تحظى رحلة العائلة المقدسة فى مصر ومحطاتها بأهمية كبرى من الناحية التاريخية والدينية والأثرية والذى تتفرد بها عن سائر بلدان العالم، وتتضمن مجموعة من المزارات الدينية التى يبحث عنها قاصدى السياحية الدينية العالمية، وتكتسب قيمتها العالمية الاستثنائية من مباركة السيدة العذراء والسيد المسيح لها،كما أن محيط هذه المواقع الأثرية يعبر عن تراث ثقافى روحانى،وقد زارت العائلة عدة مدن مصرية نرصدها فيما يلى.. شجرة مريم بالمطرية دواء شاف لجنود الحملة الفرنسية قبل 220 عاما
تعد شجرة مريم فى المطرية من أبرز محطات مسار العائلة المقدسة فى مصر،خاصة أنها عبر التاريخ ظلت مثار روايات وقصص لا تخل من حقائق عن معجزات هذه الشجرة، وواحدة من هذه القصص أبطالها جنود الحملة الفرنسية التى قام بها نابليون بونابرت على مصر والشام «1798-1801م». القصة أخبرنا بها أحمد السيد المدير الحالى لسور مجرى العيون ومدير شجرة مريم سابقا، حيث قال أن الشجرة طوال تاريخها كانت محط أنظار الجميع سواء مصريين أو أجانب،هناك العديد من الصور التى توثق زيارة جنود انجليز وجاليات انجليزية لشجرة مريم فى نهاية القرن ال19. وقال: خرج الموكب المقدس ليخطو داخل أرض مصر المباركة، وليكتب التاريخ أن منطقة المطرية كتب لها أن تحتضن هذه العائلة المقدسة، وليخرج من باطن الأرض لهذه المنطقة أطهر ما استظلت به عائلة فى التاريخ وهى شجرة مريم المباركة، وقد كانت لها من المعجزات ما جعلها قبلة للجميع، سواء من أبناء هذه الأرض أو من غيرهم. وتابع: تذكر الروايات التاريخية الموثقة بحروف أسماء رجال وجنود الحملة الفرنسية على الشجرة، أنهم حينما ضاقت بهم سبل العلاج من امراضهم خاصة الجلدية، لم يجدوا الشفاء إلا فى احضان شجرتنا المباركة، فكان لحاء هذه الشجرة هو الدواء الشافى لهم من الأمراض التى أصيبوا بها بعد معركة عين شمس والتى سقطوا فى حبال المرض بعدها. وأضاف: هل يوجد غير شجرة مريم للاستشفاء؟.. كان هذا السؤال هو حال لسانهم حينها بعد ما سمعوه عنها، فساروا إليها متوسلين لله أن يشفيهم ببركة الشجرة المقدسة وكان لهم ما كان، فاقسموا أن يحفروا أسماءهم على جزوع الشجرة، لتكون دليلا على تاريخ هذه الشجرة التى أظلت العائلة المقدسة فى يوم ما، وشاهدة على فرحة شفاء هؤلاء الجنود ببركة شجرة مريم المقدسة.
حظت سيناء على مر التاريخ بالكثير من نقاط التميز على جميع المستويات، كما أنها شرفت بكونها المدخل الذى عبرته العائلة المقدسة إلى مصر،والتى ضمت السيدة العذراء، وابنها المسيح طفلًا ودليلهما فى الرحلة القديس يوسف النجار، وهناك مزيد من تفاصيل عن هذا الشرف الذى حظيت به سيناء، وقد كشفه لنا خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوبسيناء. وقال ريحان: استغرقت الرحلة ثلاث سنوات و11 شهر وقطعت بمصر 2000كم ذهاب وإياب، وقد جاء السيد المسيح وعمره أقل من عام أى جاء مصر طفلًا وعاد صبيًا. وأشار ريحان إلى مسار الرحلة بسيناء بالأسماء القديمة والحالية، حيث بدأت من «رافيا» رفح، رينوكورورا «العريش» أوستراكين «الفلوسيات»، القلس «تل المحمدية» بيلوزيوم «الفرما»، وكانت محطات ومراكز أنشطة تجارية محلية وبعضها موانئ مهمة، وبعضها نقاط عسكرية لحماية قوافل التجارة وبعضها نقاط جمارك،وقال إن رفح كشف بها عن أعمدة من الجرانيت الأسود وكسر من حجارة البناء الصلبة وكسر آنية الفخار والزجاج على أنواعها والفسيفساء وهرّابات الماء وقطع النقود الفضية والنحاسية من عهد الرومان والبيزنطيين والعصر الإسلامى.
