أقف أمام نماذج مما لا يمكن تسميته بغير الكذب.. فهذا وزير يدعى أنه يسيطر على وزارته، ويزعم لعدة شهور أن مستوى أدائها يتحسن.. فإذا بنائب رئيس الوزراء يخرج علينا ليقول إنه لم يكن يعرف ما يجرى حوله.. وكان عندنا رئيس وزراء، يزعم بأنه جاء من الميدان بفعل وإرادة الثورة.. فإذا بنائبيه.. الأول يقول عنه أنه لا يصلح لغير موقع الرجل الثانى.. والثانى يصفه بأنه «شاهد ماشافش حاجة».. وذاك وزير يقول عن الوزارة التى سبقته، أهدرت مليار جنيه فى برامج تدريبية وهمية.. وكان لدينا وزير يعتقد أنه مسئول ضمن فريق عن وطن كبير جدا اسمه مصر.. فإذا به يكتشف بعد دخوله الوزارة وخروجه منها، أنه كان مجرد علم قديم متهالك غير قادر على أن يرفرف فى ماسبيرو! النماذج كثيرة جدا، وشهدناها على مدى شهور قليلة بعد ثورة 25 يناير.. واعتقادى الجازم أن تلك واحدة من ثمرات الثورة.. فالوزراء الموظفون الذين كانوا يسعون للمنصب، أملا فى الفوز بالوجاهة والنفوذ والثروة.. لم يصمدوا عند لحظة التحدى والمسئولية.. فكلهم تآمروا على الثورة لصالح أنفسهم، ولصالح نظام يرفضون التصديق بأنه ساقط.. ساقط.. لا محالة. هذا الكلام الصادر عن رؤساء وزراء مصر منذ سقط «المخلوع»، كفيل بمحاكمتهم وفق القانون الجنائى وأمام القاضى الطبيعى.. ولو أنهم حوكموا مع فرقهم الوزارية، وفق قانون الغدر لنالهم العقاب الذى يستحقونه.. لكنهم جميعا يعلقون خيبتهم وعجزهم وفشلهم فى رقبة الإعلام مقروءاً ومرئياً، أما الإذاعة فقد ذهبت مع من كان يعرف قيمتها وغادر الدنيا يوم 28 سبتمبر من العام 1970 الزعيم جمال عبدالناصر وكل هذا لا يهم الإعلام.. لكن ما يهمنا هو النار القادمة من أولئك الذين يمتطون الديمقراطية، لاحتلال الوطن بالديكتاتورية.. أقصد بذلك جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب المفقوسة عنها والجماعات السلفية والأحزاب المفقوسة عنها.. وإن كان الشعب قد منحهما الثقة.. فللشعب كل الاحترام والتقدير.. ولنا أن نحاول التشبث بمواقفنا، ودق نواقيس الخطر لما هو آت فمن حق الشعب أن يثق فيهم.. وحقنا على الشعب أن نقول ما نعتقد ونرى.. فهل يمكنهم أو يقدرون على احترام حرية الرأى والكلمة؟ الإجابة عن السؤال ستتكشف خلال شهور قليلة قادمة.. فإذا اكتمل المسار الانتخابى، سيكون الفيصل بيننا وبينهم الرأى العام فى الداخل والخارج.. وما لم يكتمل - وهذا ما أعتقد فيه - سأقف مدافعا عن إرادة الشعب وحريته فى الثقة بمن يرى أنه أهل لها.. الأكيد أننى ضد أفكار وسياسات جماعة الإخوان المسلمين والجماعة السلفية.. لكننى سأقف مقاتلا عن حقهم فى أن يحكموا بإرادة الشعب.. ولا علاقة لى بالذين اعتقدوا أنهم أذكى من الإعلام والتيارات السياسية والشعب والثورة.. فمصر قبل 25 يناير كانت تعيش حالة قهر ورعب شديدين، والسبب فى ذلك عقلية من اعتقدوا أنهم أصحاب الوطن.. ومصر بعد ثورة 25 يناير تأكد للدنيا أن لها أصحاباً عددهم يتجاوز 85 مليوناً.. ولكل واحد فيهم حق فى التعبير عما يرى سلميا. رقبة الإعلام مطلوبة من المجلس العسكرى والإخوان المسلمين والسلفيين والفلول والمخدوعين من أبناء شعبنا.. ورقبة كل صاحب رأى لا تساوى شيئا أمام قيمة مصر كوطن.. لذلك أعتقد أن الإعلام المصرى الذى تطور على مدى شهور ما بعد الثورة، بأكثر مما تطور خلال سنوات قبلها.. قادر على أن يكون فى طليعة التنوير.. ولنا فى الأستاذ «عباس محمود العقاد» أسوة حسنة.. فقد كان صحفيا ونائبا تحت قبة البرلمان.. وهو القائل: «إن حذائى هذا أولى بأكبر رأس فى هذا الوطن ما لم يحترم الدستور».. وكذلك الاستاذ «مصطفى شردى» القائل: «الصحافة عندى أكثر قوة وقيمة من حصانة عضوية البرلمان».. وإن عدت إلى زمن قديم جدا سأذكر الأساتذة: «توفيق دياب» و«أحمد حلمى» و«سلامة موسى» و«أحمد أبوالفتح» و«أحمد لطفى السيد» وغيرهم من الرواد، الذين ذهبوا وبقى نورهم يضاف إلى قيمة حضارة مصر منذ آلاف السنين.. سيبقى الإعلام بكل أخطائه هو المصباح الذى يكشف كل الكذابين الذين يحاولون حرق الوطن!