قبل أن يغادر الثوار ميدان التحرير بعد أن تحققت المطالب الرئيسية للثورة والمتمثلة فى إسقاط نظام حسنى مبارك بكل رموزه الفاسدة وحل مجلسى الشعب والشورى وتعطيل الدستور تمهيدا لتعديله قاموا بتفكيك معالم ووزارات دولتهم التى أقاموها فى ميدان الشهداء «التحرير سابقا» والتى لم تستغرق سوى 18 يوما فقط. فمن أجمل وأروع ما خلفته ثورة 25 يناير أنها أفرجت عن إبداعات عقول المصريين التى ظلت حبيسة فى غيابات ظلم وقهر ومعتقلات ونكبات ونكسات عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، فبعد الثورة بيومين وتحديدا يوم جمعة الغضب 28 يناير ذلك اليوم الذى لن تنساه مصر عسكر عشرات الآلاف من المصريين فى ميدان التحرير وأصبح الميدان قبلتهم ودولتهم، ومع انهيار دولة البطش ودولة الفاسدين ورجال الأعمال أقام المرابضون فى ميدان التحرير دولتهم بمعايير مختلفة تمام الاختلاف عن تلك الدولة التى أهانتهم خلال 30 سنة. دولة تقوم على العدل والمساواة، دولة مدنية تحترم كل الأديان، دولة جمعت بين جنباتها البسيطة والتى لا تزيد على عدة آلاف من الأمتار هى مساحة ميدان التحرير كل ألوان الطيف السياسى فى مصر بدون أى تشدد أو استعلاء من قبل اتجاه على أى اتجاه آخر، أقام المرابطون فى ميدان التحرير دولة محترمة لا يوجد فيها مكان للفتنة الطائفية ولا يوجد فيها مكان للتحرشات الجنسية دولة يسودها الحب ليلا والتكافل والإيثار نهارا. وبعد يوم الأربعاء الأسود الذى قام فيه بلطجية وعربجية النظام الحاكم بالهجوم على ميدان التحرير بالبهائم والجمال والمولوتوف والسنج أقام أهالى دولة ميدان التحرير الوزارات والأجهزة السيادية للدفاع عن دولتهم المحترمة لتضاف هذه الوزارات والأجهزة إلى باقى الوزرات الخدمية الموجودة فى الميدان مند اليوم الأول. أولا: الوزرارت السيادية: الدفاع: تحصينات وضباط استطلاع أبدع المرابطون فى ميدان التحرير فى الدفاع عن دولة الحق الوليدة التى حفروها بأظافرهم ورووها بدمائهم وضحوا بأرواحهم الطاهرة لكى تستمر، وعهد إلى الشباب المسئولين عن وزراة الدفاع فى دولة ميدان التحرير القيام بهذه المهمة ولأنهم خير أجناد الأرض وهم فى رباط إلى يوم القيامة استطاعوا بسرعة فائقة أن يخططوا وبسرعة أكبر أن ينفذوا المهام دون أن يجتمعوا فى مقر القيادة المركزية أو يعرضوا الأمر على وزير الدفاع فكل واحدا منهم كان وزيرا للدفاع وجنديا فى نفس الوقت فتمت إقامة متاريس أمامية وخلفية، اعتمدت فكرة إقامة المتاريس على مقومات بسيطة لم يستوردوا متاريس من خارج الميدان واعتمدوا على المواد الخام الموجودة فى ميدان التحرير ومنها صناديق القمامة وبعض ألواح الصفيح التى كانت موجودة فى الميدان منذ سنوات طويلة مع بعض الكتل الأسمنتية، كانت المتاريس فى البداية خلف دبابات ومجنزرات الجيش الموجودة فى ميدان التحرير ولكن حينما أغار البلطجية وأرباب السوابق وقناصة الحزب الحاكم على الميدان يوم الأربعاء وسقط شهداء وجرحى بعد معركة دامية قرر مسئولو وزارة الدفاع مد التحصينات العسكرية إلى الخطوط الأمامية فى كل مداخل ميدان التحرير لتفويت الفرصة على فلول البلطجية ومنعهم قهرا وقسرا من الاقتراب من الميدان فامتدت التحصينات العسكرية إلى كل المشارف فبعد أن كانت مقصورة على الميدان فقط انتشرت فى كل مكان وبدلا من الحاجز الواحد أصبح هناك اثنان وثلاثة وأربعة واتسعت مساحة الرقعة العسكرية لميدان التحرير ووصلت إلى الأوبرا ونصف شارع طلعت حرب