دير المحرق حافظ عليها المسلمون ولم تمس كنائسه يحمل دير المحرق خصوصية مهمة فى المحطات التى يتضمنها مسار العائلة المقدسة فى مصر، خاصة أنه كان آخر المحطات قبل العودة مرة أخرى، فبعد ان ارتحلت العائلة المقدسة من قر ية مير اتجهت الى جبل قسقام وهو يبعد 12كم غرب القوصية، ويعتبر الدير المحرق من اهم المحطات التى استقرت بها العائلة المقدسة، ويشتهر هذا الدير باسم «دير العذراء مريم»، وتعتبر الفترة التى قضتها العائلة فى هذا المكان من اطول الفترات ومقدارها «6 شهور و10 أيام. من جانبه قال الدكتور عبدالرحيم ريحان خبير الآثار ومدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوبسيناء أن دير المحرق بالقوصية يعد محط أنظار العالم كنهاية محطات الرحلة، ويضم كنيسة السيدة العذراء التى تضم البيت الذى عاشت فيه العائلة المقدسة، وبقى البيت على مساحته ثم تحول فى العصر المسيحى المبكر إلى كنيسة، والتاريخ يشهد على أن هذه الكنيسة كان لها احترام حين دخول الإسلام مصر وحافظ عليها المسلمون، ولم تمس بأى سوء شأن كل الآثار السابقة على الإسلام.
خطة لتطوير محطات المسار فى 12 محافظة أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوبسيناء أن الدولة على أعلى المستويات والوزارات المعنية بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية تولى اهتمامًا كبيرًا بأعمال تطوير وتنمية مسار العائلة المقدسة والمناطق حولها، بتطوير شبكات البنية الأساسية وتمهيد الطرق وتأمينها وتزويدها بالخدمات السياحية المختلفة، والتعريف بأهمية تنمية هذا الطرق كطريق للحج المسيحى يحظى باهتمام 2.3 مليار مسيحى فى العالم علاوة على عددًا كبيرًا من المسلمين بكافة أنحاء العالم. وقال ريحان أن الأمور تسير فى عدة اتجاهات، الأول ثقافى باعتبار مسار العائلة المقدسة بمصر قيمة عالمية وتستحق التسجيل تراث عالمى باليونسكو، لذا قامت وزارة الآثار بإعداد ملف لتسجيل أديرة وادى النطرون وهى المنطقة الثالثة التى عبرتها العائلة المقدسة بعد سيناء والدلتا تراث عالمى باليونسكو، وتم الانتهاء من الملف وتسليمه، كما تقوم لجنة خاصة مشكلة من وزارة الثقافة والسياحة والآثار والخارجية والداخلية والتعاون الدولى بإعداد ملف خاص بتسجيل التراث اللامادى المرتبط بالعائلة المقدسة، والذى يشمل الحكايات والعادات والتقاليد الشعبية المرتبطة بالرحلة وقد أوشكت على تسليم الملف. والإتجاه الثانى سياحى ويجرى العمل قيه على جميع الأصعدة، لتهيئة مناطق تكون مؤهلة كاملًا للزيارة، وهى منطقة مصر القديمة وشجرة مريم ووادى النطرون وجبل الطير بسمالوط بمحافظة المنيا ومنطقة درنكة بأسيوط ودير المحرق، وفى نفس الوقت تقوم كل المحافظات التى تضم آثارًا ومواقع باركتها العائلة المقدسة وتشمل 12 محافظة مع الجهات المعنية بتطوير باقى المناطق وتنمية المواقع المحيطة بها وتطوير البنية الأساسية. وطالب ريحان بتنمية وتطوير كل أنواع السياحة بمسار العائلة المقدسة، حتى لا تقتصر الرحلة على زيارة مواقع معينة كسياحة دينية، بل يجب أن نأخذ السائح فى رحلته إلى كل مواطن الجمال ومقومات السياحة فى 12 محافظة سيزورها أثناء الحج وتشمل السياحة الثقافية، ففى القاهرة يجب أن توجه الشركات السياحية أنظار الحجاج إلى زيارة الأهرامات والقاهرة الإسلامية، وفى المنيا زيارة الأشومنين وآثارها المصرية القديمة وهكذا كل المحافظات، كما تجب تنمية أنواع السياحات الأخرى مثل السياحة العلاجية، ففى القاهرة منطقة حلوان كسياحة استشفائية والسياحة النيلية وركوب مراكب نيلية، ليسير السائح من القاهرة إلى الدير المحرق فى نفس الرحلة التى عبرتها العائلة المقدسة. كما طالب ريحان بربط كل معالم السياحة الدينية بمصر والتى لا تضم مسار العائلة المقدسة فقط، بل تضم طريق الحج المسيحى الوحيد فى العالم منذ القرن الرابع الميلادى، وهو الحج إلى جبل سيناء المقدس ومنه إلى القدس وهو طريق معروف له محطات واضحة كشفت