ثورة الشعب المصري في 25 يناير من عام 2011 لم تكن علي نظام فاسد وحاكم ديكتاتور فقط! هذا شعب قرر في ذاك اليوم الثورة.. حتي علي تاريخه.. تلك كانت ثورة علي الماضي ومن أجل الحاضر والمستقبل.. ودعنا من المقدمات الطويلة فقد تأكد ما أشرت إليه بعد عام واحد من اندلاع الثورة.. فالشعب الذي أكد أنه أكثر وعيا من مثقفيه ونخبته السياسية.. كان أكثر وعيا من كل المراقبين والدارسين والساسة.. بل إنه قرع كل أجراس الإنذار ليسمعه من في الخارج قبل الذين حاولوا الاطمئنان في الداخل. محاولات «هندسة الثورة المصرية» لم تتوقف داخليا ولا خارجيا.. وبينهما إقليميا.. وكل تلك المحاولات انتهت إلي المربع رقم 1 في يوم 25 يناير من العام 2012.. كيف حدث ذلك؟ أستطيع التركيز في الآتي: أولا: أكد الشعب المصري أنه بقدراته السلمية، قادر علي قهر كل الأسلحة السياسية والعسكرية.. فعندما يقرر أن يقول كلمته.. فعلي الجميع الانحناء احتراما وتقديرا.. وإذا كان الشعب قد دفع ثمن ذلك قبل عام بمئات الشهداء وآلاف الجرحي والمصابين.. فإنه بعد عام من الثورة لم يدفع شيئا.. ربما بفعل الذهول الذي أصاب من اعتقدوا أنه الشعب القديم.. أي شعب ما قبل 25 يناير 2011.. وقد يكون بسبب المفاجأة المذهلة التي أخذت المواطن البسيط قبل العالم والسياسي والحاكم.. واعتقادي أن الحقيقة تكمن في أن هذا الشعب تجدد تماما، ويستعصي علي أحد الادعاء بامتلاك مفاتيحه بالعودة لدراسة التاريخ.. أو الزعم بأنهم قادرون علي استشراف رؤيته وقدراته.. استنادا إلي اتجاهات تصويته في الانتخابات. ثانيا: أن الشعب الذي تعود التوقيع علي بياض للحاكم.. أكد أن توقيعه له ثمن عظيم، ومن يحصل عليه لابد أن يتأكد عجزه عن دفع هذا الثمن مهما قدم من إنجازات.. فالشعب المصري لن يقبل إطلاقا الخلود إلي الراحة لمجرد وصوله إلي نقاط العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. فتلك هي عناوين الحد الأدني لما يريده ويأمل في بلوغه.. أي أنه شعب قرر أن يربط ماضيه الذي يقف العالم مشدوها أمامه.. ومستقبله الذي يجب علي العالم إعلان كل الاحترام والتقدير له. رسائل الشعب المصري للعالم في ذكري قيامه بثورة 25 يناير ذهبت في عدة اتجاهات: أولها: كانت رسالة واضحة لجماعة الإخوان المسلمين والأحزاب المفقوسة عنها.. ومعهم حزب النور والأحزاب السلفية المفقوسة عن هذا التيار.. ومفادها أننا بالملايين صوتنا لكم.. ونحن بالملايين مازلنا في الشارع.. قادرون علي أن نقول كلمتنا، وسنظل كذلك بغض النظر عن بلوغكم هدفكم بتولي أمر البلاد تشريعيا.. فنحن الذين فوضناكم.. ونحن الذين سنبقي أصحاب الحق في تصحيح إجاباتكم عن أسئلتنا.. واعتقادي أن الرسالة وصلت كاملة، رغم كل محاولات الالتفاف عليها.. وأقصد ما حدث في ميدان التحرير، عندما حاولت جماعة الإخوان المسلمين وأحزابها المفقوسة عنها استغباء الرأي العام.. بل يمكنني القول حينما حاولت استعراض العضلات أمام المجلس الأعلي للقوات المسلحة، بأنها صاحبة القدرة علي ترويض الأمة! ومن أسوأ ما شهدناه من تلك الجماعة بذراعها الوهمي – تسميه السياسي – أنها بلغت ما لا يمكن تصوره في استخدام الدين.. بل والقرآن الكريم لتحقيق انتصار دنيوي زائف، وأقل بكثير جدا من قيمة ومعني الإسلام في حقيقته وعمق مقاصده. ثانيها: وصلت الرسالة إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة بأن الشعب المصري يحترم جيشه العظيم، بل يحمله علي الرأس وفي عينه.. ويحميه بقلوب أبنائه.. لكنه لا يمكن أن ينخدع بما يفعله أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة - كساسة – فتأكد للجميع أن كل ألوان الطيف السياسي أجمعوا علي طي صفحة الحاكم العسكري.. ولن يقبل الشعب إطلاقا استمرار هذا الحكم العسكري، حتي لو تحالف مع من أودعوه ثقتهم متمثلين في أحزاب ترفع رايات الدين. ثالثها: كانت الرسالة الإقليمية لأولئك الذين يحاولون تطويق تلك الثورة.. أن مصر لن تكون وهابية.. ولن تعود إلي حظيرة الولاياتالمتحدةالامريكية.. سواء كان ذلك عبر واشنطن بوضوح.. أو عبر سفارتها في المنطقة العربية والمعروفة باسم دولة قطر.. وهي الذراع الإعلامية والاحتياطي النقدي الاستراتيجي للولايات المتحدةالأمريكية وبالضرورة بعدها إسرائيل! رابعها: كانت رسالة ظني ان أصحابها استقبلوها.. أقصد بهم النخبة من المثقفين.. قالوا فيها كل الاحترام والتقدير لما حصلته من علم ومعرفة.. لكننا – الشعب المصري – يستحق أن تدركوا مغزي ما فعله يوم 25 يناير بانطلاق الثورة.. فالسادة المثقفون مازالوا يعتقدون أنهم أساتذة الكيمياء في معامل قديمة وبالية، تجعلهم قادرين علي استخراج النتائج من مقدمات عفي عليها الزمان.. لذلك يجب أن يتأكدوا جميعا أن ما يملكونه من أسلحة إعلامية.. بل وقدرات نجومية تملك الإبهار عند الكلام.. لا يمكن إطلاقا أن تنطلي علي المواطن المصري البسيط في سن السبعين، لأن ابنه عند سن العشرين أنهي تعليمه العالي وأصبح وعيه أكثر رقيا عن كل من يحاولون تعليمه.. وهو يدعو الجميع للحوار معه.. وليس للحوار عليه أو حوله! رسائل الشعب المصري في الذكري الاولي لاندلاع ثورته.. كانت ألغاما، يصعب علي كل من لا يحاول تجديد الوعي والفهم والفكر تجاه الشعب المصري، أن يجهز نفسه للتواري خلف الكواليس.. فالأبطال جاهزون للقيام بأدوارهم في مسرحية المستقبل.. وأهم شيء أن كل محاولات «هندسة الثورة المصرية» عسكريا أو دينيا.. إقليميا أو دوليا.. قد سقطت للأبد.. ولا عزاء لكل انتهازي رخيص يحاول أن يعزف ألحانا ترفض آذاننا استقبالها!