ونصف شارع شامبليون ونصف شارع الفلكى وامتدت إلى ما بعد الجامعة الأمريكية والى ما بعد جامع عمر مكرم، وتبع هذه الخطوط الأمامية خطوط خلفية أخرى كثيرة بحيث إذا استطاع المخربون أن يهزموا المرابطين ويجبروهم على التراجع فلديهم من الخطوط الخلفية بدل الواحد عشرة. أما عن أسلحة المرابطين فى التحرير فأمضاها وأقواها سلاح الإيمان بالله والوطن والحرية والعدل وبعد يوم الأربعاء الأسود أضيف إلى هذا السلاح الطوب والحجارة ولأن الموجودين فى ميدان التحرير هم أذكى وأنقى وأطهر وأروع شباب مصر فإنهم استطاعوا بعقلية فذة أن يجعلوا من الحجارة قنابل وصواريخ فاقترح البعض أنه ولكى تكون الحجارة قوية ونافذة فى صدور المخربين فيجب أن تكون حلزونية وصغيرة حتى تغير اتجاهها فى الهواء فتصيب المخربين والبلطجية فى عيونهم مباشرة، واقترح آخرون ان يتم عمل خطوط أمامية وخلفية للحجارة لأنه حينما هاجم البلطجية الميدان هاجموه على غفلة ولم يكن فى حسبان المرابطون فى الميدان أى فكرة عن هذه المؤامرة ووقع ارتباك فى صفوف المرابطين فى البداية لأنه لم يكن لديهم أية حجارة للدفاع عن أنفسهم، ولكن منذ ذلك اليوم قرر المرابطون فى الميدان أن يأخذوا حذرهم وأن يجهزوا أسلحتهم فكونوا دوائر من الحجارة وضعوها فى صفوف أمامية وخلفية تحسبا لأى غدر حتى إذا ما نفذت الحجارة فى الخطوط الأمامية وجد المرابطون دعما من الحجارة من الخطوط الخلفية. الداخلية وأمن الدولة المضاد لمخبرى حبيب العادلى: على عكس وزراة الداخلية وجهاز مباحث أمن الدولة اللذين كانا عنوانا للظلم والطغيان واستغلال النفوذ فى عهد حبيب العادلى وغيره من وزارء الداخلية كانت وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة فى دولة ميدان التحرير مثالا للانضباط والفداء والسهر من أجل حماية الوطن، فلقد شكل المرابطون فى الميدان فرق أمن متطوعة لحراسة الميدان من جميع مداخله، فعلى الحواجز تجد شبابا يعتذر لك أولا عدة مرات ويطلب منك بابتسامة عريضة إظهار بطاقة الهوية، ثم يتركك لفريق أمنى آخر من المتطوعين ليستأذنك بكل هدوء وحب أن يقوم بتفتيشك، وبعدها تنتقل إلى فريق أمنى ثالث يقوم بتكرار نفس العملية لتجد نفسك فى النهاية فى قلب دولة ميدان التحرير وأنت آمن تماما على نفسك وعلى من معك فالتفتيش يتم بغاية الدقة ودون أن ينزعج منه أحد لأن رجال الأمن المتطوعين يقومون بهذه المهمة من أجل حماية الداخلين إلى الميدان لا يمارسون أعمالهم بنوع من الاستعلاء والتكبر والتجبر مثلما كان يفعل رجال حبيب العادلى، وعلى الجانب الآخر تظهر الشرطة النسائىة وتقوم مجموعة من المتطوعات بتفتيش السيدات بكل أدب وفى دولة ميدان التحرير يمكنك أن تكون ضابط شرطة فى أى لحظة بدون واسطة وبدون أن تدفع 200 ألف جنيه فقط قف بجوار المتطوعين الساهرين على المنافذ وقم بنفس ما يفعلونه وستجد نفسك ضابط شرطة فى التو والحال. وفى قلب الميدان ينتشر رجال جهاز أمن دولة ميدان الشهداء وفرق الاستخبارات للكشف عن المندسين من البلطجية والمخربين ومخبرى داخلية حبيب العادلى، وكما كان ضباط أمن الدولة فى وزارة الداخلية فى عهد حبيب العادلى أو غيره يعرفون المعارضين من الإخوان وغيرهم من وجوههم وسحنتهم فإن رجال أمن دولة ميدان التحرير كانوا يعرفون المخربين والمندسين والمخبرين بنفس الطريقة ولكن بسرعة أكبر وبذكاء أعلى، وكل ربع ساعة تجدهم قد ألقوا القبض على مندس فيأخذ قلمين على قفاه وبعدها يتم تسليمه سواء إلى