هل كان للأقباط قبل ثورة 25 يناير دور مهم وتأثير قوي علي السياسة الخارجية المصرية، خاصة في أمريكا؟ أم كان الدور محدوداً في ظل هجوم أغلب رجال النظام السابق علي أقباط المهجر وسياسته في مناقشة أوضاع الأقباط في مصر، والأحداث الطائفية التي تقع بين الحين والآخر والتي كثرت أيام الرئيس المخلوع مبارك؟! أكدت العديد من الدراسات والأبحاث السياسية والإستراتيجية علي هذا التأثير، والدور القوي الذي يلعبه أقباط المهجر . وتنطلق الدراسة التي أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية من افتراض أن أقباط المهجر يمارسون تأثيرهم علي السياسة الخارجية المصرية بطريق غير مباشر من خلال الضغوط التي يمارسونها علي صانعي القرار في الدول الغربية والذين يمارسون بدورهم ضغوطاً علي صانع السياسة الخارجية المصرية، وتهدف الدراسة الإجابة علي عدد من التساؤلات التي تدور حول عوامل تصاعد دور أقباط المهجر والمنظمات القبطية الرئيسية بالخارج وآليات الاحتجاج التي يمارسونها وطبيعة المشكلات التي يثيرها هؤلاء الأقباط. فكان بروز دور أقباط المهجر متوقفاً علي عدد من العوامل التي ساهمت في تشكيل دورهم في السنوات الماضية كان أهمها عالمية حقوق الإنسان وتسارع ظاهرة العولمة بتداعياتها المختلفة وطبيعة المجتمعات الغربية والتي تتمتع بدرجة كبيرة من حرية الرأي والتعبير بالإضافة إلي تطور ظاهرة التوتر الطائفي في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات وتزايد الأهمية النسبية لقضية الأقباط علي أجندة السياسات الدولية. تقول إحدي الدراسات أن اتهام نظام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بالطائفية - كما يروي البعض - هو السبب الرئيسي لتصاعد دور نشطاء أقباط المهجر، وفي إطار هذا التحليل قال د. شوقي كراس إن السبب الرئيسي وراء إنشاء الهيئة القبطية الأمريكية: إني قمت برحلة إلي مصر عام 1972 وشهدت أحداث الخانقة الشهيرة وكانت سياسة السادات تبدو واضحة باللعب علي وتر الدين لصالح تثبيت دعائم حكمه، ثم تصاعدت بعد ذلك الأحداث في عهد السادات إلي أن وصل الأمر إلي حادثة حجز البابا في الدير وهي كلها أحداث ملتهبة أشعلت بدورها دور أقباط المهجر. علي أية حال.. منذ عام 1992 وبعد صدور إعلان الأممالمتحدة لحماية الأقليات برزت قضية الملل والأقليات خاصة في ضوء رغبة بعض الدول الكبري في وضع قضية الأقباط علي الأجندة الدولية تزايدت الأهمية النسبية لدور أقباط المهجر من حيث كونهم مصدراً رئيسياً للمعلومات عن قضية الأقباط لكافة الهيئات الدولية، ووجودهم بالفعل في الغرب واتصالهم الدائم بنشطاء حقوق الإنسان الدوليين. تنظيمات المهجر التنظيمات القبطية في المهجر يصعب حصرها لكن هذا لا يمنع من الرجوع إلي نماذج محددة لأهم هذه التنظيمات وهي جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات الدراسات القبطية وجمعيات الخدمات الاجتماعية والكنسية في المهجر. يأتي في أول هذه النماذج الاتحاد القبطي الدولي تقرر إنشاؤه في المؤتمر العالمي للهيئات القبطية في 11 أكتوبر 1997 حيث اجتمع مندوبون من جميع الهيئات القبطية في العالم في ولاية نيوجيرسي الأمريكية فحضر المؤتمر مندوبو دول ألمانيا وفرنسا وإنجلترا واستراليا وكندا وجميع الهيئات القبطية في جميع الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويضم الاتحاد الدولي عدداً من الهيئات القبطية يتمثل أهمها فيما يلي: الهيئة القبطية الكندية التي تأسست في 2 / 2 / 1969 وهي هيئة مستقلة عن الكنيسة تعمل بالتعاون والتنسيق التام مع باقي الهيئات القبطية الأمريكية والأوروبية والاسترالية. وتعتبر الهيئة القبطية الكندية أول هيئة قبطية تؤسس في بلاد المهجر وكانت تصدر مجلة كل ثلاثة أشهر تحت اسم «الرسالة القبطية» وظلت تصدر حتي يناير 1974 ثم توقف عن الصدور لأسباب مالية وأعيد إصدارها مرة أخري في فبراير 1998 . يأتي بعد ذلك الهيئة القبطية الأمريكية» التي تأسست عام 1972 . و«الهيئة القبطية البريطانية» إحدي منظمات أقباط المهجر التي بدأت كعضو في الاتحاد القبطي الأوروبي وذلك تمهيداً لإنشاء الاتحاد القبطي الدولي كمظلة لكل الهيئات القبطية. وقد