صانع الضحكة الساخرة التى تحمل الكثير من العمق والحكمة؛ لا يضحكك لمجرد إدخال السرور والبهجة على قلبك بل يضحكك كى تتوقف وتتذوق معنى وطعم هذه الضحكة المتأنية؛ التى كلفته الكثير من الوقت والتفكير لغزلها وصناعتها فى قالب مسرحى نادر وغير متكرر؛ الكاتب الكبير «لينين الرملى» اتخذ من الكتابة المسرحية طريقا للنقد والتأمل نقد الواقع والتنبؤ بالمستقبل ولم يخطئ حدسه قط فى أمر تنبأ به إلا وحدث كما تنبأ؛ ففى أحداث يناير وبعد تولى الإخوان المسلمين السلطة أكد الرملى فى حواراته الصحفية أن هذا ما كتبه تحديدا فى مسرحيته الأشهر «أهلا يا بكوات» والتى تنبأ فيها بأن المستقبل يرتد إلى القرون الوسطى لأن الإخوان إذا تولوا الحكم سيعودوا بنا إلى القرون الوسطى؛ لم يؤلف كى تضحك بل ألف كى يدعوك للتفكر والتأمل؛ أضحك الجمهور مرات ومرات لكن فى كل مرة غزل هذا الضحك بأفكار اجتماعية وفلسفية كثيرة؛ مؤلف بدرجة فيسلوف يندر وجود مثله، قادرا على صناعة عمل مسرحى أو سينمائى اجتماعى يحمل من المتعة والتسلية بقدر ما يحمله من فكرة وتورية للعديد من الآراء والوعى بالحاضر والمستقبل؛ راهن على أن يأتى الجمهور من أجل كاتب العرض وليس حبا فى نجم العرض فصنع للمؤلف قدسية ونجومية خاصة ربما لم تتكرر كثيرا مع الكتاب خصوصا بمجال المسرح أن يعى الجمهور مكانة كاتب النص وتميزه فيذهب لمشاهدة عرضه دون الالتفات للبطل.■ ■أدرك الرملى مبكرا حساسية الفترة والظرف الاجتماعى والسياسى الذى تعيشه مصر منذ سبعينيات القرن الماضى وبدأ يلعب فى عروضه لعبة الحاوى الذى يمرر العديد من الأفكار الهامة والدسمة الضمنية ضمن أعمال مسرحية تبدو فى ظاهرها كوميدية اجتماعية لكنها تحمل فى طياتها فلسفات وأفكارا شديدة العمق والتشريح لحاضر ومستقبل مجتمع عاش الكثير من الحروب الأيديولوجية، ولد الرملى فى 18 أغسطس 1945 وبدأ عهده بالكتابة المسرحية عام 1973 والده فتحى الرملى انتمى لليسار وعمل بالصحافة وكذلك والدته سعاد الزهير التى عملت بمجلة «روزاليوسف» وسعت لنشر أول أعمال ابنها القصصية بمجلة صباح الخير ووقتها طالبه صلاح جاهين بضرورة تغيير اسمه لأنه يشكل أزمة مع الرقابة لكنه رفض وكان يردد دائما «أن أتنازل عن اسمى يعنى أننى تنازلت عن نفسى».. تمسك الرملى باسمه برغم صغر سنه وقتها وأعتز به كثيرا فى حين أنه كان يشكل له عائقا وأزمة رقابية دائمة سواء فى الصحافة أو التليفزيون إلى أن اعتاد الوسط المسرحى والفنى عليه وكان يذكر دائما أن انتماءات والده اليسارية بالقطع أثرت بشكل كبير على اختيار اسمه واسم ابن عمه الذى اقترح أبوه على والده أن يسميه «ستالين» ثم أطلقنا على ابن عمى الثانى اسم «مولوتوف» كى تكتمل العائلة؛ وأصدرنا معا جريدة ونحن لم نزل اطفالا وكتبت أسماءنا عليها «لينين» و»ستالين» و«مولوتوف» ومازلت احتفظ بها حتى الآن»■ ■ كتب الرملى العديد من الأعمال المسرحية الهامة للقطاع الخاص