يبدو أن التطور السياسى المنظم الذى أعقب «ثورة الياسمين» انعكس بشكل إيجابى على صناعة السينما التونسية التى استطاعت أن تعبر بشكل مميز عن ثورتها والنقلة التى شهدها المجتمع بعد الثورة التونسية وبالفعل قدمت تونس عددًَا من الأفلام التى شاركت بشكل كبير فى المهرجانات العالمية مثل «كان» و«فنيسيا» من هذه الأفلام «كلمة حمراء» للمخرج الياسى بكار وفيلم «لا خوف بعد اليوم» للمخرج مراد بن الشيخ «وكش مات» لرشيد فرشيو و«إرث النار» لمحمد بن إسماعيل و«لاربى لا سيدى» لنادية الفاتى بجانب أفلام أخرى.. ربما لم تأخذ حقها فى الدعاية على عكس التغير الذى شهدته السينما المصرية التى لم ينجح صناعها فى إنجاز أعمال تتجلى فيها أحداث الثورة بشكل ربما لا يختلف كثيرًا عن حال ثورتها التى لم تشهد البلاد بعدها تغييرًا واضحًا بل واجه المجتمع كله الكثير من التعثرات التى تجعل المشهد ملبدًا بالغيوم واعتلى المشهد السينمائى الأفلام التجارية التى لم تختلف كثيرًا عن أعمال انتجها النظام السابق ولم تفرز سوى اجتهادات ضئيلة لم يرى الجمهور الذى صنع هذه الثورة منها شيئًا سوى فيلم واحد بعنوان «تحرير 2011» حرصنا على المقارنة بين إفرازات الثورتين على الصعيد السينمائى فى محاولة لتقييم مكان السينما المصرية الحقيقى مؤخرًا من خلال رؤية عدد كبير من صناعها. الناقد الفنى طارق الشناوى أكد أن الأفلام الوثائقية فى تونس حققت نجاحًا كبيرًا وشاركت فى أكثر من مهرجان وأنا شاهدت على سبيل المثال فيلم لا خوف بعد اليوم وهو فيلم جيد أما على المستوى الروائى هناك فالإنتاج لايزال قليلاً. أما فى مصر فبخلاف فيلمى «18 يوم» و«الطيب والشرس والسياسى» فلم تنجح السينما المصرية من جذب الانتباه لها والتغيير سيحدث فى مصر ولكن يحتاج لبعض الوقت. أما الناقد الفنى سمير فريد الذى أكد أنه لا يوجد تغيير حقيقى فى السينما لكلا البلدين بعد الثورة لأنه ببساطة الوقت قصير جدًا لأن نحكم على تغيير اتجاهات وتغيير أفكار فى فترة قصيرة لا تتعدى العام وأكد أن السينما بالتأكيد سيطرأ بها تغيير حقيقى ولكن لا أحد يعلم متى سيحدث التغيير فمن الممكن أن يحدث التغيير فى عامين ومن الممكن أن يحدث التغيير فى 10 سنوات وده من اللى باين فى اللى اتعرض فى السينما المصرية فى الفترة ما بعد الثورة وأنا على المستوى الشخصى أتمنى أن يطرأ التغيير سريعًا على السينما فى كلا البلدين فى فترة قصيرة حتى نحدث باختلاف عما سبق تقديمه. أما الممثلة التونسية فريال يوسف فقد عبرت عن أن السينما التونسية قد تغيرت إلى حد ما بعد سقوط بن على وقالت إن السينما ستهتم بعمل تركيز على الموضوعات السياسية التى كانت ممنوعة فى السابق وأكدت أن السينما ستوظف بعض الأفكار بطريقة جيدة سيكون هناك تغيير فى السينما التونسية لأن السينما ببساطة هى النافذة لأى بلد على العالم وقبل الثورة هذه النافذة كانت مغلقة ولكن الآن العالم سوف يشاهدنا من خلال الأعمال الجيدة ولكن مع العلم أن السينما لن تتناول فى أفكارها كل الموضوعات الجيدة أو الأفكار السياسية فقط أو الأفكار التى تهم المجتمع بصفة خاصة لأن السينما توزع على عدة شرائح وعدة أذواق ولابد أن تكون لدينا أفلام تستهوى معظم هذه الشرائح وأنا علمت أن هناك بعض الأفلام التى تصنع الآن التى تتناول ثورة الياسمين عن قرب مؤكدة أنها شاهدت فيلما وثائقىًا بعنوان لا خوف بعد اليوم وأعجبت به على الإطلاق لأننى لم أشاهد مثل هذه النوعية من قبل. وأضافت فريال أنه لن يكون للسينما تأثير غير مباشر على الشعب أو رأيه فالسينما ستستهدف الآراء مباشرة والفكر فى السينما سوف يتغير تدريجيا فلن يكون التغيير ما بين يوم وليلة ولكن علينا الصبر ولكن يوجد الآن نقص سيولة ونقص فى الإعلانات وسيكون له تأثير على المستوى الفنى لفترة محددة. واختتمت فريال كلامها قائلة أن السينما كانت تعانى التدهور والجهل قبل الثورة ولكن الآن أصبحًا الطريق مفتوحة لعمل أفلام ذات قيم اجتماعية تنبع للعالم أن تونس بها فن وثقافة وقادرة على دخول المجال السينمائى العربى. أكد أحمد عبدالله أحد مخرجى فيلم «18 يوم» الذى تتناول أحداثه ثورة 25 يناير أن ثورة 25 يناير أثرت بشكل واضح على صناعة السينما المصرية وبالفعل حركت كثيرًا من صناعة السينما نحو المواكبة، وجعلتنا نتحرر من كثير من القيود التى ساهمت فى تأخير الصناعة كثيرًا وأصبح كل واحد يملك «موبايل» ذا كاميرا وجهاز كمبيوتر له كامل الحرية فى التعبير عن فكره وإبداعه وتصديره للعالم كله بعيدًا عن قيود الرقابة وأجهزة الداخلية والجهات السيادية التى كانت تصادر حرياتنا قبل الثورة، وبالفعل أفرزت الثورة أفلاما مميزة من بينها فيلم «18 يوم» الذى يمثل مثالا قويا لتأثير الثورة فى التمرد والتغير خاصة أن عشرة من المبدعين بدون سابق اتفاق نزلوا للشوارع والميادين وحملوا كاميرات معظمها بدائية بدون ترتيب، وكل واحد منا صار فى اتجاه بعيدا عن الآخر وقام بتصوير المشهد من وجهة نظره ورؤيته دون التقيد بأى شيء، وفوجئنا جميعا أننا تحركنا وكان المحرك والدافع الوحيد لنا هو الثورة والمميز هو أننا فوجئنا بتوليفة من عشرة أفلام تتراوح مدة كل واحد فيها عشر دقائق فقط، ولكنها تحمل رؤية مجردة من أى ضوابط أو قوالب كانت تعوق تحركاتنا من قبل والرائع أيضا أن كل فيلم يحمل وجهة نظر اتفقت مع أحد هذه الأفلام وهناك أفلام أخرى اختلفت معها بشدة وما يؤكد سلامة الوضع السينمائى وما يطمئن على وجود صناع للسينما عاشقين لها هو أن هذه الأفلام لم يكن يهدف أحد منا عرضها تجاريا ولم ينتظر صانعها أى مقابل مادى بالرغم من أنه يضم أكبر نجوم السينما لدينا الذين تطوعوا أيضا لتقديم أعمال للتاريخ وللفن وبدون أجر ومن بين هذه الأسماء أحمد الفيشاوى وتعاون آسر ياسين مع يسرى نصرالله ومريم أبوعوف اجتمعت مع التونسية هند صبري. كما تم صناعة هذه الأعمال بدون أى مقابل مادى سوف يتم تخصيص ريعها كاملا لصالح جمعية أهلية لرعاية أسر شهداء ثورة 25 يناير وأحداث شارع محمد محمود وعلى الجانب الآخر أيضا تجدين أعمالا أخرى مميزة من بينها فيلم «مايكروفون» الذى كان يدعو للتحرر والتمرد وبالرغم من أنه صنع قبل الثورة ولكن كان فخرا لنا أن يكون اليوم الأول لطرحه يوم 25 يناير وبالرغم من خسائره المادية بسبب ضياع الايرادات إلاأنه كان وجه الخير وخرجت معه الثورة. وأضاف أن هناك أفلاما أخرى كثيرة أفزرتها الثورة من بينها تحرير 2011 والفيلم الذى أنتجه الفنان عمرو واكد ولكنه لم يتم عرضه بعد وفيلم آخر يقوم بتصويره حاليا إبراهيم البطوط. أما السينما التونسية فتتركز أيضا أروع أعمالها عن الثورة فى الأفلام التسجيلية وشاهدت منها ثلاثة أفلام من بينها «لائكية إن شاء الله» ويعنى هذا الاسم أنها مدينة إن شاء الله وكان من أجمل الأفلام التى عبرت عن الثورة ومطالبها وشاهدت فيلما آخر عن عائلة ناشطة سياسية شاركت فى الثورة وتم تصويره فى ظروف صعبة جدا ولكن الأفلام الروائية لم تصدر جيدا بعكس التسجيلية التى شاركت فى مهرجانات عالمية مثل «كان وفنيسيا». المخرج مجدى أحمد على كان له وجهة نظر أخرى حيث رأى أن صناع السينما فى البلدين «مصر وتونس» لم يستفيدوا وكثيرا منها أو بمعنى آخر لم يعبروا عنها بشكل مشرف ويناسبها خاصة أنه فى مصر رأس المال أو الإنتاج «جبان» جدا ويسعى فقط وراء الأعمال التجارية التى تجلب الربح السريع بغض النظر عن محتواها، وما تقدمه من سطحية وسخافة ولهذا كان من الطبيعى أن يتصدر فيلم «شارع الهرم» للمطرب الشعبى سعد الصغير عرش الإيرادات. وعلى الجانب الآخر الأعمال الهادفة أو التى تريد أحداث تغيير وفقا لمضمون الثورة الذى يدعو للتحرر والتغير ولكن للأسف يصطدم صناع هذه الأعمال بمنتجين غير واعيين يريدون المكسب السريع ولهذا تعطل مشروعى مثل كثير من المشاريع ولم نجد فيلما روائيا وكبيرا عن الثورة حتى الآن ولكن لا نريد جلد الذات ومحاولة تشويه أنفسنا على حساب التمجيد فى السينما التونسية وتصويرها بأنها مثالية لأن هذا لم يحدث ولم يتم تقديم أعمال تونسية معبرة عن الثورة بالشكل المطلوب أبدا وتمثلت فى أعمال قليلة ولكن ننتظر قليلها حتى يكتمل المشهد وسوف يزيد إنتاج الأعمال المعبرة عن الثورة بشكل مطلوب.