنت لم أتمكن من تقديم فكرتي بوضوح، يمكنكم أن ترشقوني بوضعي في خانة الفلول.. فيبدو أنني استخدمت «نظرية المؤامرة»! وعلي حد قول الأستاذ «إحسان عبد القدوس» أستطيع الذهاب إلي عنوان بديع، وهو «يا عزيزي كلنا متآمرون» دون أدني اعتذار لنجوم الوهابية، وذراع واشنطن الإعلامية في المنطقة واسمها «دولة» قطر!