الجيش أو إلى القيادات العليا لدولة ميدان التحرير للتصرف معه خصوصا إذا كان هذا المندس ضابط أمن دولة، ولقد ألقى المرابطون القبض على المئات من المخبرين وأمناء الشرطة وعددا من ضباط أمن الدولة الذين جاءوا إلى ميدان التحرير لارتكاب أعمال تخريبية وكانت معهم أسلحة وطبنجات. السلك الدبلوماسى: توضيح الحقائق للمراسلين ومن الوزارات السيادية فى ميدان التحرير وزراة الخارجية، وليس شرطا أن تكون ابن سفير أو وزير لكى تلتحق بالسلك الدبلوماسى فى دولة ميدان التحرير وليس شرطا أن تخوض الامتحان التحريرى والشفوى الذى تجريه خارجية أبوالغيط كل عام لتصبح سفيرا فى ميدان التحرير الشرط الوحيد لكى تصبح دبلوماسيا وسفيرا لمصر أمام كل دول العالم أن تحب مصر بشدة وأن تجيد الإنجليزية أو غيرها من اللغات و«خارجية» ميدان التحرير يعمل بها عدد من المتطوعين من الشباب والرجال ممن يجيدون التحدث بالإنجليزية والفرنسية والإيطالية وكل لغات العالم للتحدث مع المراسلين الأجانب ليوضحوا لهم حقيقة ثورة 25 يناير ومطالبها ومحاولات إجهاضها، ففى أحد أركان ميدان التحرير تجد شابا لم يتجاوز الثانية والعشرين يتحدث الإنجليزية بطلاقة مع مراسل إحدى محطات التليفزيون العالمية ويشرح كل تفاصيل الثورة وكل الأعمال الإجرامية والانتقامية التى تعرض لها شباب ورجال الثورة، وفى زاوية أخرى تجد رجلا فى أواخر الأربعينيات تبدو عليه الهيبة والوقار اكتشفنا بعد ذلك أنه قاض يقوم بنفس المهمة مع مراسل صحيفة النيورك تايمز الأمريكية، فتجد مراسل الصحيفة يصرخ فى التليفون بعدما استمع إلى شباب ورجال الثورة ويقول إن الهجوم على المتظاهرين فى ميدان التحرير جريمة حرب، ومع انتشار المراسلين الأجانب فى كل أرجاء ميدان التحرير تجد بجوراهم المئات من المتطوعين من أرقى شباب مصر يترجمون لهم ما يقوله أهالى دولة ميدان التحرير ويطلعوهم على الموقف بكامله. الإعلام: إذاعة بيانات الثورة بعيدا عن إعلام أنس الفقى المزيف والذى يقلب الحقائق فإن وزراة إعلام ميدان التحرير مختلفة تماما عن وزراة أنس الفقى، فحينما تأخدك قدماك إلى ميدان التحرير ستجد إعلاما حرا لا يخضع لرقابة أمن الدولة ولا أى أجهزة أخرى وليس شرطا لكى تظهر وتتحدث فيه أن تكون قريبا لأنس الفقى أو يكون مرضيا عنك من قبل أجهزة حبيب العادلى فقط كن صادقا وقل كلاما من القلب ستجد قناتين فى انتظارك، القناة الأولى وهى القناة الرئيسية ومنها تتلى بيانات الثورة وهى التى تقع أمام عم رمضان بائع الجرائد الأشهر فى ميدان التحرير وهى عبارة عن عدد من مكبرات الصوت وميكروفون يتحدث منه الجميع، من هذا الميكرفون تتلى بيانات الثورة ومنه تتم إذاعة الأخبار أولا بأول، وتحدث من خلاله نخبة من أهم رموز مصر من بينهم عمرو موسى والبرادعى وأحمد كمال أبوالمجد وحمدى قنديل وعلاء الأسوانى ورموز الإخوان والداعية صفوت حجازى وجمال زهران وبلال فضل والمئات غيرهم، وتحدثت عبر هذا الميكروفون أمهات الشهداء اللاتى أبكين بحديثهن عشرات الآلاف من المشاهدين والمستمعين فى ميدان التحرير، والتحدث عبر هذه الإذاعة ليس حكرا على أحد فقط سجل اسمك وحينما يأتى دورك يمكنك ان تخاطب العالم كله من قلب ميدان التحرير. القناة الثانية أو الإذاعة الثانية وهى فى الجهة المقابلة للإذاعة الأولى عبارة عن منصة ومجموعة من مكبرات الصوت وميكرفون وهى تشبه الإذاعة الأولى فى كل تفاصيلها ومن على منصتها يتحدث الجميع قد تشاهد حسين عبدالغنى مدير