سألت صديقي صاحب (التاكسي الأبيض ) عن أحواله فرد ساخطا: " مش عارفين نشتغل يا أستاذ .. والعربية عليها أقساط .. وورانا بيت وعيال .. ومدارس ودروس خصوصية .. وموبايلات " فسألته : وما الذي يعطلك عن الشغل ؟ فقال لي : " بالعربي ومن الآخر كدة .. أنا مش فاهم يعني إيه سلفيين .. ومش عارف هم عايزين إيه بالظبط !! " .. فشرحت له معني السلفية بقدر ما أستطيع من التبسيط .. وأكدت له علي أننا نعيش الآن في عصر الديمقراطية .. واستلمني صديقي الأبيض وقد قرر أن يقلب (قاف) الديمقراطية إلي (كاف): " ديمكراطية ... يعني يفرشوا بالعسلية ومشابك الغسيل علي الرصيف !! .. ديمكراطية يعني يسدوا شارع رمسيس طوال النهار ويوقفوا حالنا !! .. ديمكراطية يعني البلد يبقي ما فهاش قانون يعني البلد تبقي مالاهاش كبير !! .. و لا نشتري لنا كبير من برة .. ديمكراطية يعني يبقي سيادة اللوا واقف وجنب منه يجي أربع ظباط رتب كبيرة .. ونص دستة أمناء شرطة .. وسواقين الميكروباص عاملين مهرجان .. وواقفين في الممنوع شمال ويمين وسادين شوارع البلد كلها !! .. ديمكراطية يعني نسيب البلطجية تخطف النسوان وتسرق الناس في عز الضهر !! .. ونمسك الحرامية الكبار !! .. ما هم دول حرامية .. ودول حرامية .. ما ينضفوا البلد منهم جميعا .. ولا احنا بنمشي علي سطر ونسيب سطر .. ديمكراطية يعني السلفيين يحاوطوا كنيسة غمرة ويوقفوا حال البلد علشان الست كاميليا .. إشمعنا دي مش عايزين فيها ديمكراطية ما يسيبوا الناس في حالها وكل واحد حر وديمكراطي في ذات نفسيته .. وربك رب قلوب .. والدين لله والوطن للجميع .. ولكم دينكم ولي دين ...... بقولك إيه يا أستاذ أنا قلبي واجعني علي حال البلد وربنا يولي من يصلح " ..... استمعت لصديقي السائق باهتمام حتي أنه اعتقد إنني غفوت منه .. فعدت أناوشه من جديد لأتعرف علي وجهة نظر المصريين البسطاءوفلسفتهم العميقة وفهمهم الفطري الرائع للحياة .. فسألته : " شكلك كدة مش مبسوط من الثورة .. ولا مبسوط من إنها قبضت علي كل الفاسدين اللي كانوا سارقين البلد ؟؟ " ... انزعج صديقي الأبيض بشدة حتي كاد أن يتوقف في عرض الطريق من الانفعال الصادق .. ثم قال غاضبا مني : " لأ لأ لأ يا أستاذ .. ما تفهمنيش غلط .. كدة أنت ح تزعلني منك وأنا زعلي وحش !! .. أنا ما قلتش كدة .. أنا مش ضد الثورة لامؤاخذة .. الثورة علي عيني وراسي ..أنا اللي عملت الثورة وسيبت بيتي وشغلي وسلمت التاكسي بتاعي لصاحبه وقعدت في ميدان التحرير خمستاشر يوم لغاية ما الرئيس السابق خلع .. وأنا فرحان في الحرامية اللي كانوا سارقين البلد .. وكل ما يقبضوا علي واحد منهم أصلي ركعتين شكر وحمد لله .. ونفسي يقبضوا علي الوزير اللي هرب .. بتاع الضرايب منه لله .. لكن اللي مزعلني حال الأمن اللي فلت من بين إيدين البلد يا أستاذ .. فين الحكومة !! .. وفين لا مؤاخذة البوليس والقوات المسلحة .. سايبين البلطجية والسلفيين ليه !!.. مش الدولة فيها قانون ما يطبقوه عليهم .. وفين المثقفين والشيوخ الكبار اللي بيطلعوا في التليفزيون