في طريق عودتي من شارع محمد محمود بعد محاولة أخري بادر بها بعض الشخصيات العامة والسياسية لوقف النزيف بين الشرطة والثوار أمام وزارة الداخلية، رأيت رجلاً يقف في شارع محمود بسيوني بالقرب من ميدان طلعت حرب أمام سيارته الأجرة وهو يستبدل إطار سيارته التالف بإنهماك وهو يبكي بحرقة شديدة، دهشني بكاؤه الذي لم يتوقف مما جعلني أحاول أن اسأله عن سبب هذا البكاء او علي الأقل أمنعه عنه قلت «مالك يا حج في ايه؟» لم يلتفت إلي الرجل الذي استمر بانشغاله في تغيير الاطار ولكنه رد علي سؤالي بصوت مخنوق ■ هيجي منين الخير بس يا بني طول ما احنا حالنا كده، احنا ليه بيتعمل فينا كده هو احنا كنا طالبين حاجة كبيرة دحنا مكناش عايزين غير حتة نعيش فيها ولقمة نأكلها ان شاء الله حتي طقة واحدة في اليوم مش ثلاثة. هوا كتير علينا يعني نلاقي ده في بلدنا بدل ما نروح نذل نفسنا في بلاد تانية... يا بني أنا عشت في البلد دي 53 سنة بس معملتش اي شيء أقدر أقولك عليه لا لنفسي ولا لعيالي، لا عارف أشغل الواد ولا عارف أجوز البت، بشتغل سواق أجرة من 30 سنة ومع ذلك حتي العربية اللي انت شايفها دي مش بتاعتي وساكن في بيت إيجار لومت صاحب البيت هيطرد عيالي منه. قاطعته في محاولة أخري حتي يتوقف عن البكاء بقولي «يا حج بكره الأمور تتعدل في البلد دي خلي املك وتوكلك علي الله» هز الرجل برأسه في حسرة ولكن دموعه لم تتوقف وقال ■ ونعمة بالله كل اللي يريده ربنا هيكون، شوف يا بني ان ما ليش في السياسة ولا بفهم فيها حاجة بس أنا عايز أقولك يمشي حسني مبارك يجي الجيش وبكرة هيجوا الإخوان لكن حالنا هوحالنا، البني آدم المصري مالوش عازه عند الناس دي غير يوم ما يروح ينتخبهم بس وبعدين ممكن يقتلوا ويرجعوا لأبوه في كيس زبالة زي ما عملوا مع الراجل اللي ابنه مات في ماتش الكورة في بورسعيد. تفتكر لوكنا نساوي شيئاً عند الناس دي كانوا هيعملوا فينا كده وهنا كان قد انتهي الرجل الذي لا أعرف اسمه إلي الآن من استبدال اطار سيارته بالعجلة الأضافية فأخذ يضع الحامل والإطار التالف في مؤخرة السيارة وهو يقول ■ إنت عارف أن النهاردة مولد النبي وأن المصريين حتي مش قادريين يقولوا لبعض كل سنة وانت طيب من كتر الحزن والكسرة اللي أصبحت جوه قلوبنا هقولك ايه بس يا بني ربنا يفك عنا وعن أهلنا وحبايبنا وعن البلد دي قادر يا كريم دخل الرجل سيارته وغادر المكان والدموع لا تزال تنهار من عينيه كالمطر دون أن ينطق بكلمه أخري....