ما أن تطأ قدماك ميدان التحرير لتفاجأ بأنك أصبحت جزءا من معركة يتساقط فيها الجرحي من الشباب ويفقد فيها المئات أرواحهم، آهات هنا وهناك وصراخ، أناس مختلفون عنا لا ييأسون ولا يملون ولا تتعبهم كثافة الغازات الخانقة أو بشاعة المشاهد. إنهم شباب مصر الذين أخلصوا فقدموا أرواحهم ودماءهم وكل ما يملكون بعيدا عن زخم الصراع في شارع محمد محمود.. تجد وجوها مشرقة معطاءة، وننقل لكم المشهد في السطور التالية. بدءاً بإغاثة في ثورة يناير من مصابين نادوا بأعلي صوتهم "اغيثونا" وامتدت لتكوين كتيبة من اطباء وملائكة الرحمة تطوعوا وتبرعوا.. تعرضوا للغازات والقنابل وعملوا في صمت ليكونوا أول مستشفي ميداني بمسجد عمر مكرم في ثورة يناير ومنها انطلقت لتكوين 6 مستشفيات ميدانية تسعف المصابين وتنقذ المرضي حتي سقطت منهم د.رانيا لتكون أول شهيدة من أطباء المستشفي الميداني، «روزاليوسف» اقتحمت هذا المستشفي وتابعت عن قرب ما فيه من كواليس إنسانية. أطباء من مختلف التخصصات يأتي علي رأسها تخصصات: جراحة ومخ واعصاب إضافة إلي أطباء العيون و التخدير والطوارئ، منهم من تطوع بساعات ومنهم من يقضي ليله ونهاره ليلبوا نداءات الاغاثة، ولم يكن الأطباء وحدهم ممن تواجدوا في المستشفيات الميدانية بل ساعدهم محامون ومحاسبون ومدرسون تطوعوا ليتدربوا للعمل ليساعدوا الأطباء وعلي الرغم من جهلهم التام بالإسعافات الأولية أو المامهم بالطب إلا أنهم اكتسبوا في ساعات كيفية إنقاذ مصاب التقطوا الخبرة حبا في انقاذ حياة مصري. دعوة شبابية للتطوع التقينا «أحمد منصور» - محام - الذي أشار إلي أنه ترك عمله وتفرغ للمعاونة في المتسشفي بعمر مكرم معللا ذلك أنه لن يفيد العمل وإخواننا يموتوا مضيفا أن مايحدث اشبة بمعركة حربية ونحن جنود نلبي نداء الواجب. واختتم حديثه داعيا كل الشباب للتطوع لأن هذه المستشفيات تحتاج عشرات من مساعدي الأطباء لأنهم يعملوا في ظروف عصيبة. منظم المستشفي: نعيش علي تبرعات أهل الخير ولا نقبل الأموال من جانبه أشار «د.محمد مصطفي» منظم مستشفي الميدان إلي أن وزارة الصحة ليس لها أي تمثيل رسمي فأين هي من المستشفي وإغاثة المصابين وكان الأولي أن تتواجد بشكل رسمي لتسعف المحتاجين وتمدنا بمتخصصين وأدوية لأننا كمستشفيات نعيش علي الإعانات من أهل الخير وأحيانا نظل لساعات دون أدوية ونستخدم الفيس بوك والرسائل لنجدتنا خاصة انه احيانا نستقبل حالتين كل دقيقة أي ما يقرب من 120 مصاباً كل ساعة ومعظمهم لا يتجاوز أعمارهم الثلاثين عاما وأضاف أن هناك شباباً من تايلاند وآسيا تطوعوا معنا كمساعدين لنا وبالفعل امدوا لنا خبراتهم. وأشار د.