ليل نهار .. ما ينزلوا يقولوا للسلفين كلمتين يعدلوا الراس .. بدل ما هما سايبينهم علينا كدة من غير حساب مرة يقطعوا ودن الراجل .. ومرة يقطعوا السكة الحديد في قنا ويخسروا السياحة والبلد ملايين .. يا أستاذ دول هما اللي بيعينوا المحافظين دلوقتي .. شوية شوية يحكموا البلد .. يعني السلفيين طايحين في البلد والحكومة محلك سر !! .. إحنا خلاص زهقنا واكتصاد (يقصد الاقتصاد) البلد باظ ومش حا يتصلح ولا بعد عشر سنين ..!! " ..... فقاطعته علي الفور داعيا إياه للتفاؤل : " لأ .. ماتقولش كدة يا بشمهندس كلها كام شهر والدنيا تزهزه معاك .. والفلوس اللي راحت ترجع للشعب تاني .. والاقتصاد يتعدل .. " .. وقبل أن أكمل دعوتي بالتفاؤل قاطعني علي الفور قائلا : " بص يا أستاذ أحب أفهمك حاجة مهمة ما أخدتوهاش أنتم في المدرسة .. لكن أحنا الحياة ياما علمتنا ..... فلوس إيه اللي ح ترجع .. اللي راح ما بيرجعش .. ولو رجع إحنا ح ناخد منه إيه ؟؟ .. والاكتصاد يتعدل يتقلب .. ينام علي جنبه .. إحنا ما بنخدش منه حاجة .. الكبار هما اللي بتزهزه معاهم .. وكل وقت وله الكبار بتوعوه .. يعني يسجنوا الكبار دول .. بيطلعوا كبار جداد غيرهم علي الزيرو .. وسانين سنانهم وجايين يهبروا من جديد .. إحنا اتعودنا علي كدة من قديم الأزل .. يعني الاكتصاد لما يتعدل الفقرا اللي زي حلاتي حاياكلوا جاتوه ... أبدا هو ، هو الفول والطعمية ورنا ورانا .. واحنا مش طمعانين في حاجة وراضيين بقسمة ربنا .. ومش طالبين غير الستر والأمان .. والاقتصاد يتعدل يتقلب ينام علي الجنب اللي يريحه .. مش عايزين منه حاجة غير نأكل العيال وامهم إنشالله عيش حاف .. وكده يبقي رضا ونعمة من ربنا .. بس المهم الأمن بتاع البلد .. يعني ما حدش يطلع علي بسنجة ولا بمسدس ويثبتني ويقلب مني التاكسي والإيراد والموبايل والساعة .. ومش بعيد يغزني غزة أروح فيها ويرميني لكلاب السكك .. أو أروح بتنا ألاقي بناتي حد راشش عليهم مية نار ويقولك أصلها كانت ماشية سافرة ومش لابسة أبصر إيه !! .. ومدرك إيه !!.. والسلفيين كانوا بيحذروها .. والمرة الجاية ح نقيم عليها الحد .. حد إيه !! .. وسبت إيه يا أستاذ !! .. أنا مش فاهم حاجة ورب الكعبة اللي ملست بإيدي علي حجرها الأسعد .. ومقام رسول الله عليه الصلاة والسلام .. إحنا مسلمين وموحدين بالله ومفيش واسطة بين العبد وربه .. قوم يروحوا يهدوا الأضرحة بتاعة أولياء الله الصالحين .. أنا عايز أقولك إن اللي بيعملوه ده خطر عليهم وعلينا .. وربنا لوغضب عليهم مش ح يشفوا خير واحنا ح نروح في الرجلين بذنبهم ..لإننا شوفنا كل ده وسكتنا وسيبناهم يعملوا فينا اللي هما عايزينه .. ما حد يفهمهم من المثقفين يا أستاذ .. ده حتي عيب عليهم والله العظيم يسبوهم يعملوا كده ... أقولك .. حسبي الله ونعم الوكيل ..... احنا وصلنا يا أستاذ مش أنت ساكن في الشارع ده برضو .. اتفضل مع سلامة الله " نزلت وتركت صديقي الأبيض وأنا أردد بيني وبين نفسي : " فعلا .. السلفيون قادمون والحكومة والمثقفون محلك سر!!