بقلم : معز مسعود وماثيو أنجولز بينما نقترب من الذكري الأولي لثورة مصر، تتسبب الاحتجاجات المتجددة في استقطاب في الرأي العام المصري بشكل لم نره منذ الاحتلال الاول لميدان التحرير. ويقول اولئك الذين يؤيدون الحكام الانتقاليين، المجلس العسكري الاعلي، ان المحتجين الشباب الذين عادوا الي الميدان هم، في افضل الاحوال، قليلو الصبر وطماعون. او في الأسوأ، يجري تصوير النشطاء بأنهم خونة وفوضويون – وانهم ليسوا الشبان المثاليين الذين اطاحوا في يناير 2011 بالطاغية من السلطة، وانما هم صنف جديد من المخربين، بل ان بعضهم يدين بالولاء لجهات اجنبية تسعي الي زعزعة استقرار مصر. وتقول حجة هؤلاء: إن حسني مبارك يحاكم والمقربين منه علي جرائمهم وانهم علي الاقل فقدوا مناصبهم. كما ان انتخابات برلمانية حرة تجري حالياً استجابةً لمطالب ثوري 2011 الرئيسية. لكن ثقافة سياسية سامة استمرت بعد الثورة وهي التي تتسم بها الي حد كبير مقاربة حكام مصر الانتقاليين. والواقع ان وعود المجلس العسكري في العام الماضي بمستقبل افضل تقطع ما كان في وقت من الاوقات تشككا مصرياً عاماً تجاه كل ما هو سياسي. لكن البلاد ما زالت عالقة في خمول سياسي معوق علي المستوي المؤسسي، وهذه دعوة للتشكك الي التجدد. ويقول مصريون كثيرون: إن المجلس العسكري اعتنق الاستراتيجية السياسية القديمة القائمة علي التنصل من المسئولية عن مشكلات مصر بانكاره اللوم علي الدماء التي مازالت تسفك بينما هو في السلطة. وتنوع المحتجون الذين بقوا في ميدان التحرير: فكان هناك قادة الثورة الاصيلون الذين حفزوا مواطنيهم علي التحرك، والمتطرفون الزئبقيون الذين تحولت اهتماماتهم سابقا بتسجيل اهداف كرة القدم الي الحماس السياسي الجديد، كما ان هناك الاقباط المسيحيين الذين يرفضون القبول باسلوب تباعد الجيش في وجه التوترات الطائفية المتجددة، وهناك ايضا النساء المصريات اللائي وجدن في الحكومة الجديدة الكراهية المؤسساتية ذاتها التي اوصلتهم الي الميدان قبل احد عشر شهرا. وكان من بين المحتجين اثرياء مصريون، وليبراليون واسلاميون منبوذون. ويسود الشبان بينهم، الا ان نظرة متعمقة تكشف عن وجود اناس ابيض شعر رءوسهم. واذا صدق منتقدوهم في القول انه لا يمكن التفاهم معهم، فان ذلك لا يعود الا الي ان المحتجين قلما يتفقون فيما يصدر عنهم من اقوال، ويرفضون كالاطفال الاستماع الي صدي الرعاية للمؤسسة العتيقة. واذا كانت هناك روح توحد بينهم، فإنها الغضب المبرر تجاه تمسك المؤسسة برأيها. وكان استمرار تعامل الثقافة السياسية القديمة لحرية التعبير والمعارضة السياسية واضحا للغاية الشهر الماضي حين هاجم الجنود 10 جماعات تروج للديمقراطية، كانت ثلاث منها علي الأقل ممولة أمريكيا في القاهرة، إلي جانب منظمات غير حكومية أخري. كما قدمت الصورة المذلة «للمرأة ذات حمالة الصدر الزرقاء» وهي متظاهرة كانت عباءتها المتواضعة قد سحبت لتنكشف ملابسها الداخلية بينما كانت تسحل في الشارع، دليلا مخيفا علي أن الأساليب العنيفة لما قبل الثورة في مصر لم تقتلَع. وسيكون المجلس العسكري حكيما إن تذكر الصورة المرعبة لخالد سعيد بعد موته، وهو شاب مصري ضربته الشرطة بوحشية عام 2010 وعثر عليه ميتا بعد دقائق، وكانت تلك الصورة رمز جمع المتظاهرين الذين أسقطوا ديكتاتورا حكم لثلاثين عاما، ووزارة داخليته. ويبقي من غير الواضح من الذي يتحمل مسئولية مقتل المئات – ربما أكثر من 1000- من المتظاهرين منذ بدء الثورة المصرية، وقد حكم علي رقيب بالشرطة غيابيا. وفي غضون ذلك، أدت تبرئة ستة من ضباط الشرطة من تهمة قتل المتظاهرين الشتاء الماضي إلي إثارة العواطف المحلية، وسقط العديد من الضحايا الآخرين، منهم عشرات المصريين الذين جرحت أعينهم بإطلاق النار عمدا عليها برصاص مطاطي أو الكريات، منذ يناير الماضي. حتي الآن، وفي أكثر التحليلات تفاؤلا للأحداث، فقد أجلت الحكومة الانتقالية مساءلتها عن هذه الجرائم إلي أجل غير مسمي. وأدي غضب المتظاهرين المفهوم من تأخر العدالة إلي زيادة عدم ثقتهم في حكامهم المؤقتين. والنتيجة هي حلقة مفرغة من العنف تخلق دافعا أكبر للمجلس العسكري لتجنب المساءلة مستقبلا. وهذه هي بالتحديد الطريقة التي يولد بها التشاؤم في مصر من جديد. وإذا لم تكن القوي السياسية الحالية ستخطو بحذر، فإن الحكومة المنتخبة بحرية التي وعد بها المصريون في 2012 يمكن ان تواجه صراعا طويلا غير منتج علي السلطة مع المؤسسة العسكرية التي سيكون لديها أسباب كثيرة لتبقي دولة داخل دولة – ذات حكم ذاتي وبطريقة معهودة مقبضة، كياناً لا يمس. خبير في الشئون الاسلامية أستاذ مساعد في قسم الدراسات الاسلامية في جامعة بيوجيت ساوند في تاكوما بولاية واشنطن نيويورك تايمز - ترجمة داليا طه