مكتب الجزيرة السابق وقد بح صوته وهو يصرخ «الشعب يريد إسقاط الرئيس»، وقد تجد الناشطة كريمة الحفناوى وهى تردد قسم الثورة ويردده وراءها عشرات الآلاف من المتظاهرين ويقول القسم «أقسم بالله العظيم ألا أغادر ميدان التحرير إلا بعد رحيل مبارك وتحقيق كل مطالب الثورة»، قد تجد فتاة إخوانية فوق المنصة تتحدث بكل طلاقة وقد تجد شابا يساريا يتحدث بكل طهارة ثورية، فكل المتحدثين فى وزراة إعلام ميدان التحرير موهبون محترفون صادقون. ثانيا: الوزرات الخدمية: الصحة: متطوعون للعلاج على نفقة الشعب لم تكن تحتاج إذا أصابك خدش أو جرح أو أى مكروه فى ميدان التحرير إلى اللجوء إلى عضو مجلس شعب لكى يتسول لك قرار علاج من حاتم الجبلى وزير الصحة أو أن تنتظر قرارات اللجنة الثلاثية ستجد مجموعة من أطهر الشباب يحملونك إلى أقرب عيادة من عيادات وزراة الصحة فى دولة ميدان التحرير وستجد هناك أطباء وطبيبات رائعين مهذبين لا ينامون ليلا ولا نهارا من أجل علاج جرحى ميدان التحرير لن يتقاضوا منك مليما واحدا فقط سيربتوا على كتفك قائلين: «ربنا يخليك لمصر»، ستجدهم سعداء بما يقدمونه لأهالى دولة ميدان التحرير، ستجدهم منتشرين فى كل مكان فى الميدان وبأقل الإمكانيات تجدهم قد أقاموا عيادة متنقلة بها كل شىء لإسعاف الجرحى ويكفيك أن تنظر فقط إلى وجوههم النضرة لتشعر بأنك قد شفيت من كل آلامك وأحزانك أيضا، منهم من يقوم بتخييط الجروح ومنهم من يقيس الضغط ومنهم من قد يجرى عمليات سريعة لوقف النزيف وكلمة السر «فى حب مصر». الثقافة: ضد وزير الحظيرة ومن الوزارات الخدمية التى كانت موجودة فى دولة ميدان التحرير وزارة التضامن وهى ليس لها وزير يخطط فالجميع هناك متضامنون متحابون متكافلون تلقائيا بدون قوانين وبدون وزراء. وهناك وزراة الثقاقة وهى أعظم آلاف المرات من وزارة فاروق حسنى الذى قرب إليه الفاسدين وأنصاف الموهوبين ممن يسمون أنفسهم أدباء وشعراء وأبعد وحارب الشرفاء من المبدعين وأدخل المثقفين إلى حظيرة النظام. ففى وزارة ثقافة ميدان التحرير ستجد بجوارك الفاجومى وبهاء طاهر وعلاء الأسوانى ويوسف القعيد وبلال فضل والعشرات غيرهم ستجدهم أشبه ما يكونون فى سوق عكاظ، ستراهم فى حلقات نقاشية وقد التف حولهم الشباب لا يتحدثون إلا عن أجمل لحظة إبداع فى تاريخ مصر وهى اللحظة الراهنة، ستجد شعراء يلقون بأشعارهم فى حب مصر وحب الثورة، وأحمد فؤاد نجم وهو محاط بالمئات من شباب مصر يحيطهم بدفء أشعاره ويحيطونه بنبل مقاصدهم. وستجد وزارة الأوقاف وخطاب دينى مستنير وشباب يسجدون على الأرض ويتحدثون مع فتيات غير محجبات بعد انتهاء الصلاة عن الحلم الذى تحقق ومصر التى تغيرت، ستجد المنتقبة وهى تعانق فتاة جميلة بدون غطاء رأس وستجد الملتحى يده فى يد الماركسى الجميع انصهروا فى دولة ميدان التحرير. البرلمان: المزورون يمتنعون ومن أهم مؤسسات دولة ميدان التحرير البرلمان بجناحيه الشعب والشورى ولن تجد فى ميدان التحرير نائبا واحدا من نواب الحزب الوطنى.. كل الموجودين هناك من الشرفاء الذين أسقطهم أحمد عز وحبيب العادلى فى الانتخابات ستجد من نواب الإخوان الدكتور محمد البلتاجى والدكتور فريد إسماعيل والدكتور أحمد أبوبركة ومن المستقلين سعد عبود وجمال زهران، لا يرأسهم سرور ولا يتآمر عليهم أحمد عز ولا يكتب ضباط أمن الدولة تقارير ضدهم يعيشون فى حرية كاملة ويمارسون حب مصر ليل نهار وعلانية مع أروع شباب مصر فى دولة ميدان الشهداء «التحرير سابقا».