عنها وزارة الآثار، ويمتد من الإسكندرية من منطقة دير مار مينا الشهير المسجل تراث عالمى باليونسكو منذ عام 1979، وعبر نهر النيل إلى حصن بابليون ومنه بريًا إلى سيناء وعبور منطقة عيون موسى الشهيرة إلى وادى فيران أقدم كاتدرائية بسيناء قبل إنشاء دير سانت كاترين. ثم إلى جبل سيناء حيث أشهر أديرة العالم ملتقى الأديان الذى يجمعها فى بوتقة واحدة، تتمثل فى جبل موسى وشجرة العليقة المقدسة الذى ناجى عندها نبى الله موسى ربه ودسر سانت كاترين والجامع الفاطمى داخل الدير، وهذا الطريق استقبل كل حجاج العالم من جميع الجنسيات عبر العصور، وما زالت حتى الآن تأتيه رحلات حج من أوروبا وأفريقيا والعديد من الدول، وكان يحج إليه الرئيس الفرنسى الأسبق ميتران سنويا ويظل لمدة كبيرة فى الدير. وكشف ريحان أنه هناك كنيسة حديثة ببرشلونة زارها بنفسه مبنية فى هذا القرن يطلق عليها العائلة المقدسة، وتحقق نسبة زيارات سياحية تفوق كل النسبة التى تدخل مصر سنويًا، فما بالك بمصر نفسها التى استضافت العائلة المقدسة وباركت أرضها، وكم من عدد منتظر من السياح سيزورها سنويًا، خاصة أن مصر مؤهلة لاستقبال 40 مليون سائح مع النهضة السياحية التى تشهدها حاليًا، والاكتشافات الأثرية المتوالية وتكاتف كل أجهزة الدولة لتطوير منظومة البنية الأساسية ليس بشكل مؤقت بل إصلاح جذرى، وهى السياسة التى تسير عليها الدولة فى هذه المرحلة، وبدأنا نشعر بنتائجها على المستوى الدولى. فقد وصلت مصر إلى المركز الثامن عالميًا فى الدولة الآمنة فى العالم مما يدفع كل دول العالم لزيارتها، وحققت تقدمًا ملموسًا على المستوى الأفريقى والعربى والآسيوى والأوروبى.
الآثار: تراث دينى عالمى تتفرد به مصر عن سائر الدول
قال الدكتور خالد العنانى وزير الآثار أن دخول العائلة المقدسة مصر له أهمية تاريخية و دينية كبيرة لدى المصريين، كما انها تعد من التراث الدينى العالمى الذى تتفرد به مصر عن سائر بلدان العالم، وبفضلها تبوأت الكنيسة القبطية المصرية مكانة دينية خاصة بين الكنائس المسيحية فى العالم، لارتباطها بهذه الرحلة المباركة لارض مصر الغالية. وتابع وزير الأثار: على مدار اكثر من ثلاثة أعوام و نصف العام باركت خلالها العائلة المقدسة اكثر من 25 بقعة فى ربوع مصر المختلفة تحمل ذكراهم المعطرة، حيث تنقلت العائلة المقدسة بين جنباتها من ساحل سيناء شرقا إلى دلتا النيل حتى وصلت إلى أقاصى صعيد مصر. وقال:ومنذ فجر التاريخ وحتى الآن مصر كانت وستظل حصنا منيعا، وملاذا آمنا لكل من أراد الاحتماء بها، حيث جاء اليها نبى الله إبراهيم و يوسف ثم أباه يعقوب عليهما السلام، وولد وتربى على ارضها موسى عليه السلام، وجاء اليها يوسف النجار مع السيدة العذراء البتول وطفلهما فى رحلة مقدسة،هربا من طغيان الملك هيرودس. وكشف وزير الأثار أن الإهتمام الذى توليه الدولة والحكومة وأجهزتها المختلفة بمسار العائلة المقدسة، تترجمه وزارة الأار لخطوات وإجراءات عملية، حيث قامت الوزارة بترميم وافتتاح العديد من المواقع والكنائس والأديرة الاثرية على مسار رحلة العائلة المقدسة. ففى عام 2015 تم افتتاح الكنيسة المعلقة بمصر القديمة بعد الانتهاء من ترميمها، كما تم الانتهاء من أعمال ترميم كنيسة العذراء مريم والشهيد ابانوب بسمنود و افتتاح مغارة و كنيسة ابى سرجة بمصر القديمة عام 2016، بالاضافة الى ترميم اجزاء من أديرة وادى النطرون الأربعة،وجارى حاليا ترميم و تأهيل كنيسة السيدة العذراء بجبل الطير بالمنيا،كما تم اصدار كتالوج بالغتين العربية والإنجليزية لتوثيق مسار العائلة المقدسة والمواقع الاثرية التى مرت عليها الرحلة. وأكد العنانى أن وزارة الاثار تعمل حاليا عبر لجنة قومية شكلتها من خبراء من كل الجهات المعنية، على إعداد ملف لتقديمه الى منظمة اليونسكو،لتسجيل مسار رحلة العائلة المقدسة على قائمة التراث العالمى اللا مادى، وتسجيل أديرة وادى النطرون الأربعة على قائمة التراث العالمى المادى.