أعيد تأسيسها قانونياً في بداية عام 1996 ولأول مرة يكون الرئيس الشرفي لإحدي الهيئات القبطية ليس مصرياً وهو عضو مجلس اللوردات البريطاني «ديفيد التون» والرئيس الفعلي هو د. حلمي جرجس. يأتي في المستوي الثاني من تلك المنظمات هي المنظمة المصرية الكندية لحقوق الإنسان، تأسست عام 1996 طبقاً للقانون الفيدرالي لكندا كمنظمة غير هادفة للربح. يليها منظمات قبطية راديكالية في المهجر ويندرج تحتها الاتحاد القبطي الأمريكي الذي أسسه المهندس المصري رفيق اسكندر الحاصل علي درجة البكالوريوس في الهندسة جامعة أسيوط ويصدر الاتحاد القبطي جريدة غير دورية تسمي «صوت مصر الحر». كما يستأجر الاتحاد قناة تليفزيونية لعدة ساعات شهرياً يعرض من خلالها مشكلات الأقباط. أضف إلي ذلك الائتلاف القبطي المسيحي الذي أسسه د. عصمت زقلمة طبيب بشري، وكان في البداية شريكاً مع رفيق إسكندر ثم انفصلا ليكون كل منهما منظمته الخاصة به. ويصدر الائتلاف جريدة متطرفة صدرت في عام 1996 اسمها «صوت الأقباط» ويؤكد عصمت زقلمة أن منظمته عبارة عن مؤسسة قبطية عالمية لها عدد كبير من الفروع وتنطلق رؤية رفيق اسكندر من محاولة جادة للحصول علي أرض قبطية في مصر. البابا شنودة الثالث قال في أحد حواراته حول أقباط المهجر «ما من مرة أسافر فيها إلي واشنطن أو نيويورك إلا وأجد باسمي في الفندق مظروفاً فيه مجموعة من مطبوعات علي ورق فاخر تتحدث كلها عن اضطهاد الأقباط في مصر حتي يخيل إلي من يقرؤها أنها تتحدث عن مصر أخري وغير مصر التي نعرفها ونعيش فيها ويبدو أن وراء هذه المطبوعات منظمة أو منظمات وما أكثرها في أمريكا. وفي إحدي المرات في عام 1992 نقلت وكالات الأنباء العالمية أن شخصاً مصرياً مقيماً في ألمانيا يسمي فايز نجيب أعلن عن قيام حكومة قبطية في المنفي من أجل إقامة الدولة القبطية المستقلة. وكتبت صحيفة الفرانكفونية اللجمنية الألمانية في عددها الصادر بتاريخ 29 أغسطس 1992 «الأقباط في مصر يريدون تأسيس دولة خاصة لهم علي النيل. ولكن بعد ثورة 25 يناير خرج أقباط المهجر في أغلب الدول الأوروبية وأمريكا ليعلنوا عن سعادتهم وفرحتهم لسقوط مبارك الذي اعتبروه مستغلاً القضية القبطية في الضغط علي الكنيسة وقال أحدهم: «إن سقوط مبارك أسعدنا لأنه كان أسوأ رئيس جاء لمصر ونأمل في رئيس يدافع عن كل المصريين في الداخل والخارج. «مهجر ما بعد الثورة» بعد 25 يناير وسقوط مبارك عقدت ندوة «رؤية أقباط المهجر للتحول الديمقراطي بعد ثورة 25 يناير»، والتي نظمتها جمعية تواصل للدراسات والتنمية وذلك في إطار الحلقة الثانية من منتدي تواصل للحوار الوطني، وأدارها يسري عزباوي، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وأوضح نبيل عبد الملك رئيس المنظمة المصرية الكندية لحقوق الإنسان أن أقباط المهجر جزء من الجماعة الوطنية المصرية، وأنهم يعملون في إطار التوافق الوطني العام بعد ثورة 25 يناير، مشيراً إلي أهمية حل جميع المشاكل التي يعاني منها أقباط الداخل حتي يتفرغ أقباط المهجر لمساعدة عملية التنمية الشاملة في مصر. وأشار إلي أن مصر الآن تحتاج نظاماً رئاسياً برلمانياً مختلطاً يكتفي فيه الرئيس بدور المنسق بين السلطات الثلاث في المجتمع ويكون للبرلمان الحق في طلب سحب الثقة من الحكومة. وانتقد «عبد الملك» أحد نشطاء أقباط المهجر قانون مباشرة الحقوق السياسية الجديد مطالباً المجلس العسكري بتخصيص ثلثي مقاعد مجلس الشعب للقوائم الحزبية لتشجيع العملية الديمقراطية في البلاد في ظل سيطرة رأس المال وشراء الأصوات من جانب المرشحين في الانتخابات الأخيرة. وحول بعض التصرفات غير المسئولة من بعض قيادات أقباط المهجر قال «عبد الملك» «إذا كان في أقباط المهجر واحد مجنون فال99% الباقون «عقلاء».. مشيراً إلي أن جماعة الإخوان المسلمين تشهد تغييرات إيجابية بعد الثورة.. وأن قطاعاً كبيراً من أقباط المهجر علي استعداد للحوار معها للوصول إلي توافق وطني حول القضايا الرئيسية المثارة في المجتمع، موضحاً في الوقت ذاته بأنه يوجد تنسيق كبير مع التيار الليبرالي المصري لضمان التزام الجماعة وحزبها السياسي المرتقب بالتطبيق الأمين لمفهوم ومبادئ المواطنة.