مصطفي إلي أننا كمستشفيات لا نقبل أي أموال من المتطوعين ونقبل الأدوية وتعتبر أدوية من البخاخات وموسعات الشعب وإسطوانات الأكسجين فضلا عن ادوات جراحة. شاركت مجموعات من الباحثين والأطباء، بالمركز القومي للبحوث، في المستشفي الميداني بالتحرير، فضلا عن تبرعات واشتروا بها أدوية ومستلزمات طبية، تم إمداد المستشفي الميداني به، كما يشارك الشباب في نقل المصابين وتنظيم الطريق لتسهيل مرور الحالات المصابة من شارع محمد محمود إلي داخل الميدان وصولا للمستشفي الميداني. طبيبة بالميدان: «أبناء بلدي بيتبهدلوا» وبوجه شاحب وعين متعبة وجسد منهك وقفت الطبيبة نيرفان فكري استشاري الجراحة العامة تفحص يد شاب دخلت بها رصاصة مطاطية وقالت بكل حزن: «أنا هنا لعلاج أبناء بلدي لأنهم بيتبهدلوا» فهي تعيش وتعمل بإحدي الدول الأجنبية وجاءت في إجازة قصيرة ولكنها لم تتمالك نفسها عقب الأحداث وقررت نزول المستشفي الميداني لعلاج المصابين حيث وجدت ما لا يسر علي حد وصفها. بينما كانت تتحدث د.نيرفان رن تليفونها كثيرا ورفضت الرد حيث أرباب عملها يطلبون منها العودة والتي تأخرت فيها بضعة أيام لأنها كما قالت بمنتهي البساطة لا يمكنها ترك أبناء بلدها في هذه الحالة الصعبة، وقالت إنها تعمل لمدة لا تقل عن 12 ساعة حيث اتفقت مع زملائها علي العمل بنظام المناوبة فقد كادت أن تسقط مغشيا عليها في أول أيام عملها بالميدان وهو يوم السبت من كثرة ما تعرضت له من إجهاد فاق قدرة جسدها. وأصرت خلال حديثها علي أن الغاز المستعمل الآن غريب من نوعه فالأعراض التي يسببها شديدة الصعوبة وحالات الاختناق التي تصل المستشفي المقام بمسجد عمر مكرم لا حصر لها، وعن الأدوات الطبية المتوفرة في هذا المستشفي البسيط قالت: «أهل الخير لا حصر لهم»، موضحة أن إحدي السيدات المقيمات في ألمانيا جمعت أموال تبرعات من المصريين المقيمين بها وقامت بشراء جهاز طبي غالي الثمن ليقوم بقياس حالة القلب وعرض صورة كاملة لها، كما تؤكد أن التبرعات الطبية لا نهاية لها ويقدمها أشخاص في منتهي البساطة لا يملكون سوي حب مصر. حكاية أم هدير وبناتها اعتادت أم هدير وابنتاها الكبري هدير والصغري لبني التطوع في المسجد المواجه لمنزلهن بمنطقة عين الصيرة وما أن بدأت الأحداث تشتعل سخونتها بميدان التحرير قررن جميعا النزول وكانت وجهتهن الأولي مسجد عمر مكرم والذي تطوعت فيه الأم وابنتاها للإشراف علي تنظيم وتوزيع مخزون الطعام داخل المستشفي الميداني المقام بمسجد عمر مكرم. تقول أم هدير إن تطوعها هو أقل ما يمكن تقديمه لإنقاذ أبناء بلدها حيث تحضر يوميا من منزلها في التاسعة صباحا وتأتي معها إبنتها الكبري التي أنهت لتوها دراستها الجامعية ولتلحق بهما الإبنة الصغري عقب انتهاء اليوم الدراسي لها فهي تدرس بالمرحلة الثانوية ويستمررن في العمل حتي أذان العشاء ليسلمن المناوبة لغيرهم. كل ما يتعب أم هدير هو آهات الألم التي تسمعها طوال اليوم والتي تحاول ألا تؤثر علي أدائها لعملها، حيث تقوم بعمل أكياس للوجبات الخفيفة تختلف حسب طبيعة الحالة المرضية وهو ما أوضحه لها أحد الأطباء المتطوعين وأكدت أنها لن تترك الميدان حتي تنصلح الأحوال وتتحقق مطالب المتظاهرين.