تحضرني تلك الواقعة المثيرة والغريبة في ذات الوقت.. تناولتها عدة مرات, في مناسبات مختلفة.. فأذكر أن المؤسسة العسكرية في الجزائر كانت تتعرض للقصف والسب والشائعات.. وتقوم بذلك الصحافة في ذاك الوطن الشقيق. وعندما ضجت المؤسسة مما تتعرض له.. قررت أن تذهب إلي القضاء, أملا في إنصافها من حملات تشويه سمعتها.. فإذا بالزملاء الصحفيين الجزائريين يقيمون الدنيا رافضين أن تقعد.. اعتبروا أن سلوك المؤسسة العسكرية لهذا النهج فيه اعتداء علي حريتهم وقدسية مهنتهم!!.. ولأنني – كنت مراسلاً للأهرام في الجزائر – رأيت في ذلك عجبا.. فكتبت قصة إخبارية تحتوي مضمون الحكاية التي تتجاوز حدود الخيال غير العلمي!! قبل أيام فوجئت بأن نفراً من «شعبنا المصري الشقيق», يحاصرون محكمة «كفر الشيخ».. كلهم من الذين يطلقون اللحية, فيمن يسمون أنفسهم بالسلفيين.. يهتفون ويصرخون, رافضين العدالة وعرض أي قضية أمام القاضي الطبيعي.. فقد لجأ فضيلة الشيخ الدكتور «علي جمعة» مفتي الديار المصرية إلي القضاء.. السبب أنه يعتقد في تلقيه سبا وقذفا من جانب «أبوإسحاق الحويني».. زعيم من زعماء ما يسمي بالسلفية.. فهذا أمر طبيعي يستحق فضيلة المفتي عليه ان ننحني أمامه تقديرا.. لكن دراويش «الحويني» ذهبوا إلي اعتبار ذلك اعتداء عليهم.. شأنهم شأن الصحفيين الجزائريين الذين رفضوا لجوء المؤسسة العسكرية للقضاء المدني.. بحثاً عن إنصاف من هجوم الصحافة. بعد ساعات من تلك الواقعة قرأت تصريحاً لواحد من «نجوم شباك السلفية» يعلن فيه أنهم سيجمعون مليار توقيع ضد فضيلة المفتي.. اعتقدت أنهم يقصدون مليون.. دققت الامر فوجدت أن المليار الذي أعلنوا عنه مقصود بالضرورة.. هنا طار صوابي.. أيقنت أن كل من يقدر علي رفع الصوت.. ويتمكن من حشد بضعة مئات أو آلاف, يعتقد في أنه يمثل أمة عريقة يصل تعداد سكانها إلي 85 مليون نسمة.. فأولئك لا يرون غير أنفسهم, ولا يسمعون غير أصواتهم.. فالحرية عندهم هي تطبيق الدكتاتورية الجاهلة علي من يحاول أن يناقشهم أو يختلف معهم.. ديمقراطيتهم تعني قطع رقبة من يتجرأ علي الإرسال تجاههم.. فهم يعتبرون ما عداهم أجهزة استقبال فقط!! ما يسمي بالحركة السلفية أو الجهادية أو الجماعات الإسلامية.. فضلا عن التكفيرية والانبطاحية والانزراعية.. كلها «فقس بيض» لجماعة الإخوان المسلمين.. فإذا دققنا في لغة خطاب رموز الجماعة, سنجد أنها الأصل وما يقوله كل اولئك هو الصورة.. فهذا «صبحي صالح» نجم نجوم الجماعة يتوعد بدفن من يحاول مواجهتهم.. كان يقصد للأمانة فلول الحزب الوطني المنحل.. مع أننا كنا نرفض ونجاهر بأعلي الصوت, لجوء نظام حكم مصر باسم الحزب الوطني الاعتداء بالسجن علي رموز تلك الجماعة.. فإذا بالجماعة لا تعتدي.. بل تذهب إلي الدفن مباشرة.. وكنا نرفض أن يتحدث رموز الحزب المقبور باسم الشعب.. فإذا بالدكتور «عصام العريان» قائمقام جماعة الإخوان وحزبها المفقوس عنها, يعلن نتيجة الانتخابات قبل إجرائها.. فهو القائل: «65% من الشعب المصري يؤيدوننا»هو يتعامل بمنطق من يوحي إليه بثقة الشعب.. بالضبط كما كان يوحي إلي «صفوت الشريف» و«أحمد عز» و«حبيب العادلي» و«فتحي سرور» وغيرهم من لصوص المرحلة.. ماذا تغير؟! أصبح الحزب الوطني محظورا.. واحتلت جماعة الإخوان المسلمين مكانه علي مسرح الأكاذيب السياسية.. وفي يقيني أن كليهما وجهان لعملة واحدة.. أما المزيف من تلك العملة فهم أولئك السلفيون والانزراعيون والانبطاحيون والجهاديون والتكفيريون.. فالحزب المقبور خطف الأمة بفاشية السلطة.. وجماعة الإخوان تلهث خلف السلطة لخطف الأمة.. وباعتبار أن الحزب الوطني – المقبور – قد عبّد لهم الطريق.. فلن تأخذني مفاجأة حين أراهم يمضون في سهولة ويسر.. بسرعة مذهلة لخطف الوطن.. فهذا الحزب الذي أعطي لجماعة الإخوان المسلمين والتيارات المفقوسة عنها, ما لم يحصلوا عليه في التاريخ المصري الحديث.. أعطاهم الحزب الوطني 88 مقعدا في البرلمان لمدة 5 سنوات.. أعطاهم فرصة لتحويل مصر الحضارة والريادة, إلي مجتمع يصبغ وجهه بالدين رغم أن مضمونه لا علاقة له بهذا الدين الحنيف والعظيم.. فلو كان نظام مبارك قد ذبحهم وقتلهم ونكل بهم.. فمن أين لهم بتلك القوة والقدرة علي الادعاء بأنهم الفصيل الوحيد الجاهز سياسياً عقب الإطاحة بالنظام.. ما هو المناخ الذي سمح لهم بأن تدور عجلتهم بتلك السرعة.. فإذا كان الحزب الوطني المقبور قد ورث عشرات أو مئات المقرات علي امتداد الوطن من أموال الدولة.. فمن أين جاءت الجماعة وحزبها المفقوس عنها بأموال تجعلها تفتح عشرات ومئات المقرات في أنحاء الوطن؟.. وإن كان الحزب الوطني المقبور قد وجه ضربات لجماعة الإخوان المسلمين بالحجم الذي يتحدثون عنه.. فكيف خرجوا منها بكل هذا الاستعلاء والنفوذ والقوة, للحد الذي جعلهم يخيفون الأغلبية الساحقة من الشعب المصري الشقيق.. مسلمين قبل المسيحيين؟!