الذى تحول على يديه إلى قطاع صاحب قضية لأن كاتبه مهموم بقضايا كبرى، فكان ما يشغله دائما أزمة انحدار الوعى التى يعيشها المجتمع وتراجع التفكير فى تحليل ووزن الأمور وبالتالى كانت أعماله بلا استثناء دعوة للتأمل وتحليل الواقع وربطه بالماضى حتى نخرج بنتيجة جديدة تساعدنا وتمكنا من رؤية المستقبل ببصيرة واضحة كان أبرز هذه الأعمال «أهلا يا بكوات» التى كتبها فى ثمانينيات القرن الماضى وعرضت بالتسعينيات ثم أعيد عرضها عام 2006، «وداعا يا بكوات»، «بالعربى الفصيح» وكان لهذا العمل على وجه التحديد أثر بالغ بمصر والعالم العربى وأعيد عرضه عشرات المرات داخل وخارج مصر، «انتهى الدرس يا غبي»، «الهمجى»، «سك على بناتك»، «عفريت لكل مواطن»، «أنت حر»، «تخاريف»، «وجهة نظر»، «سعدون المجنون»، «على بيه مظهر»، «اعقل يا دكتور»، «الحادثة»، «تحب تشوف مأساة»، «اخلعوا الأقنعة»، «حصاوى وأيامه»، «وهم الحب»، «ذكى فى الوزارة»، «فى بيتنا شبح»، «اضحك لما تموت»، توليفة خاصة جدا استطاع الرملى تقديمها للقطاع الخاص والعام فى أعماله المسرحية عروض لا تخلو من المتعة والضحك ثم الدعوة للفكر والفلسفة والتحريض على تغيير وجدان المجتمع وذائقته الفنية فى استقبال العروض أو الفن بشكل عام سواء مسرح أو سينما أو دراما تليفزيونية التى قدم لها أيضا «هند والدكتور نعمان»، «حكاية ميزو»، «مبروك جالك ولد»، وللسينما كتب «العميل رقم 13»، «الإرهابى»، «النعامة والطاووس»، «بخيت وعديلة1»، «بخيت وعديلة 2»، «البداية».■ ■عاش الرملى ثلاث مراحل فى حياته مرحلة القطاع الخاص مع الفنان محمد صبحى ثم مرحلة ما بعد صبحى والتى تمثلت فى كتاباته لمسرح الدولة ولفرقته الخاصة التى ألفها من شباب جدد قدم بهم عروضا متنوعة فى أماكن متفرقة ما بين القاهرةوالإسكندرية؛ بمسرح الجامعة الأمريكية وساقية عبد المنعم الصاوى وعلى نفقته الشخصية أنتج وأجر مسارح بمدينة الإسكندرية، لم يكترث كثيرا للعمل مع جهة بعينها بينما كان يعمل من أجل فكره وقضيته ومنهجه فى تقديم متعة ذات خصوصية تميز بها مسرحه كما يراه هو وليس كما يراه المخرجون فقرر إخراج أعماله بنفسه وعلى رأسها «بالعربى الفصيح2» التى أعاد تقديمها بنسخة جديدة مع مجموعة من الشباب، «الأسرى»، «اخلعوا الأقنعة»، «عين الحياة»، «المحاضرة»، «الكاميرا الخفية»، «الشىء»، «اعقل يا دكتور» تنقلت هذه العروض ما بين القاهرةوالإسكندرية وحقق بها الرملى نجاحا كبيرا وتخرج من فريقه الكثير من الشباب المتعطش لتقديم مسرح مختلف.حصل على جائزة الأمير كلاوس من هولندا عام 2006 باعتباره الكاتب الأكثر تأثيرا فى مجتمعه حيث ساهم الرملى بلا شك فى تشكيل وعى ووجدان مجتمع بأكمله على مدار سنوات وسنوات وخلق لنفسه شكلا وأسلوبا فى الكتابة الدرامية لم تشبه غيره من الكتاب وبالتالى استحق المزيد من التقدير والعرفان بمنحه وسام الاحترام لما قدمه لمصر على مدار سنوات إبداعه الغزير.