عبداللطيف: وضعها على خريطة السياحة العالمية ضرورى
أكد الدكتور محمد عبداللطيف أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابقه على أهمية توثيق محطات مسار رحلة العائلة المقدسة فى مصر،مثمنا جهود وزارة الآثار لعمل ذلم، تمهيدا لوضعها على قائمة التراث العالمى لليونسكو. وكشف أنه من أبرز جهود هذا التوثيق إصدار وزارة الآثار كتالوج باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان»محطات من رحلة العائلة المقدسة فى مصر»، للتعريف بالأماكن التى زارتها العائلة المقدسة فى مصر، حتى تأخذ تلك مكانها اللائق بين المزارات الأثرية الدينية السياحية داخل مصر وخارجها على المستوى العالمى. وزارة الآثار أعلنت عن إصدار الكتالوج منذ فترة، وعبد اللطيف هو الذى أشرف على إعداد هذا الكتالوج مع فريق من الباحثين الشباب المتميزين بوزارة الآثار، منهم د.أحمدالنمر، وعمرو عبدالكريم. وأوضح عبداللطيف أن العائلة المقدسة لم تستقر فى مكان واحد فى مصر إنما تنقلت بين جنباتها من ساحل سيناء إلى دلتا النيل حتى وصلت إلى أواسط الصعيد، حيث دخلت إلى مصر عن طريق صحراء سيناء من جهة العريش والفرما، لترتحل إلى العديد من المدن المصرية، التى قسمتها المصادر الدينية والتاريخية القبطية إلى ثلاث مراحل. وقال إن المرحلة الأولى «العريش – الفرما – تل بسطة – مسطرد – بلبيس – مدينة سمنود – سخا – وادى النطرون»، والثانية»المطرية – بابليون بمصر القديمة – منف – المعادى»،والثالثة» البهنسا – جبل الطير – الاشمونين – فيليس – قسقام – مير – جبل قسقام – جبل درنكة». وقد أقامت العائلة المقدسة فى بعض المدن أسبوعا أو بضعة أيام، وفى مدن أخرى شهرا أو أكثر وكانت أطول مدة قضتها هى فى جبل قسقام، حيث قضت 185 يوما، واستمرت العائلة المقدسة فى مصر حوالى أربع سنوات إلى أن مات «هيرودوس» الملك وحكم بدلا منه «أرخيالوس». وشدد عبداللطيف على أن الحدث فرصة عظيمة للاحتفال بمسار العائلة المقدسة طوال العام، والتى فرت من بيت لحم فى فلسطين خوفا من مطاردة الرومان لهم، ودخلوا مصر من العريش حتى دير المحرق فى أسيوط أقصى عمق صعيد مصر،ومروا على نقاط كثيرة جداً فى الذهاب، واختلفت هذه النقاط فى العودة. وتابع: إذا لدينا نقاط ومحطات كثيرة جدا يمكن استغلالها، وفى كل نقطة لمدة يوم أو يومين تقام احتفالات وفعاليات،مع وضع هذه النقاط على خريطة السياحة دون التقيد بتوقيت وتستمر طوال العام، مع الترويج لهذا عالميا مما يحقق مردودا إيجابيا لمصر والسياحة فيها، خاصة أن مسار العائلة المقدسة له مكانة كبيرة فى نفس كل مسيحى ومسلم، ولا بد من وجود خدمات للسائحين فى هذه الأماكن لتحقق العائد منها.